المذابح الأرمنية

genocide museum Adana

لم يذكر التاريخ أن الأكراد مواطني الأرمن في الولايات التي يسكنها الأمتان قاموا على بعضهم وتقاتلوا أو أن الأكراد استحلوا أموال الأرمن وسبوا نساءهم إلى تاريخ 1888.  فإن الأكراد قاموا بأمر من الحكومة التركية وقتلوا أناس من الأرمن في ولايات وان وخربوط وارضروم وموشن وبتليس. وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1896 افرنجية. لما قام الأرمن ودخلوا البنك العثماني باسطنبول بقصد ارهاب عبد الحميد واجباره على اعلان الدستور فإنه أمر بقتلهم في اسطنبول وفي الولايات. ولم نر إلى الآن أن أهل البلاد العثمانية أقدموا على قتل الأرمن بصورة عامة إذا لم تجبرهم الحكومة وتحرضهم على ذلك، وقد قتل من الأرمن في هذه المذبحة أي في 25 و26 آب سنة 1896 في نفس اسطنبول (15000) خمسة عشر ألفاً، وثلاثمائة ألف نسمة في الولايات.

وقد قتل الأرمن أيضاً في ولاية أضنة عقب إعلان الدستور بشهر. ولكن هذا القتل لم يتجاوز ولايتي أضنة وحلب حيث كان نفوذ عبد الحميد له المكان الأعلى هناك أي سنة 1909 ولم أعثر على معلومات مفصلة عن هذه المذبحة ولا عن مقدار الذين قتلوا فيها.

وقد نهبت أموال الأرمن ومواشيهم وهدمت دورهم وخصوصاً في قتال 1866 وكان كثير من مواطنيهم يحمونهم ويخفونهم في بيوتهم عن مأموري الحكومة.

وكانت الحكومة في كل الأوقات تثير الأكراد والأتراك المسلمين عليهم متخذة من الدين الإسلامي واسطة للوصول لمآربها، نظراً لجهل المسلمين أحكام دينهم الصحيحة.

إلى القارئ

بيان الحكومة العثمانية

بما أن الأرمن يأتون بأمور مخالفة للقوانين وينتهزون الفرص لإقلاق الحكومة، وقد ظهر عندهم أسلحة ممنوعة وقنابل ومواد متفجرة مهيأة بقصد عمل الثورة و داخل البلاد وقد قتلوا المسلمين في وان وساعدوا الجيوش الروسية، ولما كانت الحكومة بحال الحرب مع دول انكلترا وفرنسا وروسيا فخوفاً من أن يتصدى الأرمن لعمل شغب وثورة كعادتهم، فقد قررت الحكومة جمع جميع الأرمن وسوقهم لولايتي الموصل وسوريا وللواء دير الزور على أن تكون أعراضهم وأموالهم وأنفسهم في أمان من اعتداء المعتدين وتسلط المجرمين، وقد أعطيت الأوامر اللازمة لإحضار أسباب راحتهم ولإسكانهم في تلك البلاد إلى أن تضع الحرب أوزارها.

هذا هو بيان الحكومة العثمانية الرسمي بحق الأرمن وأما قرارها الخفي فهو أن تؤلف توابير (مليس) لأجل معاونة أفراد الدرك على قتل الأرمن، وأن يقتلوا عن بكرة أبيهم وأن يكون القتل والاتلاف تحت نظارة أناس من فدائي الاتحاديين الذين عرفوا بقساوة القلب، فعينوا رشيد بك لولاية ديار بكر وأعطوه سلطة واسعة وزودوه بشرذمة من القتلة المشهورين كأحمد بك السرري ورشدي بك وخليل بك وأمثاله.

وأسباب هذا القرار على ما قيل أن الأرمن الموجودين في أوربا ومصر أرسلوا عشرين من فدائييهم لقتل طلعت وأنور ومن ماثلهم من صناديد الاتحاديين، فلم يفلحوا إذ أن أحد الأرمن الخائنين لأمتهم ومن محبي بدري بك مدير الأمنية العمومية في اسطنبول »وقيل عزمي بك« أخبره بالمسألة ودل على الفدائيين الأرمن الذين وصلوا لاسطنبول فألقي القبض عليهم وقتلوا هناك سراً كي لا يقال أنه يوجد أناس يسعون لقتل رؤساء الجمعية الاتحادية.

