بيع متروكات الأرمن وانزال الصليب عن كنائسهم

بيع متروكات الأرمن وانزال الصليب عن كنائسهم

بعد إهلاك الأرمن واتلافهم جمعت أثاثات دورهم والأقمشة والأمتعة والآلات وجميع الأشياء التي في دكاكينهم ومخازنهم ووضعت في كنائسهم وفي دور كبيرة وألفت الحكومة لجان لبيع هذه الاشياء فبيعت بأبخس الأثمان كما تباع تركات الموتى، اذ لا فرق بين هذه وتلك، إلا أن تركات الموتى تباع وتسلّم أثمانها للورثة وهذه تباع وتسلّم أثمانها لخزينة الدولة التركية.

لقد كنت ترى السجادة التي ثمنها ثلاثين ليرة بيعت بخمس ليرات وبدلة الرجل التي ثمنها اربع ليرات بيعت بمجيديين وقس على ذلك باقي الأشياء وخصوصاً آلات الموسيقى، مثل البيانو وأمثاله فليس لها ثمن أبداً. واما الحلى والنقود فإنها جمعت على يد رشدي بك قائد الدرك والوالي رشيد بك فأخذها الوالي معه عندما ذهب إلى الأستانة ليسلمها بيده لطلعت بك.

ذهبت يوماً إلى الكنيسة لأرى كيف تباع هذه الأشياء فليتني لم أذهب اذ أن الإنسان يتفتت قلبه من الحزن عندما يرى بدلة عروس بيد كردي لا يقدر قيمتها. كانت خاطتها يد الدلال والترف واختالت بها غادة هيفاء وغانية تشبه القمر جمالاً وبهاء تباع بأبخس الأثمان. وقد وضع جسم هذه الشابة اللطيف في التراب وهصر غصنها  الرطيب قبل أن تأخذ حظها من الدنيا ففارقت حبيب قلبها ورفيق حياتها. وتبكي عيونه دماً عندما يرى كرسياً مزيناً يخال الإنسان أنه كان يجلس عليه شاب عشق الحقيقة وعشقته وصاحب العلم فلم يفارقه، يقضي أكثر أوقاته بمطالعة أسفار العلم لينفع به أمته ويضيء بنبراس هدايته ما أظلم عليها من الحقائق، فيباع بثمن لا يذكر.

الأمة الأرمنية، تلك الأمة التي أدهشت العالم بشجاعتها واقدامها ورقيها وعلمها، التي كانت بالأمس أقوى الأمم العثمانية مراساً وأغزرهم علماً، أصبحت أثراً بعد عين كأن لم تكن بالأمس. أصبحت كتبها العلمية مبعثرة يصرّ بها الجبن والتمر، وبذور الثمر. وقد قيل لي أن أحد كبار المأمورين اشترى من الكتب التي تركها الأرمن ما يقرب الثلاثين مجلداً فرنساوياً بخمسين قرشاً. ومدارسهم مقفلة أبوابها بعد أن كانت غاصة بالطلاب. هذه عاقبة الأرمن السيئة فليأخذ العبرة من هذه الأمة، الأمم المحكومة التي تسعى لنيل الحرية وتعلم حق العلم أن الأقوال ليست إلا بضاعة العاجزين.

وقد رأيت بأم عيني أن الصلبان انزلت من منارات الكنائس الأرمنية التي كانت تناطح السماء سمواً. واتخذت مخازن وأسواق لخزن متروكاتهم وبيعها.

*مقطتف من كتاب “المذابح في أرمينيا” للمؤلف فائز الغصين، (حلب، 1991). (10)

ورد في كتاب “شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية (مجموعة وثائق) بمناسبة ذكرى مرور مئة سنة على الإبادة الأرمنية (1915-2015)”، إعداد وإشراف ودراسة: البروفيسور الدكتور آرشاك بولاديان، دمشق-2014، حيث ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر مقتطفات منه.

 

Share This