المصادر المستخدمة في كتاب “الإمارات العربية في أرمينيا البقرادونية” للمؤلف المستشرق الدكتور البروفيسور آرام تير-غيفونديان (3)

arabic-emirates-in-pakradounian-armenia - Copy

المقدمة

يُعتبر المسعودي مؤرخ القرن 10م الرئيسي. ولد في بغداد على الأرجح وسافر إلى إيران والهند والبحر الصيني وزانزيبار وقفل عائداً إلى المناطق الجنوبية لبحر قزوين وسوريا وفلسطين واستقر في النهاية في مصر حيث توفي سنة 956م. انعكست حياته المضطربة على أبحاثه فحاول وصف كل شيء وقعت عيناه عليه لكن بدون تعمّق في طبيعة الأمور. ويذكر في أحيان كثيرة على سبيل المثال الأساطير بدون تقديم شرح وافٍ حولها. ورغم ذلك يعتبره الفيلولوجيون “هيرودوت العرب” استناداً إلى إنجازاته الكبيرة المتعددة الجوانب.

(1) P.K. Hitti [History of the Arabs] 4th. ed. p.391, Princeton-1946.

(2) C.Brockelmann [Geschichte der Arabischen Litteratur] I, Weimar-1898.

تعتبر الموسوعة التاريخية “كتاب أخبار الزمان” أضخم عمل قام به المسعودي إلا أن مجلداته ضاعت بالكامل مع الأسف. وكان الاعتقاد سائداً أن نسخة منها لا تزال موجودة في القسطنطينية لكن تمّ التأكد نهائياً في نهاية الحرب العالمية الأولى أنها ليست هناك. اكتُشِف الجزء الأول منها فقط في حلب وهو موجود الآن في فيينا. ويتحدث المسعودي فيه حول الخليقة والتاريخ الأسطوري لمصر إلى جانب مواضوعات أخرى. شكّل قسم من هذا العمل الضخم كتاباً سُمي “الكتاب الأوسط” بقي منه مجلد واحد في جامعة أوكسفورد أو يعتقد أنه يعود إليه.

نجد ملخصاً لهذا الكتاب في بحث المسعودي المعنون “مروج الذهب ومعادن الجوهر” ألفه عام 947م ونُقِّح سنة 956م. وهناك بعض النسخ من مخطوطات هذا العمل في أوروبا والبلاد العربية. ويحوز تاريخ أرمينيا على قسم ضئيل نسبياً من هذا العمل الذي هو بحث تاريخي ـ جغرافي في طبيعته. ومع ذلك يُعتبر المسعودي المؤرخ العربي الوحيد الذي لمّح إلى وجود مملكة أورارتو القديمة وهو أمر نستغربه ونُجِلّه في الوقت ذاته ويحوز على اهتمامنا الكبير. وعند ذكره للملكة الآشورية سميراميس الشهيرة يشير إلى الصراع بين مملكتي آشور وأورارتو . علاوة على ذلك تحوي مؤلفات المسعودي معلومات قيمة حول مناطق القفقاس المختلفة. والطبعة الباريسية لهذا النص المصحوب مع الترجمة الفرنسية معروفة في أوساط الباحثين .

كان المؤرخ مسكويه، وهو من أصل فارسي على الأرجح، شخصية مقربة من دوائر البلاط ومن مؤرخي القرن 11 م البارزين. ويُعتبر بحثه القيّم “تجارب الأمم” دراسة تاريخية حيث يحوز تاريخ العباسيين على الفصل الأكثر أهمية رغم أنه يبدأ كتابه من الخليقة ويستخدم تاريخ الطبري أساساً لعمله. وتحوز معلوماته حول حقبة البقراتونيين، وخاصة علاقة باسفرجان مع الإمارات الجنوبية، على أهمية كبيرة جداً. طُبعت الفصول التي تمتّ بصلة إلى الخلافة العباسية في لندن سنة 1920 مع ترجمتها الإنكليزية.