ومن الأسباب أيضاً على ما قيل أن بعض الأرمن الذين جمعتهم الحكومة من ولايتي حلب وأدرنه وساقتهم ليكملوا خدمتهم العسكرية فروا بسلاحهم إلى الزيتون، واجتمع منهم هناك مقدار ستين شاباً وشرعوا يقاومون الحكومة ويتسلطون على المارة فساقت الحكومة قوة عسكرية مع فخري باشا، فذهب وهدم قسماً من الزيتون وقتل نساء ورجالاً وأطفالاً ولم ير فخري باشا مقاومة من الأرمن، وقد جمع الرجال والنساء وأرسلهم مع كتائب من الجند، وهذه  قتلت كثيراً من رجالهم. وأما النساء فلا تسل عما جرى بهن فإن الأعراض أصبحت مباحة للجند العثماني والأطفال ماتوا من العطش والجوع ولم يصل من الرجال والنساء إلى سوريا إلا كل أعرج وأعمى. لا يقدر أن يعيش نفسه. وأما الشبان فقد قتلوا جميعاً والنساء الجميلات فقد صرن سبايا لشبان الأتراك.

ونقل للزيتون مهاجرو »الروملي« واسكنوا هناك. وقد بدل اسم الزيتون باسم رشادية حتى لا يبقى هناك شيء يذكر الأتراك باسم الأرمن. وقد رأينا عند مرورنا من حماة، نساء كثيرات ورجالاً من الأرمن جالسين تحت خيام صغيرة صنعوها من الملاءات والبسط وغيرها وكانت حالتهم محزنة جداً وكيف لا تكون محزنة؟ وقد كان كثير من تلك النساء والرجال لم يعتادوا الجلوس إلا على الكراسي الهزازة والفرش الناعمة في بيوت بنيت على أحسن طرز ونظمت أحسن تنظيم وفرشت أحسن تفريش. وقد رأيت كما رأى غيري، كثيراً من الأرمنيات والأرمن ضمن عجلات نقل السكة الحديدية بين حلب وحماة مكدسين بعضهم على بعض بصورة تجلب الشفقة والرحمة. وبعد أن وصلت إلى حلب وأقمت بها يومين ركبنا القطار إلى محل يقال له »عرب بوناري« وكان يرافقني خمسة من الأرمن مخفورين ومرسلين إلى ديار بكر، فسرنا ماشيين على الأقدام من ذلك المحل إلى سروج، فنزلنا خاناً كان ملآناً من نساء الأرمن وأطفالها وقليل من الرجال المرضى وكانت تلك النساء بحالة يرثى لها اذ أنهن جئن من أرضروم ماشيات على أقدامهن إلى سروج وقد وصلن بعد مدة طويلة، لقد تكلمت معهن بالتركية فقلن لي أن أفراد الدرك الذين كانوا معهن كانوا يجيئوا بهن إلى المحال التي لا يوجد بها ماء ولا يدلوهن على الماء حتى يأخذوا منهن دراهم ثمن الماء. وكانت الحاملات منهن يضعن حملهن في الطريق فيتركوهن في البراري والقفار الخالية من السكان وكانت أكثر تلك النساء يتركن أطفالهن جزعاً أو من المرض والضعف الذي ألمَ بهن فيعجزن عن حملهم ويرمين بهم على الأرض. ومنهن من تمنعهن الشفقة فيمتن في القفار ولا يفارقن أطفالهن. وقد قلن لي أنه كان يوجد بينهن من لم تكن تعتاد المشي ساعة على أقدامها اذ أنها نشأت بالدلال بين رجال تخدمها ونساء تنادمهن فأصبحن بين أيدي الأكراد الذين لا يفقهون حديثاً ولا يعيشون إلا في الجبال الشاهقة وبين الأحراش الكثيفة كالوحوش المفترسة بهتك أعراضهن فيمتن قسراً وقهراً وكثيرات منهن قتلن أنفسهن ولم يسلمن بأعراضهن لهذه الذئاب الضارية.

ثم ركبنا عجلات من سروج وسرنا إلى الرها »أورفه« وقد رأيت بأم عيني، جماهيرا ماشية على أقدامها، ظننتها عن بعد جنداً سائرة لميادين الحرب. فلما قربت فاذ هن نساء أرمنيات ماشيات على أقدامهن حافيات حاسرات قد صففن كصفوف الجنود يمشي أمامهن وخلفهن أفراد من الدرك. وكلما تخلفت واحدة منهن يلكمها الدركي بكعب بندقيته فيرميها على وجهها فتقوم مرعوبة وتلحق برفيقاتها. وأما من تخلفت منهن عن مرض ألمَ بها فيتركوها في البرية وحيدة لا معين لها ولا أنيس فتكون طعمة للوحوش أو يرميها الدركي برصاصة يودي بحياتها.

