كتاب «المذابح في أرمينيا» لفائز الغصين

كتاب فائز الغصين

إن كتاب «المذابح في أرمينيا» من أول أعمال المحامي فائز الغصين، والذي أصبح الدافع الرئيسي لكتابة مؤلفات من هذا النوع. وهو مبني على ما رآه الكاتب وعلى أساس الأدلة التي جمعها أثناء تواجده لمدة ستة أشهر ونصف في ديار بكر. وكما يبدو فإن معظم معلوماته كانت من قبل شهود عيان ومأمورين أتراك وضباط ومنفذي المجازر وأرمن منفيين وغيرهم.
تصف مذكرات الغصين في الواقع، الفترة المحددة الواقعة بين آب 1915 وحتى شباط 1916، بالتالي يعد من أبرز شهود العيان لأنه عايش الإبادة الأرمنية فأعطيت لمذكراته أهمية كبيرة كونها فريدة من نوعها مما فيها من إثباتات لأعمال الإمبراطورية العثمانية، وخاصة سياستها الإجرامية ضد الشعب الأرمني.
بأمر من جمال باشا، كما ذكرنا، نفي فائز الغصين من عاليه إلى أرضروم في بداية آب 1915، ووصل إلى دياربكر في 15 آب من نفس العام أي خلال أسوأ مرحلة شهدتها الإبادة الأرمنية.
وهكذا سرد الكاتب ما شاهده في طريقه إلى دياربكر من مناظر تقشعر لها الأبدان وتسبب الغضب والشفقة تجاه الأرمن، ما دفع الغصين لسؤال نفسه، عن سبب قتل هؤلاء، ماذا فعلوا؟ وما الذنب الذي ارتكبوه ليستحقوا الموت؟ رغم أنه وجد الجواب لسؤاله، ولكنه لم يستطع فهم منطق تلك العمليات بأكملها ولا الطبيعة العنيفة والوحشية للقتلة ومتعتهم بالاتلاف والهدف وراء تعذيب شعب مسالم وبريء بشكل سادي وظالم. فبعد ما رآه الغصين من جرائم ارتكبت بحق الأرمن فكر، كما يقول: »في نشر هذا الكتاب خدمة للحقيقة ولأمة ظلمها الأتراك وخوفاً عمَّا سيرمي به الأوروبيون الدين الإسلامي من التعصب«. كما نلاحظ أن ما رأى وسمع الغصين هو مجرد جزء صغير، ومع ذلك فهو بهذا الجزء الصغير استطاع أن ينقل للقارئ ما جرى في أرمينيا الغربية من مذابح على نطاق واسع من البلاغة، لإقناع القراء بأن الإبادة الأرمنية واقع لا يمكن إنكاره.
وخلال سرد الاحداث الدامية والفظيعة في ارمينيا لغاية شهر شباط 1916، يذكر فائز الغصين وفق معلومات أحد الموكلين الأتراك بإتلاف الأرمن الذين تجاوز عدد ضحاياهم مليون ومئتي الف نسمة.
كان للغصين في كتابه »المذابح في أرمينيا« هدف ثان لا يقل أهمية عن الهدف الأول، والذي يتعلق بالدين الإسلامي، الذي حاول وبشدة توضيح براءة المسلمين من عمليات الإبادة التي تعرض لها الأرمن، ووضع المسؤولية على قادة حزب الاتحاد والترقي رافضاً عنفهم الغير إنساني وجرائمهم الظالمة وممارستهم من تشويه للمبادئ الإسلامية.
وبهذا الصدد أدان الغصين وبشدة المجازرالدموية فكتب أن هذه العمليات مناهضة للشريعة والأحكام الإسلامية، وبالتالي فإن الحكومة التركية لا يحق لها أن تسمى بالإسلامية، ووفقاً لذلك ينبغي حماية المسلمين وتبرئتهم أمام الدول الأوروبية وإلا فإن هذا العمل سيعد نقطة سوداء لا تمحى من تاريخ الأمة الإسلامية.
ذكر الغصين في كتابه الثاني »مذكراتي عن الثورة العربية« بشكل ملخص ما يؤكد مرة أخرى على الاهتمام الكبير لهذا الشاهد العربي بالإبادة الجماعية للأرمن وانطباعاته حولها، رغم أنه كرر في هذا الكتاب شواهد قد سبق وذكرها في كتابه »المذابح في أرمينيا« إلا أن الكتابين يستكملان الصورة العامة للإبادة الجماعية للأرمن.