ابن الأثير مشهور بدوره في الأدب العربي من خلال أبحاثه العديدة. ولد عام 1160م في “الجزيرة” شمالي ما بين النهرين وتوفي في الموصل سنة 1234م. يبرز “الكامل في التاريخ” بين جميع أعماله حيث وثّق في مجلداته العديدة جميع المعلومات المتوفرة حول التاريخ العربي منذ عام 628 هـ=1231م. أنجز البحث بترتيب كرونولوجي على شكل حوليات. ويقدم ابن الأثير في مؤلفه مجموعة غنية ونادرة من المواد التاريخية وصورة كاملة عن أنباء العرب حول أرمينيا. نشر ثورنبرغ طبعة تحليلية لهذا البحث وظهرت الطبعات العادية في البلاد العربية.

يمكننا العثور عامة على معلومات شيقة حول الأمراء القيسيين في منازكرت ومناطق أرمينيا الجنوبية ـ الغربية في سلسلة مؤلفات المؤرخين الأقل شهرة كالفارقي وابن ظافر والظاهري. ونود تسليط الضوء على الفارقي من بين هؤلاء المؤرخين من القرن 12م. ولد الفارقي في مدينة ميافرقين كما يظهر من كنيته. سافر إلى المقاطعات الأرمنية وزار بلداناً عديدة. ومن مؤلفاته “تاريخ ميافرقين” المحفوظ حالياً في أوكسفورد ـ بريطانيا على شكل مخطوط. نشر H.F.Amedroz و G.Dzeretelli بعض المقاطع من هذا المخطوط.

(1) [History of Damascus of Ibn al Qalanis] H.F.Amedroz ed. Beirut-1908, p360-365.

(2) J.Dzeretelli [Arabic Chrestomaty] Tbilisi-1949, p.68-69.

بينما قدم مينورسكي المقاطع التي تمتّ بصلة بالقفقاس على شكل مقال. نشر هذا الباحث في المدة الأخيرة القسم الذي يتحدث حول الأمراء المروانيين.

من المؤرخين العرب الذين نهتم بهم وتحوز أبحاثهم التاريخية على أهمية خاصة لتطوير بحثنا مؤرخ القرن 18 المدعو منجّم باشي صاحب كتاب “جميع البلدان” الذي كتبه باللغة العربية ولا يزال موجوداً في اسطنبول حتى يومنا على شكل مخطوط. نشر مينورسكي في الفترة الأخيرة بعض فقرات هذا الكتاب التاريخي الضخم من الفصل الذي يروي حول الشداديين وشيروان.

بحوزة الأوساط العلمية الآن ترجمة تركية مكثفة لأعمال منجّم باشي الوسعة قام بها أحمد نديم في القرن 18 التي مع ذلك نُشرت بعد قرن كامل فقط. Ahmad Nadim [Sahaif al akhbar] Constantinople –1868.

قام المؤرخ الأرمني ج.تيرياكيان بترجمة فقرات من المخطوط العربي بعنوان: G.Tireakian [A Brief History of Armenia] Constantinople – 1879. 

كتاب منجم باشي متعدد المواضوعات. يذكر المؤلف أنه استند على 3 مصادر مختلفة باللغة العربية والفارسية والتركية. ومن بين المصادر المذكورة في مقدمة الترجمة التركية بحث بعنوان “تاريخ شيروان ودربند” من المحتمل كُتب في نهاية القرن 11م أو بداية القرن 12م. وهذا المصدر، الذي استخدمه منجم باشي لسرد المقاطع المذكورة أعلاه ونشره مينورسكي، مفقود حالياً. وبما أن هذا البحث ليس بمتناول اليد الآن لذلك علينا قبول المقاطع التي نشرها مينورسكي كمصدر أصلي. ويمكننا أن نلاحظ أيضاً وجود اختلافات كبيرة بين هذه المقاطع وتلك المترجمة إلى اللغة التركية بسبب قيام أحمد بعملية اختصار كبيرة.

