احتفال بذكرى إبادة الارمن تحت عنوان: “قصة حياة وموت… وحق ما بيموت”، في المقر العام للحزب القوات اللبنانية

13059659_1317672668259375_1467351011_n

أفادت الوكالة الوطنية للاعلام أن حزب “القوات اللبنانية” نظم احتفالا بمناسبة ذكرى الإبادة الأرمنية تحت عنوان: “قصة حياة وموت… وحق ما بيموت”، في المقر العام للحزب في معراب.

استهل الحفل بالنشيدين اللبناني والأرمني ونشيد حزب القوات اللبنانية ثم وصلة غنائية أرمنية قدمها كورال الفيحاء في طرابلس، تلاه عرض لفيلم عن المخرج الراحل بيرج فازليان.

ثم القى رئيس حزب القوات سمير جعجع كلمة قال فيها: “يحمل نيسان في طياته الذكرى، وكأن شقلبة حروفه تحذر من النسيان والنسيان موت آخر، موت ثان، ونحن لا نهوى الموت مرتين إرادة الحياة فينا أقوى من الموت، لذلك نحن هنا لنشارك في حياة هوية، حياة لغة، حياة فن، حياة ثقافة لنشارك في حياة شعب، نحن هنا كي لا ننسى، كي لا يطال الموت شهداءنا مرتين، كي لا يطال الظلم والموت مستقبلنا، كي لا يموت الحق في صمت الخوف، كي لا يطال الموت والظلم الإنسان.”

أضاف: “24 نيسان ليس بيوم، إنه تاريخ، إنه تاريخ يتجسد في “اللحظة”، كأنه “ألف عام وفي عين الرب كأمس الذي عبر، إنه تاريخ لا يختصر معاناة الشعب الأرمني وحسب، بل معاناة كل المسيحيين المشرقيين. معاناة الإنسان، كل إنسان حيث يتربص الظلم للحق. إنه صراع الإنسان الحر مع الإنسان المستبد، ولد مع ولادة الإنسان ويكمل اليوم في عالمنا، في منطقتنا وفي وطننا. إن معاناة الشعب الأرمني هي معاناة كل المسيحية المشرقية، هي معاناة جميع أحرار هذا الشرق من كل الطوائف، لم تفتأ تتكرر، في ظل صمت وتواطؤ يرخي بثقله على تاريخنا وحاضرنا ونتذكر اليوم على أمل ألا يرخي هذا الصمت، هذا التواطؤ بظله على مستقبلنا، مستقبل منطقتنا ووطننا، كي لا يرخي بثقله على أولادنا وعلى مستقبل البشرية جمعاء. إنه الشرق المذبوح بالأمس كما اليوم، شرق مذبوح، ليس بسيف الجلاد وحسب وإنما بسيف المتفرجين الصامتين، وسيف الخائفين القابعين بعيدا عن المواجهة، وسيف العارفين لكنهم يغسلون أيديهم من دم هذا الصديق وسيف المنتفعين وأكلة الجبنة الذين يفتشون في مأساة الآخرين عن مصالحهم الخاصة، عن قطعة من الجبنة، إنه سيف اللامبالاة واللاإلتزام بالإنسان وقضاياه، يشرع للجزار باب المجزرة. هكذا البارحة، وهكذا اليوم أيضا”.
ولفت الى “أننا نشهد مذبحة مكررة في القرن الواحد والعشرين، وتفاديها كان ممكنا لو أننا اعترفنا بالمذابح الأرمنية التي افتتحت القرن المنصرم، لأن المذابح لا يمكنها إلا أن تكرر نفسها طالما أن النكران هو الموقف المبدئي تجاهها. في ذلك الزمان، من لم يمت من الأرمن بحد السيف، سقط في بحر رمال الصحراء الملتهبة، في كافة أراضي السلطنة باتجاه ماردين، القامشلي، دير الزور، حلب، حمص، دمشق وصولا الى بيروت أسماء تتكرر اليوم، كل يوم على صفحات الجرائد وفي أخبار المساء. السمات نفسها، صفات المجرم نفسها، والمتفرجون تضاعفت أعدادهم، إن عام الإبادة غير مفصول عما سبقه ويتبعه اليوم من مآس من الاعتقالات، الى فنون التعذيب وتنويعاته، الى الأسلحة الكيماوية”.
واردف: “إذا كان ما حصل في مطلع القرن السابق مرفوض بالمطلق، ولا يمكن تحت أي ذريعة التقليل من فداحته وكارثيته وخطورته، فإنه من غير المقبول إطلاقا أن نشهد بعد قرن تقريبا على تلك المذابح، مذابح أخرى أدت إلى تهجير ما تبقى من مسيحية مشرقية في العراق وسوريا، كما الى تهجير نصف الشعب السوري، فيما النصف الآخر سقط بين شهيد ومعتقل ومغيب وخاضع لسلطة أعتى الديكتاتوريات في المنطقة. في مطلع القرن السابق لم يكن هناك من أمم متحدة ولا شرعة عالمية لحقوق الانسان ولا محكمة عدل دولية ولا قدرة فورية على التدخل لوقف المجازر المتمادية ولا إعلام ينقل لحظة بلحظة الفظائع والجرائم والارتكابات التي لا تتحمل العين مجرد رؤيتها، أما اليوم وعلى الرغم من وجود كل ذلك ما زال الشعب السوري متروكا لقدره ومصيره، فيما كان المطلوب منذ اللحظة الأولى أن يتدخل المجتمع الدولي لحماية هذا الشعب. فلو حصل هذا التدخل لما كان هناك “داعش” ولا من يحزنون، ولا كان تهجر الشعب السوري، ولا تهجر المسيحيون من العراق وسوريا، ولا كان الإرهاب توسع وتمدد وتعولم وضرب في قلب أوروبا وأنحاء أخرى من العالم”.