فلما وصلنا إلى الرها »أورفه« علمنا أن الحكومة أرسلت قوة من الدرك والشرطة لحارات الأرمن فيها، لتجميع السلاح منهم وبعدها تفعل جلدتهم اذ كانت خانات الرها ملأى بالنساء والأطفال. فلم يسلموا سلاحهم وقابلوا القوة بالسلاح فقتلوا شرطياً وثلاثة من أفراد الدرك. فطلبت حكومة »الرها« قوة من حلب فجاء فخري باشا بأمر من جمال باشا، جلاد سوريا المشهور، وجلب معه مدافع فجعل محلات الأرمن قاعاً صفصافاً وقتل الرجال والأطفال وكثيراً من النساء إلا اللواتي سلمن حالهن فكان نصيبهن كنصيب أخواتهن النفي من هناك ماشيات على أقدامهن إلى دير الزور. هذا بعد أن اختار له ولضباطه الجميلات من بينهن. لكن   الأمراض فتكت بهن فتك الذئاب بالغنم. والأتراك والأكراد تهتك اعراضهن والجوع والعطش يهلك الباقيات منهن.

وبعد أن سرنا من الرها بدأنا نرى أيضاً جماهير من النساء أعياهن التعب والشقاء وامات نفوسهن الجوع والظمأ ورأينا جثث الموتى ملقاة على حافتي الطريق.

ولما وصلنا لمحل قريب من قرية تسمى »قره جورن« تبعد ست ساعات تقريباً عن الرها نزلنا عند ماء لنشرب، فمشيت قليلاً نحو منبع الماء وإذا بمنظر تقشعر لهالأبدان وترتعد من رؤيته الفرائص وتتألم منه النفوس وإذا بامرأة ملقاة على ظهرها بدون لباس وقميصها أحمر من الدم مطلق عليها أربعة عيارات نارية أصبنها في صدرها وتحت ثديها. فوالله أنني لم أملك نفسي من الألم والحزن وجاشت نفسي فبكيت بكاءاً مراً. ولما أخرجت محرمة لأمسح دموعي. ونظرت نحو رفاقي لأرى هل أحد منهم شعر بي أم لا، اذ رأيت طفلاً لا يتجاوز الثامنة من عمره مضروباً بفأس على أم رأسه وملقى على وجهه، فزدت بالنحيب ولكن رفاقي قطعوا بكائي فقد سمعت الضابط عارف أفندي ينادي الخوري اسحاق ويقول له تعال إلى هنا بالعجل فعلمت أنه رأى شيئاً أدهشه فذهبت نحوه فماذا أرى أيها القراء، ثلاثة من أطفال نائمين في الماء خوفاً على أرواحهم من الأكراد الذين سلبوهم ثيابهم بعد أن اذاقوهم من العذاب أنواعاً وأبواباً، ورأينا أمهم تئن من ألم الوجع والجوع فقصت لنا قصتها فقالت أنها من ولاية ارضروم وقد جاء بها الجند مع كثير من النساء إلى هذا المحل بعد أن قضين أياماً وليالي، وبعد أن سلبن ما معهن من مال وثياب وبعد أن اختير الجميلات منهن اجتمع عليهن رجال ونساء من الأكراد ونهبوا بعض ما بقي عليهن من الثياب وبقيت هي هنا لمرض اصابها فلم يفارقها أطفالها، فجاء الأكراد وأخذوا جميع ثيابهم وتركوهم عرايا هنا. وقد نام أطفالها في الماء خوفاً من الأكراد. وقد وصلت لحالة الموت فجمع الخوري ثياباً وأعطاها لتلك الامرأة والأولاد، وأرسل الضابط نفراً لمخفر الدرك الذي هو قريب من ذلك المحل وأمر الدركي الذي جاء به النفر أن يوصل الامرأة والأولاد إلى الرها، وأن يدفن الجثث القريبة من المخفر وقد قالت لي الامرأة المريضة أن المرأة المقتولة لم تسلم بعرضها فقتلوها فذهبت شريفة عفيفة النفس طاهرة الذيل، وقد قتلوا ابنها بالقرب منها حتى تسلم بعرضها، فآثرت المحافظة على شرفها وأن تبقى شريفة وفادت بمهجة قلبها وفلذة كبدها. وبعد الغداء سرنا نحو »قره جورن« وقد أرانا أحد سواقي العجلة أكمات عالية حولها حجارة وصخور. قال أنه هناك قتل زهراب ووارتكس وهم من أشراف الأرمن ومبعوثيهم.

*مقطتف من كتاب “المذابح في أرمينيا” للمؤلف فائز الغصين، (حلب، 1991) (3).

ورد في كتاب “شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية (مجموعة وثائق) بمناسبة ذكرى مرور مئة سنة على الإبادة الأرمنية (1915-2015)”، إعداد وإشراف ودراسة: البروفيسور الدكتور آرشاك بولاديان، دمشق-2014، حيث ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر مقتطفات منه.

Share This