من المصادر الأخرى المستخدمة من قبل منجم باشي كتاب “التاريخ المختصر لأرمينيا” لمؤلفه الأرمني يريميا جلبي كومورجيان الذي تُرجم إلى اللغة التركية. وانطلاقاً من هذه الترجمة قام منجم باشي بسرد أحداث التاريخ الأرمني منذ هايك (جد الأرمن الأول ـ المترجم)  حتى الملك ليو الأخير في مملكة كيليكيا الأرمنية.

تعادل الدراسات الجغرافية العربية الأبحاث التاريخية بقيمتها كمصادر أولية. لم تتحدث الجغرافيا العربية حول المناطق العربية فحسب، بل حوت مواد علمية قيمة أيضاً عن الشرق المسلم وجميع مناطق العالم القديم المعروفة لدى العرب في أوروبا والغرب وحتى الصين في الشرق. وكانت للجغرافيا أهمية علمية وعملية مزدوجة عند العرب. وصف الجغرافيون العرب في بادئ الأمر جميع طرق الإمبراطورية وحددوا المسافات بين المدن المختلفة على طول هذه الطرق لأن ذلك كان حيوياً لمصلحة البريد العربية التي كان من مهامها الأساسية الأخرى أيضاً التجسس على نشاطات الحكام العرب المعينين وإرسال التقارير بالسرعة الممكنة إلى الخليفة. علاوة على ذلك كان العديد من الجغرافيين موظفين رسميين سابقين وبين أيديهم سجلات عن الضرائب المحددة على مقاطعات الخلافة العديدة وعلى أساس ذلك ظهر بحث سمّي “كتاب الخراج”.

كان القرن 10م الفترة الكلاسيكية للأدب الجغرافي العربي. ظهر كتاب “المسالك والممالك” مع خرائط عديدة في هذه الحقبة بالذات واضحى هذا البحث الكبير الأساس لتحضير معاجم جغرافية غنية بين القرنين 12-13م. وكانت الموسوعات في مصر المملوكية 1250-1517م آخر إنجاز عربي كبير في الأدب الجغرافي لأن علم الجغرافيا والآداب العربية دخلت بعدئذ في ركود طوال الحقبة العثمانية.

كان أبو القاسم عُبيد الله بن عبد الله خُرداذيبي أول جغرافي عربي مرموق في القرن  9 م من أصل فارسي زرادشتي. ولد سنة 820م وكان والده حاكم طبرستان جنوبي بحر الخزر. وكان أبو القاسم من الأشخاص المقرّبين في قصر الخليفة المعتمد 870-892م ويُعدّ شخصية لها أهمية كبيرة لأنه كان مدير بريد مقاطعة الجَبَال (كردستان الإيرانية) وعلى اضطلاع واسع بجغرافية الخلافة. ويقدم هذا الجغرافي العربي في كتاب “المسالك….” وصفاً مفصلاً حول جميع أراضي الخلافة وطرقها ومعلومات شيقة عن وطنه إيران. وعند حديثه حول الفترة الساسانية يذكِّر بألقاب ملوك إيران منها Buzurg  Armen  Shah (ملك أرمينيا الكبرى) الذي كان لقب الملوك الأرشاقونيين الأرمن.

كان القرن 10م العصر الذهبي للعلوم الجغرافية العربية. ففي تلك الحقبة الزمنية ألّف الجغرافيون العرب المرموقون من أمثال البلخي والإصطخري وابن حوقل والمقدّسي المدرسة الكلاسيكية لعلوم الجغرافيا العربية. ويجب علينا التأكيد على أهمية هؤلاء الجغرافيين بسبب معلوماتهم الهامة حول أرمينيا.

ولد الإصطخري في وسط إيران وهو من أصل إيراني. سافر كثيراً باتجاه آسيا الوسطى والخليج العربي وسوريا ومصر ومناطق إيران المختلفة ووصف في مؤلفه “كتاب المسالك والممالك” البلاد الإسلامية الواقعة بين المحيط الهندي والمغرب .

