مطعم مايريك، (“الأم” باللغة الأرمنية)، في الجميزة في لبنان

مطعم ليس بجديد على بيروت أو على شارع الجميزة بالتحديد لكن زيارتي الأولى له دفعتني الى ان أنقل لكم هذا التقرير مع بعض الاضافات البسيطة من تجربتي. مايريك” … محطة تستقطب اللبنانيين والعرب في بيروت، جلسة جميلة بين جدران قديمة وديكورات تراثية.

بقلم كارولين عاكوم

استطاع مطعم “مايريك” الأرمني في شارع الجميزة في بيروت أن يسجل حضوراً مميزاً وسط تنوع عرفت به هذه المنطقة بمطاعمها المنتشرة في أحيائه، مكتسبا خصوصية معينة مستوحاة من التراث الأرمني وتقاليده، ليصبح محطة مهمة تستقطب، اضافة الى الأرمن واللبنانيين زبائن من دول عربية عدة وجدوا متعة في تذوق أطباق صنعتها أيادي سيدات أرمنيات محترفات في اعداد الوجبات التي ورثن طريقة اعدادها عن الجدات وقدمنها باتقان وحنين الى الوطن الذي هجر منه ابناؤه قبل حوالي قرن من الزمن.
منذ أربع سنوات يستقبل “مايريك”، او “الأم” في اللغة الأرمنية، زبائنه في بيروت ويقدم لهم أطباقا شهية تنتج في الفرع الرئيسي في منطقة الرابية، حيث المكان معد لتسهيل المهمة على الموظفين تحت اشراف متخصصين في المجال الفندقي، وجميعهم من الجنسية الأرمنية يلمون بخفايا الوصفات وأسرارها.
ويكتشف المتذوق فرادة المأكولات التي يحرص أصحاب المطعم الأرمن من خلال طريقة معينة على نشر ثقافة تقاليدهم عبر تقديمها بطابع تراثي راقي يظهر من شكل الطبق الشهي، بدءا من المقبلات المتنوعة الى السلطات التي ينفرد “مايريك” بتقديمها مرورا بالأطباق الرئيسية وصولا الى الحلويات.
من الطبيعي ألا تختلف مكونات الأطباق عن تلك العربية واللبنانية بشكل خاص، انما تكمن خصوصية المطبخ الأرمني في جمع مواد وأصناف بطريقة خاصة ترتكز في أحيان كثيرة على الحر وعصير البندورة. أما الخبز فلا يعتمد عليه بشكل كبير كأداة لتناول الطعام ويظهر دوره كعنصر اضافي في بعض مكونات الأطباق.
يدخل في المقبلات الأرمنية المعجنات المحشوة بالجبنة واللحمة وتترأسها “المحمرة” ذات الطعم الحار بلونها الأحمر الداكن والتي يدخل في مكوناتها الزيتون والجوز .

إضافة الى الأطباق المتنوعة من “المتبل”، خصوصاً الحمص مع السجق أو الصنوبر أو البسترما المشهورة في المطبخ الأرمني والتي تقدم أيضا ضمن الأطباق الرئيسية على المائدة الأرمنية ويدخل فيها البيض.
أما السلطات فهي متنوعة بألوانها وأصنافها ومكوناتها، خصوصا منها المطيبات الخاصة بكل نوع، ومنها التبولة الأرمنية (Itch)، التي تؤكل بالملفوف الطازج وتتكون من البرغل والبقدونس وأنواع محددة من المطيبات. كذلك هناك سلطة الزيتون التي يدخل في مكوناتها، اضافة الى الزيتون البندورة والجوز… وسلطة الباذنجان وسلطة العدس المسلوق مع الخبز المقلي.
أما تشكيلة “الكبة” في مطعم “مايريغ” فهي تتنوع بين كبة البطاطا وكبة اللحمة وكبة العدس وكبة الرز. ويرافق كل منها صلصة خاصة تضيف اليها مذاقا لذيذا ومميزاً.
ولأن “مفتاح البطن لقمة” كما يقول المثل اللبناني، لا يستطيع الفرد مقاومة طيب الأطباق ومنظرها الشهي متناسيا شعور الشبع الذي قد ينتابه في منتصف الطريق أي قبل الوصول الى مرحلة الأطباق الرئيسة التي تتميز بدورها بكثرة أصنافها، لكنها رغم ذلك تلقى أطباقا معينة شهرة ليس في الوسط الأرمني فحسب، بل يذكرها ويرددها كل من يسمع بالمطبخ الأرمني.
الكوسا والباذنجان المحشي المعروف في المطبخ اللبناني يدخل ضمن هذه الأطباق الرئيسية، لكن تبقى الـ (Mante) والـ (Soubereg) تتنافسان على المرتبة الأولى في سلم الأطباق الأرمنية الرئيسية، وتعتمد الأولى في مكوناتها على قطع العجين الصغيرة والمحشوة بخلطة اللحمة والبصل والمغمورة بصلصة اللبن ومطيباتها، وهي ان تشابهت في مكوناتها مع طبق الـ “شيش برك” اللبناني الذي يستشهد به نادل المطعم عندما يحاول أن يشرح للزبون، انما هي بالتأكيد تنفرد بسر ما يجعله يختلف عن شبيهه اللبناني.
أما الـ (Soubereg) فمكون من طبقات رقيقة من العجين يفصل بينها حشوة من الجبنة البيضاء السميكة. كذلك لا يغيب عن محتويات المائدة المقانق المطبوخ بطرق عدة ومتنوعة والسجق الملفوف في خبز خاص بطريقة محترفة وشهية. ولمحبي الأطباق التي تدخل في مكوناتها الفاكهة سيجدون ملاذهم في طبق الـ (Fishnah kabab) الذي يجمع بين قطع اللحمة (الكباب) والكرز الحلو المطبوخ.
ويأتي أخيرا دور الحلويات الصحية، اذ أن حملها هذه الصفة يعود بالدرجة الأولى الى مربيات الفاكهة الطبيعية بأنواعها المختلفة اضافة الى مربى الباذنجان مع الجوز.
أما أنواع الحلويات الأخرى فمنها البقلاوة الأرمنية بعجينتها السميكة المحشوة بالجوز والفستق التي يضاف اليها السكر المذوب.
ويحتل المعمول الأرمني مركزا متقدما في أصناف الحلويات، وتتكون من عجينة المعمول المعروفة لدى معظم الشعوب، لا سيما العربية منها، ولكنها تتميز عنها بحشوة الجبنة الساخنة الذائبة التي تغري العينين بالتهامها.
وكي تكتمل أجواء الجلسة الأرمنية حرص أصحاب المطعم على اضفاء كل ما يمت الى التراث الأرمني بصلة، ان لناحية الموسيقى التي تصدح في أرجاء المكان أو لناحية الديكور العام بكل تفاصيله من التقسيم الهندسي لأرجاء المطعم التي تختلف بين تلك المطلة على حديقة ملأى بالمزروعات الخضراء وبين تلك الداخلية المزينة جدرانها باللوحات والصور الفوتوغرافية التي تعطي فكرة واضحة عن التقاليد الأرمنية كالزفاف والاحتفالات، والاجتماعات العائلية … وتبقى شاهدة على تراث ربما تشتت في أرجاء المعمورة من دون أن يندثر نهائيا في أوساط العائلات الأرمنية اللبنانية التي تحاول جاهدة الحفاظ على قيمته المعنوية، ولو البسيطة والمتواضعة منها.

www.sfari.com

Share This