علاقات أشود الأول مع إمارات أرمينيا الكبرى

Ashot_Medz

أقام الأمير آشود الأول علاقات مصاهرة مع الأمراء الأرمن الأردزرونيين والسيونيين لتعزيز مكانته في أرمينيا واتّبع في الوقت ذاته سياسة حذرة تجاه قيسيي منازكرت بسبب أهميتهم الكبيرة بعد البقراتونيين والأردزرونيين والسيونيين.

علاوة على ذلك فإن أي نشاط عدائي سافر ضدهم يمكن أن يثير غضب العباسيين الذين باستطاعتهم إلحاق صعوبات جمّة للبقراتونيين رغم وهن الخلافة.

تعاظمت قوة آشود بقرادوني إلى درجة كان يُشار إليه “الملك” لأنه كان يتمتع بامتيازات عديدة مقصورة على الملوك فقط.

كان آشود بقرادوني يدفع الجزية للخلافة في بغداد بشكل نظامي رغم فقدان الحاكم العربي لهيبته في أرمينيا بشكل كامل تقريباً. خلا ذلك كان نشاط هؤلاء الحكام العرب محصوراً فقط في جمع الجزية وإرسالها إلى بغداد في هذه الحقبة.

لذلك أقام آشود الأول نظام حكم متين جداً وعلاقات حميمة بين البقراتونيين والأمراء الاقطاعيين الآخرين في ستينات القرن 9 م استمرت حتى انكساره ووفاته بعد فترة تقارب نصف قرن.

استغل الأمراء الأرمن المأسورون في بغداد حادثة قتل الخليفة المتوكّل وضعف الخلافة العربية فقفلوا عائدين إلى مقاطعاتهم واسترد معظمهم أراضيه. أكد الأمير آشوت الأول على سيادة عائلته تجاه الأمراء الاقطاعيين الآخرين وحاز على امتيازات كان يتمتع بها الملوك الأرشاقونيون الأرمن.

كان البقرادونيون يتمتعون بهذه الحقوق في حقبة مبكرة من هذا القرن بعد اعتراف العباسيين بأشوت مساكير وخاصة ابنه بقراد أميراً لأمراء أرمينيا ووهبوه لقب “بطريق بطارقة الأرمن”.

لم يجد الأمراء الأرمن أنفسهم خاضعين للبقراتونيين في حقبة الأمير آشوت الأول فحسب، بل أصبح الأمراء العرب في أرمينيا تحت هيمنتهم أيضاً. ومن الإمارات العربية نذكر إمارة القيسيين في منازكرت وإمارة Uthmanids في مقاطعة بيركري وأمراء كارين (قاليقلا) إلى حد معين. يؤكد المؤرخ البيزنطي قسطنطين أن بعض الإمارات العربية في Her وSalmast كانت تابعة لآشوت بقراتوني أيضاً.

يجب الاعتراف أيضاً أن البقراتونيين اتّبعوا سياسة مغايرة تماماً تجاه دبيل ومنطقة Ostan لأنهم كانوا على يقين تام أن الحصول على أهم مدينة في المنطقة كان حيوياً جداً للوصول إلى موقع مهيمن في أرمينيا لعدم التقوقع في مناطقهم في شيراك وأرشارونيك.

ظهرت الفوضى العامة في مدينة دبيل ومنطقة Ostan بسبب قلة زيارات الحكام العرب لهما لذلك استولى البقراتونيون على المدينة بدون أدنى مقاومة. وبسبب عدم تعارض فتوحات آشوت مع مصالح الأمراء المسلمين كان مدّ النفوذ الأرمني إليها وإلى مناطق آرارات الأخرى سهلاً.