كان أبو القاسم بن حوقل النصيبيني عربياً على ما يبدو انطلاقاً من كنيته لأنه ولد في نصيبين. عاش لفترة معينة في بغداد ثم حمل عصا الترحال وسافر إلى شمال إفريقيا وإسبانيا. ويعتقد بعض المستشرقين أن سبب أسفاره العديدة جداً هو أنه كان جاسوساً فاطمياً في إسبانيا بسبب انفصال الحكام الأمويين عن الخلافة الشرقية وتأسيسهم خلافة مستقلة واتخاذ قرطبة عاصمة لمملكتهم. نشر De  Goeje أعمال ابن حوقل إلا أن المستشرق كرامر نشر في عام 1938 طبعة تحليلية عن مخطوط أقدم محفوظ في القسطنطينية كتب سنة 1086م.

للخرائط العربية، التي وصلت في جودتها ودقتها إلى أعلى مستوى لها في القرن 10م، دور كبير في بحثه. وتصنّف هذه الخرائط تحت اسم “أطلس الإسلام”. ويقدم ابن حوقل فصلاً كاملاً حول ظروف أرمينيا الإقتصادية (إلى جانب أغبانيا وآذربيجان) في حقبة الأمراء والملوك البقراتونيين مركّزاً انتباهه على مدينة دبيل عاصمة أرمينيا الحقيقية. ويذكر أيضاً الصراع بين الملك الأرمني سمبات الأول والساجيين.

يعتبر المقدّسي ممثلاً مرموقاً لمدرسة جغرافيا القرن 10م الكلاسيكية. ولد في بيت المقدس عام 946-947م. طاف في جميع أقطار العالم الإسلامي وسافر إلى أرمينيا أيضاً وزار عاصمتها دبيل وقدم عنها معلومات شيّقة. توفي المقدسي سنة 1000م. ويعدّ كتاب “أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم” حصيلة أسفاره الطويلة. قيمة هذا الكتاب التوثيقية كبيرة إلى درجة يعتبرها الباحثون أفضل كتاب جغرافي ظهر في جميع العصور. ويحتوي هذا البحث على خرائط عديدة أيضاً إلا أن قيمتها أقل بكثير من العمل ذاته. وكالجغرافيين الآخرين لهذه المدرسة الكلاسيكية وصف المقدّسي أحوال العالم الإسلامي فقط وأضاف عليها أرمينيا وإيبيريا وأغبانيا لأن هؤلاء الجغرافيين الكلاسيكيين كانوا يعتبرون هذه الدول المسيحية ضمن العالم الإسلامي رغم انفصالها عن الخلافة.

يُعتبر أبو دلف، الذي قام برحلات عديدة إلى بلدان بعيدة، مؤلفاً من القرن 10م أيضاً. وصف بدوره أحوال أرمينيا وآذربيجان وإيران. فتُرجم كتابه إلى اللغة الروسية ونُشر في موسكو في المدة الأخيرة من قبل مينورسكي .

حاز الإدريسي الجغرافي العربي من القرن 12م على شهرة واسعة لدى الباحثين الأوروبيين رغم عدم تطابقها مع  القيمة الحقيقية لأبحاثه الجغرافية. وينحدر الإدريسي من عائلة مغربية نبيلة حكمت المغرب بين القرنين 9-10م. ولد سنة 1110م ودرس في قرطبة. ذكر في كتابه أنه سافر إلى فرنسا وإنكلترا وآسيا الصغرى. ومن الحيوي أن نذكّر هنا أن المحيط الذي عاش فيه كان له أثره الكبير على أبحاثه. لقد عاش في صقلية التي كانت بيد المسلمين مدة قرنين ثم احتلها النورمانديون. أمضى الإدريسي 16 سنة من حياته في مدينة باليرمو في بلاط الملك روجر الأول المحب للعرب وتوفي فيها عام 1165م. ألف كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” في هذه المدينة بالذات برعاية الملك المذكور الذي كان يهوى الثقافة العربية. وكانت هذه الجزيرة في تلك الحقبة نقطة تقاطع بين الحضارة العربية من جهة والعالم الكاثوليكي اللاتيني من طرف آخر. وبطلب من الملك قام الإدريسي بصنع كرة أرضية من معدن الفضة ووضع عليها خريطة العالم المعروف في ذلك الوقت إلا أنها دمّرت أثناء ثورة قامت في الجزيرة. وللإدريسي أيضاً خرائط رسمت على الورق. وعمله هذا هو عبارة عن مخطوطات مبعثرة في عدد من الأمكنة  والمعلومات التي دوّنها حول أوروبا الغربية قيمة جداً. لم تظهر مع الأسف نسخة كاملة لنص الإدريسي حتى تاريخه. إلا أنه عُثر في روما عام 1592 على نسخة مقتضبة من مؤلفه. اكتشفت أيضاً ترجمة A.Jaubert اللاتينية المنشورة في باريس سنة 1619 بمجلدين الذي كان أحد أعضاء حملة بونابرت على مصر. وفي وقت لاحق جهّز المستعرب الألماني كونراد ميللر “أطلس الخرائط العربية” انطلاقاً من خرائط الإدريسي.

