ديكران وأغوب قايطانجيان

فائز-الغصين 

ديكران

هو أحد أعضاء الهيئة المركزية في جمعية (الطاشناقشتيون) في ديار بكر وقد حدثني عنه أحد مأموري ديار بكر ومن جمعية الاتحاد والترقي، أن الحكومة جاءت به وطلبت منه أن يخبرها عن أسماء رفاقه،فلم يقبل وقال لهم أنه لا يقدر أن يذكر أسماء الهيئة إلا بعد اجتماعها وإعطاء القرار إن كان يجوز تسميتهم للحكومة أم لا. وقد عذبته الحكومة ونوعت له العذاب كوضع الحديد في رجليه إلى أن ورمت رجلاه ولم يقدر أن يمشي عليهما وقد سحبوا أظافيره ورموش عينيه بآلة معذبة. فلم يتكلم كلمة ولم يخبرهم عن أسم شخص واحد من رفاقه في الجمعية وقد أرسل مع من أرسل ومات شريفا محباً لأمته وقد آثر الموت على أن يطلع الحكومة على سر من أسرار أمته الجريئة.

أغوب قايطانجيان

أغوب قايطانجيان هو أحد الأرمن الذين كانوا مسجونين بداعي أنهم هم الفدائيون لجمعية الأرمن في ديار بكر. وهم الذين ظهر عندهم مواد انفلاقية وكنت تحادثت معه مراراً فطلبت منه أن يقص علي قصته فقال بينما كان يوماً جالساً في داره اذ طرق عليه الباب أحد الشرطة قائلاً، أن مدير الشرطة يريد مقابلته في الدائرة. فذهب إلى الدائرة فبدأ بعض الشرطيين يسألونه عن جمعية الأرمن وعن فدائي الجمعية. فأجابهم أنه لا يعرف لا جمعيات ولا فدائيين فجعلوا يعذبونه ويضربونه بالعصي وينوعون له العذاب، إلى أن يئس من الحياة وآثر الموت على البقاء في الذل، وكان معه سكيناً ولما شددوا عليه العذاب ولم يكن يتحمل أكثر من ذلك طلب منهم أن يرسلونه لقضاء حاجة ويرجع ويقص عليهم جميع ما يعرفه عن أمر الأرمن. فساعده الشرطة فذهب وقطع شرايين يديه وذكره وخصيته بقصد الانتحار. فبدأ الدم ينزف بكثرة. فخرج ووصل باب دائرة الشرطة وهناك أغمي عليه فكبوا على وجهه ماء فصحي وجيء به لأمام الشرطة فأعاد عليه السؤال وكان ذكره لم يقطع تماماً فأخذ ذكره بيده وضرب الشرطي على وجهه به، فلما رأى الشرطي ذلك دهش من عمله وأرسله إلى المستشفى إلى أن شفي. وقد رأيت أن جروح يده قد التأمت تماماً وقص علي قصته بلسانه وقد اوصاني أن أعلن قصته في جريدة أرمنية تسمى الوطن (هايرنيك) تصدر في أميركا ليقرأها أخوه قره بت الذي هو الآن في أميركا لأنه كان يعتقد أن الحكومة لا تبقيهم في الحياة. وأنني اجتمعت كثيراً مع شبان الأرمن المسجونين وتحادثنا كثيراً عن هذه الأفعال التي لم يسمعوا ولم يقرأوا في تاريخ ما أنها جرت على أمة مثل أمتهم في سالف العصور. وقد أرسل هؤلاء الشبان ليحاكموا أمام الديوان العرفي في خربوط. وقد سمعت أنهم وصلوها سالمين،  وقد طلبوا أن يدخلوا في الدين الإسلامي تخلصاً من تحقير الأكراد  وليس خوفاً من الموت لأن دخولهم لا يخلصهم من الجزاء اذا ثبت أنهم يستحقون الجزاء وقد سألوني قبل ذهابهم، ما سمعت عنهم هل قصد الحكومة اتلافهم في الطريق أم لا؟ وبعد أن سألت عن ذلك وتأكدت أنهم لا يقتلون في الطريق أخبرتهم فسروا. وكان غاية ما يتمنون أن يبقوا أحياء ليروا نتيجة الحرب. وكانوا يقولون أن الأرمن أهل لأن يعاملوا بهذه المعاملة اذ أنهم لم يروا لزوماً لأخذ الحيطة من الأتراك لأنهم كانوا يعتقدون أن الحكومة التركية الدستورية لا تقدم على عمل كهذا بدون سبب أساسي. وقد فعلت الحكومة فعلتها هذه بدون أن يقتل أحد الأرمن مأموراً أو كردياً أو تركياً أو مسلماً. ولا نعلم ما هي الأسباب العظيمة التي دفعت بالحكومة حتى أقدمت على عمل أمر لم تفعله أمة. ولو أن الأرمن لم يؤخذوا على غرةٍ لما باعوها رخيصة والأمة التي لم تأخذ تمام الحيطة فتؤخذ على غرة لجديرة باللوم.

رفقتي في الطريق

كنت في وقت إن أن

لى آخر أذهب لعند رفقتي الذين رافقوني في الطريق. وبعد خروجي من  السجن، لم يسمح لي مأمور السجن بالذهاب لعندهم. وكنت أطلب أحدهم فأكلمه في غير السجن المسجونين فيه الأرمن. وبعد مدة سألت عنهم فقيل لي أنهم أرسلوا ليقتلوا كما قتل غيرهم. فقلت لا حول ولاقوة إلا بالله. ويوماً من الأيام رأيت دركياً كان سجن معنا أياماً بداعي أنه سرق بعض أمتعة من متروكات الأرمن. وكان يعرف رفقتي فسألته عنهم، فقال لي أنه قتل الخوري اسحاق بيده. وكان أفراد الدرك يتراهنون على قلنسوته فأحسنت الرماية ونشلت قلنسوته ورميتها من على رأسه ورميته برصاصة ثانية أودت بحياته. فلم يكن جوابي له إلا السكوت لأنه كان يعتقد أن قتل هؤلاء أمر ضروري لأن السلطان أمر بذلك.

*مقطتف من كتاب “المذابح في أرمينيا” للمؤلف فائز الغصين، (حلب، 1991) (7).

ورد في كتاب “شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية (مجموعة وثائق) بمناسبة ذكرى مرور مئة سنة على الإبادة الأرمنية (1915-2015)”، إعداد وإشراف ودراسة: البروفيسور الدكتور آرشاك بولاديان، دمشق-2014، حيث ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر مقتطفات منه.

Share This