خرجت إلى العلن بعض النظريات الخاطئة حول أحوال دبيل في حقبة آشوت الأول. جاء في كتاب مدرسي أرمني مثلاً: “اعترف أمير مدينة دبيل أيضاً بسيادة آشوت فدفع له الجزية”. لكن هناك أقوال مغايرة لدى ابن حوقل الذي كتب قائلاً: “تعود مُلكية مدينة دبيل منذ الأزمنة البعيدة إلى سمبات بن آشود ملك جميع الأرمن وخلفائه”.

لم تكن هناك إمارة محلية في دبيل في فترة حكم آشود بقرادوني 862-890م لأن مدينة تجارية ومركزاً إدارياً له هذه الأهمية الكبيرة لم يكن يتبع لأحد سوى إلى سيد البلاد لأن السيطرة على دبيل كانت وثيقة الصلة بالهيمنة على كامل مساحات البلاد.

ولا نعلم مَنْ الذي تمّ تعيينه من قبل آشوت بقراتوني حاكماً على دبيل ولم تصلنا أية معلومات إنْ كان هذا الشخص عربياً أم أرمنياً. إلا أننا نعلم علم اليقين بوجود حكام عرب في المدن الأرمنية الأخرى في تلك الحقبة في قاليقلة (كارين) مثل بشير وزقري.

ويروي هذا المؤرخ الأرمني أنه، في الحقبة التي كان آشوت بقراتوني قائداً عاماً للجيش الأرمني بين عامي 855-862م، كان أحد الأمراء الأرمن في باسفرجان المدعو Gurgen  Apulpelc يرغب في الابتعاد عن الصراعات في البلاد محاولاً السفر غرباً للدخول في خدمة بيزنطة. إلا أنه اعتُقِل على الطريق وتمّ تسليمه إلى آشوت الذي رأى أنه من الأعقل تسليمه للعرب وخاصة أن والده كان في الأسر لديهم آنذاك. ورغم عدم دخول قاليقلا تحت سيادة البقردتونيين في هذه الفترة إلا أن أمراءها العرب أصبحوا تحت سيطرة آشوت الأول وسمبات الأول إلى حد معين.

وكانت عودة الأمراء الأرمن المنفيين السبب في ظهور نزاعات جديدة لأن أراضي هؤلاء كانت قد انتقلت إلى الأمراء المحليين الأرمن أو العرب أثناء غيابهم عن البلاد. ونرى مثلاً أنه بعد أسر أمير باسفرجان المرموق آشوت أردزروني انتقل حكم هذه المنطقة إلى الأميرGurgen Apulpelc. وبعد عودة ديرينيك بن آشوت تمّ حصر حكم Gurgen في مقاطعة أنجيواجيك.

وسّع الأمراء العرب بدورهم هيمنتهم على مناطق جديدة أثناء أسر الأميرين الأرمنيين بقرات بقراتوني وآشوت أردزروني فسقطت خلاط تدريجياً بيد القيسيين (من المحتمل أرجكه أيضاً) التي كانت من أملاك البقراتونيين في تارون بينما مدّ الشيبانيون سلطتهم ووصلوا حتى ضفاف بحيرة Van في تطوان.

كان لحملة بوغا وصعود قوة الشيبانيين تأثير مختلف على زراريي أرزن. ورغم محاربة موسى بن زرارة، شقيق زوجة بقرات بقراتوني، ألا أنه سرعان ما انضم إلى الأمراء الأرمن وكانت النتيجة أن أرسله بوغا معهم إلى بغداد مكبلاً بالسلاسل. يقدم ابن الأثير الوصف التالي حول مجزرة الزراريين: “ذهب بوغا إلى الموصل والجزيرة وشرع في شن حملته من أرزن حيث كان موسى بن زرارة الذي كان له 4 أشقاء هم سليمان وأحمد وعيسى ومحمد هارون. واصطحب  بوغا موسى بن زرارة إلى المتوكّل الذي اتهمه بالتورط في قتل يوسف. وبعد ذلك قتل بوغا 30,000 رجلاً وباع عدداً كبيراً من الأسرى”.