يُعدّ ياقوت الحموي الرومي أحد أهم الجغرافيين العرب المرموقين. كان من أصل يوناني جيء به من آسيا الصغرى كعبد وبيع إلى تاجر عربي من مدينة حماه السورية الذي لاحظ أن عبده شخص متعلم. بعد وفاة سيده أُعتِق ياقوت وبدأ يقوم بسلسلة أسفار طويلة إلى مصر وإيران وآسيا الوسطى لكنه اضطر للرجوع إلى الأراضي العربية بسبب اجتياح المغول حيث ألف كتاب “معجم البلدان”.

لا يشمل المعجم أسماء أمكنة جاءت بالترتيب الهجائي فحسب، بل يقوم الحموي بتهجئة الكلمة ثم يقدم معلومات واسعة حول تاريخ هذه المناطق وجغرافيتها. وعلى نقيض جغرافيي المدرسة  الكلاسيكية لا يحصر الحموي دراساته بالعالم الإسلامي، بل يقدم وصفاً للعالم المعروف آنذاك أيضاً. ولا يكتفي أيضاً بالمصادر التاريخية والجغرافية، بل يلجأ كذلك إلى الشعر. لذلك يُعَدّ مؤلفه الجغرافي موسوعة شاملة يضم بين دفتيه جميع المعلومات التاريخية والجغرافية الميّسرة في تلك الحقبة. يمنحنا الحموي ثروة من المعلومات حول أرمينيا الكبرى وكيليكيا مركّزاً بشكل خاص على أرمينيا الجنوبية التي كانت على علاقة أوسع نسبياً مع العالم العربي.    

كان الجغرافيون العرب يرون أن أرمينيا تسمية عامة لأنها تضم في الواقع إيبيريا الشرقية وأغبانيا إلى جانب أرمينيا الأصلية (أي ولاية أرمينيا العربية-المترجم). وتنقسم أرمينيا في التاريخ العربي إلى 3 أقسام انطلاقاً من طبيعة الشعوب 3 التي كانت تقطنها أو إلى 4 مناطق هي: أغبانيا وإيبيريا والمناطق الشرقية والمناطق الغربية من الهضبة الأرمنية. ظلت الحال على هذا الشكل حتى الفترة الممتدة بين القرنين 6-7م أي فترة ظهور الإمارات العربية. لذلك تذكر أرمينيا وآذربيجان بتسمية واحدة في أعمال الجغرافيين العرب. وكانت الحال مشابهة أيضاً في الفترة الساسانية في القرن 6 م عندما تشكلت من أرمينيا وإيبيريا وأغبانيا وآذربيجان وبعض المناطق الصغيرة الأخرى حول بحر الخزر وحدة كاملة. استرعت العلوم الجغرافية العربية انتباه الباحثين الأوروبيين منذ ظهور الإسلام إلا أن الدراسات الجدية حولها بدأت مطلع القرن 19 فقط. ويجب علينا أن نذكر هنا بشكل خاص معجم المستعرب الهولندي M.J.De Goeje المؤلف من ثمانية أجزاء جاءت تحت عنوان : [Bibliotheca Geographicorum Arabicorum]

