الإبادة الأرمنية في المصادرالعربية

Poladian book1

بقلم الدكتور البروفيسور أرشاك بولاديان

منذ الحرب العالمية الأولى صدر العديد من الكتب و الدراسات القيمة التي  ألقت الضوء على تلك الفاجعة الكبرى من تاريخ الشعب الأرمني. إن تلك الكتب والمقالات والمذكرات تشير إلى حقيقة الأحداث، وهي ليست من ابتكار المثقفين الأرمن فقط، بل هي أيضاً لمؤرخين وعلماء من الروس والانكليز والفرنسيين والأميركيين والألمان والعرب وغيرهم من الشعوب. وبخالص الامتنان يذكر الواقع الأرمني اللورد جايمس برايس، أرنولد توينبي، يوري فيسيلوفسكي، أناتول فرانس، فريدوف نانسن، فاليري بريوسوف، هيربرد آدامز كيبونس، يوهانس ليبسوس، هنري باريني، هينري موركنتاو، آرمين فيكنر وفائز الغصين والعديد غيرهم. وفي وقت لاحق حل محل هذا الجيل المخضرم باحثون شباب موهوبون تابعوا عمل أسلافهم ونشروا دراسات علمية قيمة.

هكذا وعبر السنين، سواء كان في أرمينيا أو في الخارج، قدم الباحثون المتخصصون في قضية الإبادة الأرمنية يوميات وشهادات دامغة وآلاف البيانات المحفوظة لشهود عيان ودبلوماسيين وضباط عسكريين وغيرهم من الأرمن والأجانب، وبالتالي ازداد اهتمام الدوائر الاجتماعية-السياسية والمراكز العلمية لبلدان وشعوب مختلفة حول الحقبة المأساوية لتاريخ الشعب الأرمني.

شغلت القضية الأرمنية بما فيها الإبادة الأرمنية التاريخ العربي الحديث والمعاصر. فالدراسات المكرسة عن الشعب الأرمني والتاريخ السياسي لأرمينيا التي قام بها الباحثون العرب على أساس مجموعة واسعة من المصادر والمراجع ألقت الضوء على سياسة الإمبراطورية العثمانية القاسية والوحشية في أرمينيا الغربية والظروف القاسية التي عاشها الشعب الأرمني ونضاله من أجل التحرر، الخ. إلا أنه وفي بداية النصف الثاني من القرن الماضي ازداد تركيز اهتمام المؤرخين العرب حول القضية الأرمنية، ولاسيما الإبادة الأرمنية. ونتيجة لذلك قُدمت للأوساط العلمية العديد من البحوث المستندة على الحقائق التي لا يمكن نكرانها.

عكست المصادر العربية بامتياز القضية الأرمنية بكل ابعادها وملابساتها وتداعياتها منذ تدويلها وفق المادة »61« من معاهدة برلين عام 1878 وحتى إجهاضها دولياً في مؤتمر لوزان عام 1923. ومن هذا المنظور يثير الاهتمام كتابات أو مذكرات شهود عيان التي كتبها عرب سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين عن الإبادة الأرمنية في الأمبراطورية العثمانية.

خلال بحثنا في عدد هائل من يوميات ومذكرات وتقارير شهود عيان للإبادة الأرمنية رأينا من المناسب تقديم ثلاث وثائق باللغة العربية من هذا النوع، التي تعطي صورة كاملة عن ما جرى مع الأرمن من ويلات ووقائع فظيعة على يد العثمانيين في القرن التاسع عشر والقرن العشرين وعن مشروعهم الظالم لإبادة شعب عريق واقتلاع جذوره من أرض وطنه. هذه المذكرات التابعة للمحامي السوري فائز الغصين والموظف التركي نعيم بك ومؤلف مسيحي مجهول تكمن الحقائق التاريخية ومعاناة الشعب الأرمني الذي ذاق مرارة القتل والذبح والتعذيب والتنكيل والتهجير من قبل الطغاة العثمانيين وأدواتهم، أملاً أن تثير اهتمام القراء الكرام تجاه قضية عادلة والسعي لعدم تكرار مثل هذه الجرائم، خاصة ما يجري  اليوم على أرض سورية الصامدة والمسالمة من   وقائع مماثلة تهدف إلى تنفيذ مخططات خطيرة ورهيبة من قبل العثمانيين الجدد.

*مقتطف من كتاب “شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية (مجموعة وثائق) بمناسبة ذكرى مرور مئة سنة على الإبادة الأرمنية (1915-2015)”، إعداد وإشراف ودراسة: البروفيسور الدكتور آرشاك بولاديان، دمشق-2014، حيث ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر مقتطفات منه.

Share This