بيع المكاتيب وقتل البروتستان والكلدان والسريان

فائز-الغصين 

بيع المكاتيب

 

وكانت الحكومة بادئ بدء لما أرسلت السبعماية شخص تأمر مأموريها بكتابة ممضية بإمضائهم وترسل بها إلى عائلات المنفيين بقصد التمويه، خوفاً أن يأتي الأرمن بأمر يعطل على الحكومة تدبيرها ويكشف سرها على بقية الأرمن فلا تقدر أن تبيدهم. وكانت عائلاتهم التعيسة تعطي دراهم كثيرة لمن يأتيها بمكتوب من كبير تلك العائلة. وقد عينت الحكومة أحد الأكراد ومن الأشقياء المشهورين، ضابطاً على المليس وأمرته بقتل الأرمن وبإيصال هذه المكاتيب. وبعد أن آمنت جانب الأرمن بعثت له من قتله وكان يسمى عمي حسن أو حسن عمي.

 

قتل البروتستان والكلدان والسريان

وقد عم القتل طوائف البروتستان والكلدان والسريان. ولم يبق في ديار بكر ولا شخص من البروتستان وقد أتلف ثمانين عائلة من السريان وقسم من الكلدان في ديار بكر. أما في الملحقات فلم يخلص أحد إلا في مديات وماردين. ولما أمر أخيراً أن لا يقتل إلا الأرمن وأن لا يمس أحد من الطوائف التي ليست أرمنية كفت الحكومة يدها عن اتلاف تلك الطوائف.

أما السريان الذين في قضاء مديات فإنهم شجعان، أشجع جميع العشائر التي في تلك الجهات ولما سمعوا ما حلّ باخوانهم بديار بكر وحواليها اجتمعوا وتحصنوا بثلاث  قرى قريبة من مديات مركز القضاء ودافعوا عن أنفسهم دفاع الأبطال، وأظهروا بسالة تفوق التعريف وقد أرسلت الحكومة عليهم تابورين من الجند النظامي عدا عن تابور الدرك الذي أرسل قبلاً إلى هناك. وألبت عليهم عشائر الأكراد فلم يأخذوا منهم لا حقاً ولا باطلاً وهكذا حموا أنفسهم وأعراضهم وأموالهم من مظالم هذه الحكومة الجائرة وقد أصدرت الحكومة إرادة سلطانية بالعفو عنهم فلم يصدقوها ولم يسلموا اذ أنهم جربوها فوجدوها أكذب حكومة على وجه الأرض تأخذ اليوم ما أعطته بالأمس وتجازي اليوم من عفت عنه من قبل بأشد الجزاء.

وهذا  حديث متعهد البريد البتليسي مع أحد أصدقائي وكنا جالسين في قهوة من مقاهي ديار بكر.

 متعهد البريد: – أنني أرى كثيراً من الأرمن في ديار بكر فكيف أبقي هؤلاء؟

صديقي: – إن هؤلاء ليسوا من الأرمن بل أنهم من السريان والكلدان.

المتعهد: – إن حكومة بتليس لم تبق نصرانياً واحداً في ولاية بتليس ولواء موش ولو أن طبيباً ذكر لمريض أن الدواء الذي يشفيه من مرضه قلب نصراني وفتش عليه في جميع ولاية بتليس لما وجده.

حماية الأكراد للأرمن بالأجرة

كان الأرمن مسجونين في غرفة كبيرة داخل سجن ديار بكر. وكنت من حين إلى آخر أذهب لزيارتهم. يوماً من الأيام نهضت من نومي وزرتهم في غرفتهم فرأيتهم يجمعون أرزاً وبرغلاً ودراهم. فسألتهم لماذا تجمعون هذه الحبوب والدراهم؟ فقالوا ماذا نعمل؟ فإن لم نجمع كل أسبوع مقداراً ونعطيه للأكراد يحتقروننا، ويضربوننا، فندفع هذه الأشياء لبعض الأكراد ليحموننا من تحقير ابناء جنسهم. فقلت لا حول ولا قوة إلا بالله ورجعت حزيناً على ما نابهم.

*مقطتف من كتاب “المذابح في أرمينيا” للمؤلف فائز الغصين، (حلب، 1991). (8)

ورد في كتاب “شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية (مجموعة وثائق) بمناسبة ذكرى مرور مئة سنة على الإبادة الأرمنية (1915-2015)”، إعداد وإشراف ودراسة: البروفيسور الدكتور آرشاك بولاديان، دمشق-2014، حيث ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر مقتطفات منه.

Share This