بعد وفاة موسى تزوج ابنه أبو المغرة (يُعرف بـ “أبو المعزّ” أيضاً) من أميرة أرمنية من عائلة الأردزرونيين خوفاً من جيرانه الشيبانيين الأقوياء. وكان على استعداد في جميع الأحوال للقيام بهذه الخطوة وخاصة أن والدته كانت أرمنية.

سيطر الشيبانيون في هذه الفترة على Baghesh التي كانت إحدى مناطق مقاطعة موش وتقدموا حتى وصلوا إلى تطوان. وكان أبو المغرة يخضع إدارياً لعيسى بن الشيخ الشيباني واشترك معه في حروبه التي شنّها. وعندما عُيّنَ حاكم الموصل إسحاق بن كنداجيك حاكماً عاماً على الجزيرة وأرمينيا سنة 879م كان على الاثنين عيسى وأمير أرزن دفع 200,000 ديناراً لإبقائهما على رأس ممتلكاتهما لكنهما رفضا ولجأا إلى قوة السلاح.

كان حاكم أرزن على علاقة طيبة مع الشيبانيين إلا أن علاقاته تعززت أكثر فأكثر مع الأردزرونيين وخاصة بعد أن أصبح صهرهم الآن.

استناداً على أقوال المؤرخ توماس أردزروني أصبحت تارون وأنجيواجيك وأرزن تحت تأثير Gurgen على الأرجح في تلك الفترة التي عقد فيها أمير أرزن علاقات عائلية مع الأردزرونيين . ولم تختفِ أرزن عن ناظري الأردزرونيين وخاصة أنهم سموا المدينة باسم عائلتهم. وعندما عاد الأمير آشوت أردزروني من الأسر وشرع في محاربة Gurgen وقف أبو المغرة إلى جانب الأردزرونيين.

شكل الزراريون رغم ذلك استثناءً في القرن 9 م عندما قاموا بمساندة الأمراء الأرمن. وفي الوقت ذاته لم تمدّ قبيلة Uthmanids العربية في بيركري على سبيل المثال يد المساعدة لحملة بوغا فحسب، بل بدأ زعماؤها يجهزون خططاً ضد الأمراء الأرمن. حكم هؤلاء قلعة Amiwk إلى جانب بيركري ووصلوا حتى جبل Varag. وهذه الخطوة، التي اعتبرها الأردزرونيون تهديداً لهم وخاصة بعد مقتل روستوم أحد الأمراء الأرمن في باسفرجان من قبل هذه القبيلة، أتاحت للأمير آشوت بقراتوني ذريعة للتدخل.

وسّع الأردزرونيون، الذين كانت لهم إقطاعات صغيرة نسبياً في السابق، هيمنتهم على مقاطعة رشدونيك في هذه الحقبة. وبعد اجتياحهم للمناطق المحيطة لبحيرة فان ضمّوا مدينة Ostan وVan وAghtamar إلى ممتلكاتهم التي تحولت إلى مراكز رئيسية في إمارتهم. وبما أن أراضي Uthmanids كانت تشكل عقبة أمامه هاجم الأمير آشوت أردزروني قلعتهم Amiwk بسرعة لكنه ألم يفلح في الاستيلاء عليها واكتفى باحتلال جبل Varag الذي كانت له أهمية استراتيجية مشابهة لهذه القلعة.

في الفترة الأولى لاستلام آشوت بقراتوني قيادة الجيش الأرمني بعد مدة قصيرة من انسحاب بوغا عن أرمينيا اتّبع الأمراء الأردزرونيون سياسة التحرر من سلطة الأمراء العرب الذين استوطنوا في المنطقة. ويروي المؤرخ الأرمني توماس أردزروني أن الأمير Gurgen اجتاح جميع مناطق باسفرجان، التي تمّ توطين العرب فيها من قبل بوغا، للتخلص منهم جميعاً قائلاً: “بدأ الأمير Gurgen يجوب جميع المناطق، التي تم توطين العرب فيها من قبل بوغا، ووجه إلى هؤلاء الغرباء ضربة قوية”. تابع الأمير آشوت أردزروني هذه السياسة من بعده أيضاً.

