دبلوماسية صامتة وبعض الانحرافات

دبلوماسية صامتة وبعض الانحرافات

aztag-RED_top_01

يبدو أن السفير التركي في لبنان يفّعل نشاطه. فقد ألقى محاضرة قبل يومين حول العلمانية في تركيا، وكتبت عن ذلك الصحافة اللبنانية بشكل لافت. واليوم سيحاضر في الجامعة الفرنسية حول دور تركيا في الشرق الأوسط. فالمعطيات تجعلنا نفكر أننا سنشهد عدداً من النشاطات يقوم بها ممثلو الدبلوماسية التركية في لبنان لها طابع إعلامي-سياسي وموجهة للعامة.

فحتى الآن اتبعت السفارة التركية في لبنان ظاهرياً موقفاً انفعالياً حيال القضايا الأرمنية. وهذه سياسة ينفذها السفراء على التوالي، وبتوصية رسمية من أنقرة. فسلوك وزارة الخارجية التركية يختلف حسب الحالة. ففي بعض الدول لا تلعب الدبلوماسية التركية فقط دور الرادع بل تحتج ضد المطالب الأرمنية أيضاً.

وفيما يخص القضايا الأرمنية تظهر لبنان في محط أنظار الحكومة التركية. لا ننسى أن لبنان هي الدولة العربية الوحيدة التي لم تكتف بالاعتراف بالابادة الأرمنية، بل أدانت وطالبت بالاعتراف الدولي لها. ويعتبر هذا من أشد القرارات التي تم تبنيها ضد تركيا.

وينظر الى لبنان على أنها الرقعة التي تحضن كافة إمكانيات النشاطات والفعاليات لتقديم المطالب الأرمنية. وبهذا الإطار تم تبني دبلوماسية صامتة حيال لبنان، والأصح حيال الأرمن في لبنان. تكتيك لمتابعة الأمور عن كثب واستخدام طرق غير مباشرة بصمت.

لقد ظل “الاستقبال” اللبناني الأرمني لرئيس الوزراء التركي أردوغان دون رد من قبل السفارة التركية في لبنان. كذلك لم ترد السفارة على الاتهامات السياسية الموجهة الى بلدها ودولتها، والتصريحات التي تؤكد أنها وريثة لدولة إبادة. فهذا ليس مظهر مقياس لصالح أي دولة أطلقت ضدها تصريحات مماثلة.

بالمقابل يحاول الدبلوماسي التركي في هذه الحالة الحصول على شهادة حسن سلوك من المجتمع اللبناني. وأمام ارتفاع الموجة ضد الطائفية لدى المجتمع اللبناني والإطار الجديد للمطالبات ضد النظام الطائفي يقوم ممثل أنقرة الرسمي في لبنان بإعطاء درس عن العلمانية في تركيا، ويتحدث عن الاستفادة من النموذج التركي للديمقراطية.

إذاً، فإن احتاج الأمر فهو استغلال للوجه الإسلامي بهدف توفير أرضية في البلاد العربية، وفي أماكن أخرى، عرض للنموذج التركي للعلمانية بهدف خلق أرضية للتعاطف. يبدو أن هذه اللعبة التركية التي تنفذ بتبني مقاييس ثنائية أو بالأحرى مقاييس متعددة، تجري بسلاسة على الملعب اللبناني العام.

لنعود الى الدبلوماسية الصامتة التي تبنتها السفارة التركية حيال القضايا الأرمنية، وبالمقابل المظاهر الهجومية التي نفذتها الدبلوماسية تجاه القضايا اللبنانية البحتة ولنضيف نقطة أخرى: لقد تزعزع انفعال السفارة التركية أمام احتجاجات الشبان والطلاب الأرمن في معرض “بيال”. فالأشخاص الذين ألحقوا ضرراً جسدياً للشبان الأرمن هم موظفو الأمن في السفارة التركية انحرفوا عن التوجه المعتمد.

تركيا التي غزت قبرص وحاصرت أرمينيا، تسلمت دور حفظ السلام في لبنان. والدولة التي اعتمدت المادة 301 تلقي محاضرة عن الديمقراطية، أما ممثل النظام الإسلامي فيلقن اللبنانيين درساً لإتباع النموذج التركي للعلمانية. ليس هناك أية وسيلة أوضح لوصف حالة التناقضات السياسية.

شاهان كانداهاريان

رئيس تحرير “أزتاك” الأرمنية

11 آذار 2011

Share This