وأشار الى أن “تضامننا اليوم وفي كل يوم مع الشعب الأرمني وكل انسان مضطهد في هذا العالم يعود إلى سببين أساسيين: لأننا نعلي قضية الانسان وحريته وكرامته وأمنه على أي شيء آخر، فهي قضيتنا أولا وأخيرا وفي كل زمان ومكان. والسبب الثاني لتضامننا هو أن ما حصل بالأمس مع الشعب الأرمني ويحصل اليوم مع شعوب المنطقة بمكوناتها المسيحية والإسلامية يمكن أن يحصل غدا مع أي شعب آخر. لو اتعظ المجتمع الدولي من المجازر الأرمنية ومذابح “سيفو” وما تعرض له الكلدان والأشوريون والسريان وغيرها الكثير من المجازر والحروب التي طاولت دولا وجماعات، لكان العالم بألف خير اليوم، سيما أن أزمات المنطقة أظهرت بالملموس انه لا يمكن لأي دولة أو شعب في العالم أن يكون بمنأى عن مجازر تقع ولو في منطقة أخرى بعيدة جدا”.

وتابع: “لم يعد انكفاء الدول الكبرى لترتيب شؤونها الداخلية خيارا يمكن أن تلجأ إليه في هذا الزمن الذي أصبح كل شيء فيه معولما خصوصا العنف والإرهاب، وبالتالي لا خيار أمام عالم ينشد الأمن والاستقرار والطمأنينة سوى تطوير الآليات التي تسمح لمجلس الأمن باتخاذ القرارات الفورية بالتدخل السريع لحماية الشعوب المظلومة والمقهورة، لأن خلاف ذلك سيكون الشعور بالمظلومية مع ارتداداته السلبية كما هو حاصل وعلى نطاق واسع اليوم”.

وأكد ان “المذابح الأرمنية التي نحيي ذكراها اليوم تدفعنا إلى استذكار كل القضايا المماثلة وبالأخص مأساة محاصرة جبل لبنان إبان الحرب العالمية الأولى والتي تسببت بموت واستشهاد ثلث شعبه جوعا في تلك الأيام، وتجعلنا أكثر إصرارا على التمسك بإنصاف الشعب الأرمني كمدخل لإنصاف كل الشعوب المضطهدة والمقهورة. فمن غير المسموح أن يتحول الظلم إلى قدر لشعوب هذه المنطقة، وقد حان الوقت لقيام دولة الحق في فلسطين، ودولة السيادة في لبنان، ودولة الحرية في سوريا، وأن يسود الاستقرار في كل عالمنا العربي”.