جذبت هذه الصراعات بين الإقطاعيين المحليين انتباه الحاكم العربي عيسى بن الشيخ الشيباني 870-877م. ولأنه كان ممثل الخليفة لم ينزعج كثيراً من الصراع الذي انفجر بسبب احتلال قلعة Amiwk. إلا أنه لم يتحمل  سياسة الأردزرونيين المعادية للأمراء العرب الذين استوطنوا في مناطق بحيرة فان وخاصة أن أحد هؤلاء كان يملك أراضٍ واسعة في أرمينيا. وأمام هذا التهديد لمصالحهم اتحد الأمراء العرب في أرمينيا وشرعوا في شن حرب شاملة ضد الأردزرونيين. واستناداً إلى المؤرخ الأرمني توماس أردزروني إحتكم عيسى إلى أبو الورد القيسي أمير Manawazean وقبيلة Uthmanids في منطقة بيركري. وبعد جمع جيش مؤلف من 15,000 جندياً وصل عيسى إلى باسفرجان وأقام معسكره قرب سفح تل أك آلاي. فلجأ الأمراء الأردزرونيون إلى الحاكم العربي وطلبوا منه التوسط لعقد صلح يعدونه بدفع الجزية وتقديم رهائن شريطة عدم السماح لعيسى بدخول باسفرجان. وبعد عقد الصلح في Van إنسحب عيسى إلى بردعة.

لم يكن بوسع التحالف الشيباني-القيسي وقف التهديد الموجّه إلى أملاكهما بسبب تنامي قوة الأردزرونيين والبقراتونيين. وبسبب خضوع أرمينيا اسمياً للخلافة العربية لم يأمل الأمراء العرب المحليون الحصول على العون المباشر من العباسيين لذلك آثروا على الاعتماد على قواتهم في صراعهم ضد الأمراء الأرمن. ومع ذلك لم يلجأ موسى إلى تبني سياسة تسيء إلى علاقاته الرسمية مع الأمراء الأرمن رغم ثورة ممثله في بردعة المدعو محمد اليماني. حاصر موسى المدينة مدة 13 شهراً بمساعدة آشوت أردزروني لكنه فشل في احتلالها وآثر على الانسحاب إلى سوريا حيث ولّي حاكماً عليها.

حاول محمد اليماني استغلال الفرصة وطلب من الأمراء الأرمن الاعتراف به. إلا أن هؤلاء، ولأسباب شتى، طلبوا من الخليفة إعادة تعيين محمد بن خالد الشيباني الذي كان قد حكم أرمينيا لفترتين في السابق. ونحن نعلم أن الأمير آشوت بقراتوني لعب دوراً حاسماً في تعيين هذا الحاكم العربي لكن هذا الأخير وجّه جُلّ نشاطه مع ذلك ضده منذ اليوم الأول لتعيينه. يصف المؤرخ توماس أردزروني هذه الأحداث بشكل جلي جداً. واستناداً إلى أقواله كان الأمراء الأرمن قد اتخذوا تدابير احترازية ضد محمد اليماني لأن غايته الرئيسية كانت إزالتهم “وخاصة آشوت أردزروني الأكبر سناً والأعلى مقاماً بينهم”.