أصبحت الجغرافيا العربية نموذجاً يحتذى للشعوب المسلمة الأخرى كي تقوم بدورها في تطوير آداب مماثلة في بلدانها. ونرى مثلاً تأثيرات الجغرافيا العربية على الجغرافيا الفارسية من حيث المبادئ والفحوى. ويمكننا التأكيد على هذا التأثير على الجغرافيا التركية أيضاً. وعلى الرغم من أن عدداً كبيراً من الفرس لعبوا دوراً متقدماً في الأدب العربي كجغرافيين ومؤرخين على وجه الخصوص، إلا أن أبحاثهم تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الآداب العربية لأن التأريخ الفارسي في الحقيقة تطور بلغته الأم بعد القرن 11م فقط. لذلك من المستحيل استخلاص معلومات وافرة حول حقبة البقراتونيين الأرمن من خلال المؤرخين الفرس.

يجذب انتباهنا المقطع الذي جاء حول أرمينيا الجنوبية في “سفرنامة” الشاعر الفارسي Nasiri Khusrav. تتميز أعمال هذا الشاعر بشكل عام بفحواها الديني والأخلاقي. وكان ينتمي إلى الطائفة الشيعية ويعتبر من أعظم أدباء عصره. ويحتوي كتابه وصفاً لأهم الطرق التي سار عليها أثناء أسفاره سنة 1046م.

نجد تأثيرات الجغرافيا العربية في بحث بعنوان “حدود العالم” لمؤلف مجهول عاش في القرن 10م. اكتشف أ. ج.تومانسكي المخطوط الوحيد عام 1892 ونسخه ف.بارتولد بالتصوير الضوئي سنة 1930 ثم نشر مينورسكي ترجمة إنكليزية وقدم تعليقاً مسهباً حول العمل.

أما الدور الذي لعبته العناصر الكردية في تاريخ الإمارات في أرمينيا فإن البحث الفارسي المعروف “شرفنامة“ لمؤلفه الأمير بدليس الكردي شرف الدين من القرن 16 فإنه يضيف معلومات  حيوية وواسعة جداً على بحثنا وخاصة أن هذا العمل هو المصدر الوحيد للتاريخ الكردي المبكّر. نشر V.Valianov  Zernov الكتاب بلغته الفارسية في بطرسبورغ وترجمهF. Charmoy إلى الفرنسية بعدئذ.

إلى جانب هذه الأبحاث وصلتنا أيضاً مستندات ديبلوماسية شتى إلا أن تلك المتعلقة بأرمينيا نادرة جداً. استقرت العائلة البقراتونية الأرمنية بعد ترحال في مدينة آني التي كانت لها علاقات ديبلوماسية وثيقة جداً مع بيزنطة والخلافة العربية. لذلك فإن المستندات، التي تمتّ بصلة إلى هذه العلاقات وكانت موجودة في مدينة آني، دمّرت مع الأسف كاملة وما وصل إلينا من ذلك الأرشيف هو عبارة عن بعض الاقتباسات المختصرة من قبل مؤرخين معاصرين . عثرنا على بعض الأجزاء من مخطوطات تحوي رسائل وأوامر. لكن فرمانات الحكام وأرشيفاتهم في هذه الفترة ضاعت كاملة. ومع ذلك هناك إشارات عابرة حول منح الملوك البقراتونيين الأرمن لقلاع وقرى ومقاطعات لهذا الأمير أو ذلك الدير.

يمكن العثور اليوم على شواهد كتابية عربية في أرمينيا. رغم قلة عددها إلا أنها تحوز على أهمية معينة. وأقدم 3 كتابات عربية موجودة على كنيسة Zevartnots تعود إلى فترة الاحتلال العربي لأرمينيا. وتحتوي هذه الكتابات الثلاث على أدعية نُقشت على جدار الكنيسة بين القرنين 8 ـ 9 م من قبل بعض العرب حيث نجد اسم الكاتب وتاريخ كتابة هذه التعابير الدينية.

