طلب الفدية من الأرمن

طلب الفدية من الأرمن

عندما كنا في سيورك قال لي عارف أفندي بعد أن ذهب لدائرة الحكومة ورجع، أن قائد الدرك ورئيس الشرطة بسيورك  طلبا منه أن يسلم الخمسة أرمن الذين كانوا معه لهما فامتنع وهما ألحّا عليه بتسليم هؤلاء لهما وقالا له بجب أن يدفعوا فدية عن أنفسهم خمسين ليرة كي يصلوا سالمين إلى ديار بكر. فذهبنا للخان وجلب الخوري ايساق لعنده وبلغه الأمر. فأجاب بعد أن تكلم مع رفيقيه أنهم لا يقدرون يدفعون كلهم إلا عشر ليرات لأنه لا يوجد معهم أكثر. وبعد أن اقتنع بكلامهم أخذ العشر ليرات و وعد بأن يقنعهما.

وقد تنازع هذا الضابط هو وقائد الدرك في حلب لأجل أن يأخذ الخمسة أشخاص لأنهم مرسلون مع أحد أفراد الدرك ليسلمهم لدائرة الدرك في حلب وقد أراد أخذهم رئيس العصابة أحمد بك في الرها فلم يسلمهم هذا الضابط لرئيس عصابة الرها أحد أعضاء جمعية الاتحاد والترقي فأوصلهم سالمين إلى ديار بكر.

وبعد أن قضينا ليلتنا في سيورك رحلنا منها باكراً وكانت جثث القتلى تزيد كلما دنونا من ديار بكر. وفي أثناء سيرنا بين سيورك وديار بكر صادفنا جمعاً من نساء أرمنيات سائرات نحو سيورك تحت محافظة الدرك ذليلات وآثار الحزن والكآبة ظاهرة على وجوههن وقد أعياهن التعب والشقاء. فكات حالة تبكي الحجارة الصماء دماً وتجلب شفقة الوحوش الكواسر.

فبالله ماذا فعلن تلكم النسوة؟ هل حاربن الأتراك أم هل قتلن أحداً منهم؟ ما هي جريمة هؤلاء التعيسات اللواتي لم يكن لهن ذنب إلا أنهن كن أرمنيات عالمات بتدبير منازلهن أحسن تدبير ويربين أطفالهن أحسن تربية لا هم لهن إلا اسعاد رجالهن وأولادهن والقيام بوظائفهن تجاههم…؟

أتعد هذه جريمة أيها المسلمون؟ بالله عليكم فكروا قليلا ما ذنب هؤلاء التعيسات؟ أهل ذنبهن أنهن سبقن التركيات بكل شيء؟

فلو فرضنا محالاً أن رجالهن كانوا أهلاً لهذه المعاملة، فهل يجوز أن تعامل هؤلاء النسوة بهذه المعاملة التي تأبى الوحوش الضارية أن تعاملن بمثلها. أما قال الله تعالى في القرآن الكريم: »ولا تزر وازرة وزر أخرى« أي لا أحد يجاري عن آخر.

ماذا فعلت هذه النساء الضعيفات وماذا فعل أطفالهن؟

هل يأت رجال الحكومة التركية بدليل ضعيف يجيز لهم هذا العمل ويحاجون به الأمة الإسلامية التي تنكر ذلك عليهم وتأباه. كلا والله أنهم لا يجدون كلمة واحدة يتكلمون بها أمام أمة تأسست شرائعها على العدل وبنيت أحكامها على الحكمة والعقل.

أيجوز لهؤلاء الأغرار الذين يدعون أنهم هم أركان دولة الإسلام والخلافة وهم حماة المسلمين، مخالفة أوامر الله، ومخالفة القرآن،ومخالفة أحاديث رسول الله، مخالفة الإنسانية.

والله أنهم فعلوا أمر لتأباه الإسلامية وجميع المسلمين وجميع أمم الأرض من إسلام ونصارى ويهود ومجوس والله أنه لأمر فظيع لم يسبقهم لمثله أحد من الأمم التي تعد نفسها من الأمم المتمدنة.

*مقطتف من كتاب “المذابح في أرمينيا” للمؤلف فائز الغصين، (حلب، 1991) (5).

ورد في كتاب “شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية (مجموعة وثائق) بمناسبة ذكرى مرور مئة سنة على الإبادة الأرمنية (1915-2015)”، إعداد وإشراف ودراسة: البروفيسور الدكتور آرشاك بولاديان، دمشق-2014، حيث ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر مقتطفات منه.

Share This