وصل محمد بن خالد إلى أرمينيا عام 879م وتوقف عند تطوان التي كانت بيد الشيبانيين. وصل إلى استقباله الأمراء الأردزرونيون، منهم ديرينيك الذي توفي والده قبل 8 سنوات، والأميران كاكيك وغريغوري وأميرا تارون وسيبوه شقيق أمير الأمراء وموشيغ أمير موك إلى جانب أبو الورد. تحالف الشيبانيون والقيسيون بعد ذلك وشرعوا بالتآمر على آشوت بقراتوني بشكل خاص وبقية الأمراء الأرمن بشكل عام وبعثوا رسولاً إلى بردعة لإعلام محمد اليماني حول خططهم. وقد جاء في رسالة محمد خالد ما يلي: “عندما أدخلُ مدينة دبيل لجمع الجزية سيأتي الأمراء الأرمن لزيارتي دون أدنى ريب. لذلك جهّز جيشاً تحت ذريعة مهاجمتي وسنقوم بعد ذلك سوية بقتل جميع الأمراء الأرمن وطرد بقية السكان إلى مناطق أخرى”.

من المهم أن نشير إلى أن آشوت بقراتوني الذي، رغم دوره الضاغط في تعيين محمد بن خالد، كان يشتبه به منذ البداية لذلك لجأ إلى جميع الوسائل للحيلولة دون تنفيذ خطته. لم تصل تلك الرسالة إلى غايتها لأن جواسيس آشوت نصبوا كميناً للساعي العربي وأخذوا منه الرسالة.

يظهر من هذه الرواية أنه كان هناك متآمرون عديدون في خضم هذه الأحداث المعقدة. يؤكد المؤرخ توماس أردزروني أن أبو الورد، الذي ترأس هؤلاء المتآمرين لم يحاول تلطيخ سمعة الأمراء الأرمن لدى الحاكم العربي فحسب، بل حرّض ديرينيك أردزروني على آشوت الملقّب “الذهبي الفم” في منطقة تارون أيضاً لأنه كان دائم الاحتراس على سلامته. وعندما كان يخرج في رحلة صيد مع الحاكم الجديد والأمراء الأرمن على سبيل المثال كان يصطحب معه كتيبة فرسان قيسيين.

انسحب الأمراء الأرمن تدريجياً، من المحتمل بإيعاز من الأمير آشوت، وسار الحاكم الجديد على رأس قوة من القيسيين نحو دبيل كما أكد هذا المؤرخ.

حاصرت قوات أرمنية خيمة الحاكم الجديد في أحد الأيام أثناء مأدبة وقدم له القائد الأرمني عباس الرسالة التي أرسلها إليه محمد اليماني. اصطحب عباس بعدئذ الحاكم العربي الجديد حتى الحدود تحت حراسة مشددة وجرّد مساعديه القيسيين من السلاح وأرسلهم إلى أباهونيك.

لم يستمر الأمير آشوت في ممارساته المناهضة أكثر من ذلك بعد أن أوقع الحاكم الشيباني في الشرك وجرد المحاربين القيسيين من أسلحتهم. ومع ذلك لم يبقَ أبو الورد بدون حراك فأسر ديرينيك أردزروني غدراً وسجنه في قلعة سيفان في باسفرجان التي كانت من أملاك حسنيك أردزروني. وكان ديرينيك يخطط في تنصيب دافيد، شقيق آشوت، أميراً على تارون لأنه كان شقيق زوجته في الوقت ذاته. وعندما شعر آشوت بعدم قدرته على الهرب من القلعة تمكن من إقناع الأمير حسنيك الشاب أن ديرينيك هو عدوه المستتر فقام الأمير الشاب بالقبض على أمير الأردزرونيين.

كان أمير الأمراء آشوت قد شرع في حملة عسكرية تأديبية ضد أبو الورد في هذه الأثناء ووصل إلى منازكرت وحاصرها. إلا أن الأخبار، التي وصلته من باسفرجان، أكرهته على رفع الحصار والإسراع لنجدة ديرينيك الذي كان نسيبه عن طريق الزواج.

إنها حقيقة أن أحداث باسفرجان أنقذت القيسيين من العقاب لأن الوضع كان قد تبدل كلياً فلم يعين الخلفاء العباسيون أي شيباني حاكماً على أرمينيا ففقد القيسيون حماتهم الأقوياء. وصل بعد ذلك حاكم عربي واحد إلى أرمينيا وهو إسحاق بن كنجاجيك الذي أرسل معه الخليفة العباسي المعتمد تاجاً مرصّعاً بالجواهر لأشوت بقراتوني يعترف به ملكاً على أرمينيا بلقب “ملك الأرمن”.