عثر أثناء التنقيبات في مدينة آني على بعض الألواح الحجرية تحتوي على بعض الكلمات العربية غير المفهومة وتعود إلى تاريخ مبكّر. اكتشفت في المدينة أيضاً كتابات عربية تزيينية نُقشت على رخام الألاباستر تعود إلى الحقبة الممتدة بين القرنين 11-13م وهي محفوظة الآن في متحف يريفان التاريخي. ونأمل بالعثور على المزيد منها أثناء التنقيبات الأثرية المستقبلية.

يعتبر الخاتَم العربي للملك الأرمني آشوت الأول البقراتوني، الذي اكتشف قبل بضع سنوات في منطقة القفقاس الشمالي، من اللقى النادرة. وبما أننا لم نعثر حتى على مستند واحد يعود إلى حقبة البقراتونيين لذلك فإن اكتشافه يحوز على أهمية استثنائية.

تعود أقدم الكتابات العربية التي تمّ العثور عليها إلى الحكام الأكراد المروانيين في منطقتي أباهونيك وأغجنيك في حقبة انحدار مملكة البقراتونيين قام بنشرها M Van Berchem. هناك كتابة عربية كوفية تعود إلى عام 1072م على جامع Manutche في مدينة آني حيث ذُكر اسم مانوتشه والسلطان السلجوقي.

لم يستخدم  الملوك البقراتونيون نقوداً خاصة بهم بل اكتفوا بالنقود العربية التي ضُربت في دبيل والمناطق الأخرى أو النقود التي جاءت من بيزنطة. تأسست دار سك النقود العربية في دبيل أثناء الهيمنة العربية واستمرت في عملها حتى بداية عهد البقراتونيين. بحوزتنا آخر قطعة نقدية ضربت بدبيل في عام 330هـ=941 –942م . قدم Ch. Frähn الاختصاصي، الشهير في النقود ، في بداية القرن 19 في مؤلفه المتعدد الأجزاء تحليلاً حول النقود العربية التي ضُربت في دبيل . قام R.Vasmer بدراسة هذه المعطيات بشكل علمي لتوضيح بعض المسائل في تاريخ أرمبنيا. ولا يزال اكتشاف هذه النقود ودراستها مستمراً حتى يومنا.

تحوز نتائج التنقيبات الأثرية على أهمية كبيرة في دراسة تاريخ أرمينيا البقراتونية. أظهرت التنقيبات التي أجراها N.Marr وJ.Orbelli في مدينة آني في نهاية القرن 19 حقائق ولُقى عديدة جداً حول الحياة الإجتماعية في تلك الفترة. بوشر بهذه التنقيبات الأثرية سنة 1892 واستمرت لسنوات طويلة ونشر هذان العالمان الروسي والأرمني نتائجها تحت عنوان “سلسلة آني”. وبعد فترة جمع مار نتائج التنقيبات والمصادر المكتوبة ونشر دراسة واسعة جداً باللغة الروسية حول هذه المدينة العريقة بعنوان “أني”.

قام المنقًب الأثري الأرمني كارو غافاداريان بتنقيبات منهجية في مدينة دبيل بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في سنة 1946 تحديداً. أدّت الحفريات إلى استخلاص معلومات قيمة جداً سلطت ضوءاً ساطعاً على تطور المدن القروسطية ومسائلها الإجتماعية وهي مسائل يصعب في أحيان كثيرة التأكد من صحتها انطلاقاً من المصادر المكتوبة فقط أو المواد التوضيحية في المنمنمات.

*ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر كتاب “الإمارات العربية في أرمينيا البقرادونية” للمؤلف المستشرق الدكتور البروفيسور آرام تير-غيفونديان، (الطبعة الثانية المنقحة)، ترجمه عن الإنكليزية: الدكتور ألكسندر كشيشيان، عضو اتحاد الكتاب العرب، رئيس تحرير “كتاب العاديات السنوي للآثار”، صدر الكتاب عن مؤسسة المهندس فاروجان سلاطيان، حلب 2013، وسيتم نشر فصول الكتاب تباعاً.

Share This