نشر كتاب “مذكراتي عن الثورة العربية” لأول مرة في دمشق عام 1939، وحتى وقتنا هذا بقي خارج اهتمام علماء الإبادة الأرمنية، الذين يستخدمون كتابه »المذابح في أرمينيا« فقط.
في هذا المؤلف استخدم الغصين ولأول مرة في أوساط الباحثين في الشؤون الأرمنية مصطلح »الإبادة« بالعربية وهو يعتبر الترجمة الحرفية لمصطلح “Genocide” المتداول عالمياً، بالإضافة إلى أنه استخدم جملة »إبادة الأرمن عن بكرة أبيهم«.
وفقاً لفائز الغصين كان الأرمن بأمر من قادة تركيا الفتاة يساقون من مواطنهم الأصلية إلى ولاية الموصل عبر دياربكر، حيث كانوا يتعرضون للإبادة الشاملة. ومن أجل تحقيق هذه الجرائم نظمت الحكومة ما يسمى بـ »جنود المتطوعة« الذين كان معظمهم من الأكراد والشركس. وكان هؤلاء يقومون بإتلاف المهجرين الأرمن بأوامر من والي دياربكر رشيد بك الدموي الذي وصفه الغصين بـ »بطل رواية الأرمن المحزنة الذي أظهر من القساوة والفظاعة ما يحمر منه وجه الإنسانية خجلاً وتتفطر القلوب حزناً«.
يشير فائز الغصين بكل ألم إلى أنواع القتل والدمار المختلفة التي نفذت ليس فقط في دياربكر، بل في كافة الولايات العثمانية، ووفقاً لمعلوماته، فإلى جانب التعذيب والاغتصاب وأساليب الاضطهاد الأخرى، فإن عدداً كبيراً من الأرمن المنفيين قتلوا بالأسلحة النارية وذبحوا بالسكاكين والفؤوس والخناجر كالغنم، إضافة إلى إغراقهم في مياه الدجلة والفرات، ورميهم من مرتفعات الجبال والوديان والآبار، وخنقهم بالدخان، وغير ذلك من الأساليب الوحشية. تم تطبيق هذه الأحكام على الجميع، بغض النظر عن الجنس والعمر، ولكن باستثناء بعض النساء الجميلات والمراهقات اللواتي كن يؤخذن كزوجات أو يستخدمن كجاريات. أما منازل وممتلكات الأرمن فقد كان يتم اختلاسها فوراً من قبل الأتراك الذين قاموا بتحويل الكنائس إلى مستودعات بعد سرقة محتوياتها وكذلك كافة الأغراض المنزلية وبيعها بأبخس الأسعار.
إن مذكرات الغصين، كما ذكرنا سابقاً، تعد من أهم المواد والشواهد حول المذابح الأرمنية لأهمية ما تحويه من مواد ثمينة ووثائق عن تاريخ وجغرافية وحجم الإبادة الجماعية الأرمنية.

* مقتطف من كتاب “شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية (مجموعة وثائق) بمناسبة ذكرى مرور مئة سنة على الإبادة الأرمنية (1915-2015)”، إعداد وإشراف ودراسة: البروفيسور الدكتور آرشاك بولاديان، دمشق-2014، حيث ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر مقتطفات منه.فائز الغصين، المظالم في سوريا والعراق والحجاز، العقبة، 1918، مذكراتي عن الثورة العربية، ج1، دمشق، 1939، دمشق، 1970. فائز الغصين، المذابح في ارمينيا، ج8. فائز الغصين، مذكراتي، ج1، ص67، انظر أيضاً: المذابح، ص54. فائز الغصين، مذكراتي عن الثورة العربية، ج1، ص66-67. نفس المرجع، ص67. فائز الغصين، مذكراتي، ج1، ص66. فائز الغصين، مذكراتي، ج1، ص62.

Share This