بعد طرد محمد بن خالد حاول محمد اليماني، صاحب بردعة، إثارة أبو الورد وحتى ديرينيك أردزروني ضد آشود بقرادوني إلا أن جهوده ذهبت سدا.

عزّز اعتراف الخليفة العربي الرسمي موقف الملك آشود الأول لذلك وجد جميع الأمراء الإقطاعيين الأرمن والعرب أنفسهم خاضعين لسلطته.

لم يجعل آشود الأول مدينة دبيل عاصمة لمملكته رغم بقائه فيها طوال مدة حكمه المديد واستقباله للحكام العرب الجدد الذين كانوا يبقون في بردعة في هذه المدينة بل آثر على تحويل باكاران Bakaran إلى عاصمة له حيث رسمه الكاثوليكوس هوفهانّيس كارينيتسي ملكاً بالمراسيم الدينية الأرمنية.

ويبدو أن آشود لم يرغب في إجراء هذه المراسيم في دبيل كونها مركز ممثلي الخلافة ولم يحاول ضرب نقود خاصة به بل اكتفى بتبني النقود العربية التي كانت تضرب في دبيل والتي استخدمت فترة طويلة في الأسواق الأرمنية.

حاول الأمراء العرب في أرمينيا إعاقة صعود قوة الأمراء الأرمن للمرة الأخيرة قرب نهاية حكم الملك آشوت الأول. وبما أن أية حركة مباشرة ضده كانت عديمة النفع في هذه الفترة بسبب وضعه المحصّن، لذلك وجّه هؤلاء الأمراء هجومهم ضد أمير باسفرجان. يروي لنا المؤرخ دراسخاناكيردتسي حول استيلاء الأمير ديرينيك على مقاطعتي Her وZarevand وإعلان الأمراء العرب، الذين كانوا يفتشون لهم عن فرصة للتخلص من الهيمنة الأرمنية، عن خضوعهم له. لذلك أضحت الفرصة مواتية للمضي قدماً بمخططات أبو الورد ومحمد اليماني صاحب بردعة. جمع أمير مدينة Her  المدعو أبو الفارس بن أبو المنصور قوات عربية وقتل ديرينيك في كمين نصبه أثناء مرور هذا الأخير قرب المدينة. وكان لحادثة مقتل أمير باسفرجان أهمية كبيرة للأمراء العرب في أرمينيا الذين كان معظمهم يقيم في أرمينيا الجنوبية وخاصة أن وجودهم بالذات كان مهدداً بسبب صعود قوة الأردزرونيين.

بقيت أحوال مدينة دبيل مشوّشة طوال حقبة آشوت بقراتوني وخاصة أن الحكام العرب لم يتخذوها مركزاً إدارياً لهم. وكان آشود حذراً بدوره لاتخاذها عاصمة له لأن المدينة من وجهة نظره السياسية كانت غداة فترة تبدلات جديدة. ومع ذلك تطورت المدينة بشكل طبيعي كأي مركز تجاري أو صناعي هام في أرمينيا رغم أحوالها السياسية غير الطبيعية.

*ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر كتاب “الإمارات العربية في أرمينيا البقرادونية” للمؤلف المستشرق الدكتور البروفيسور آرام تير-غيفونديان، (الطبعة الثانية المنقحة)، ترجمه عن الإنكليزية: الدكتور ألكسندر كشيشيان، عضو اتحاد الكتاب العرب، رئيس تحرير “كتاب العاديات السنوي للآثار”، صدر الكتاب عن مؤسسة المهندس فاروجان سلاطيان، حلب 2013، وسيتم نشر فصول الكتاب تباعاً (9).

Share This