ورأى جعجع ان “المجرم في الجوهر هو نفسه، لكل منهم أدواته ونياشين فخره، وهم يتباهون بأعداد المعتقلين وجثث الأطفال المشوهين في المقابر الجماعية، ليست هذه الأحداث منفصلة وإنما هي روح واحدة، ليست حلقات متتالية وإنما شر مجسد ينبغي علينا مواجهته بشجاعة، عبر الذكرى والاعتراف، وعبر الرأي الحر والموقف الواضح والجريء في مواجهة إبادات اليوم. إن القضية التي تتماهى مع الحق وتكون علامة بارزة في مواجهة الظلم والشر لا يمر عليها الزمن ولا يحين وقتها في تاريخ محدد، إنها ملحاحة باقية، بقاء الحق الذي يؤسسها. إنها كما تصفها الشاعرة والمناضلة الفسلطينية رشا القاسم حين تقول: “لا يلزمك أن تكون أرمينيا حتى تهتم بالقضية الأرمنية، ولكن بالتأكيد يلزمك أن تكون إنسانا تملك مشاعر وأحاسيس إنسانية كي تشعر بمعاناة أخيك الإنسان بغض النظر عن لونه أو دينه أو جنسه”.
وختم: “إنسان واحد، قضية واحدة في كل زمان ومكان. وهل نستسلم أمام حجم البربرية واستمرارها؟ إن تجربة ضحايا المذابح الأرمنية تحتم علينا عدم الإستسلام كماأوصت الأرمنية الأميركية نانسي كريكوريان عن لسان جدتها الناجية من المذبحة حين قالت لها: “هذا العالم مكون من الظلام والنور يا ابنتي، في فترات الظلام عليك أن تؤمني أن الشمس ستشرق من جديد، حتى لو لم يتسن لك رؤيتها”. لا بد شمسنا طالعة، لا بد غدنا مشرق، لا بد نضالنا مثمر، وفاء لضحايا المذابح الأرمنية، وفاء لدم كل شهدائنا الأبرار، لتحيا القضية الأرمنية، لتحيا القضية اللبنانية، عاشت القوات اللبنانية، يحيا لبنان!”.

أما القيادي في القوات اللبنانية الدكتور ريشار قيومجيان، قال في كلمته:”ان المجزرة الارمنية اعطت شعبا رفض ان يكتب قصة موت، بل كتب قصة حياة تخللا ثقوبا وتضحيات وشقاء، كذلك امتلأت أيضا بالتفوق والابداع والكرامة، قصة شعب لا يموت والحقيقة لا تموت والحق لا يموت ولن يموت حق وراءه مطالب”.

أضاف: “انا اليوم حين ارى هذه الوجوه الارمنية للسنة الثانية على التوالي في معراب حيث القوات تحيي ذكرى الابادة الارمنية ورئيسها يقف الى جانب قضية الحق وحين نرى نبضا ارمنيا في معراب، فانا باسم كل الشباب والصبايا الارمن الذين ينتمون الى حزب القوات وبإسم كل شهداء الارمن الذين سقطوا على كل الجبهات، في الاسواق، الأشرفية، عين الرمانة، الجنوب، في الجبل، شكا وقنات، اريد ان اقول للحكيم: “اليوم وصلني حقي”.

وختم: “مليون ونصف شهيد، اصبحنا 6 ملايين زهرة حرية وكرامة وعنفوان، نحن هنا، ولدنا هنا، نحيا هنا ونموت هنا من أجل لبنان، نحن هنا شعب يجمعه مع اخوته اللبنانيين، ايمان واحد ومصير واحد وقضية واحدة، نحن هنا شعب صادق وصديق، مثل النخل يعلو ومثل ارز لبنان يزهر ويعلو، من الآن وحتى انتهاء الأزمان يوم ترتاح رفات الشهداء والقديسين، في ترابها المقدس والثمين، تراب يحرسه ارارات وصنين وتباركه انوار القداسة المشعة في آني وسيس واشمبادزين، وفي انطلياس وبزمار وعنايا وقنوبين، الى ابد الابدين آمين”.

بدورها، ألقت المديرة التنفيذية “للهيئة الوطنية الأرمنية في الشرق الأوسط” الدكتورة فيرا يعقوبيان كلمة أكاديمية حول تاريخ الأرمن والمجازر فقالت:” كتب نعيم بك السكرتير الاول لدى المدير العام المساعد لشؤون المنفيين الارمن في مذكراته ما يلي: “اعتقد بأن مسألة النفي والقتل المفجعين للارمن تجعل اسم التركي حليفا باللعنة الابدية للانسانية، لانها لاتشبه أيا من الوقائع الرهيبة التي سجلها التاريخ العالمي حتى اليوم. هذه المذكرات تقاطعت مع الشهادة التي قدمها الضابط مصطفى كمال اثناء محاكمات زعماء حزب الاتحاد والترقي بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى، حيث قال: لقد ارتكب مواطنونا جرائم لايصدقها عقل ولجؤوا الى كل اشكال الاستبداد التي لايمكن تصورها ونظموا أعمال النفي والمجازر وأحرقوا أطفالا رضعا وهم أحياء بعد ان صبوا عليهم النفط واغتصبوا النساء والفتيات امام ذويهم المقيدي الارجل والايدي”.

واستطردت: “ليلة 24 نيسان من عام 1915 كانت بداية قدر مأساوي للشعب الارمني، ففي تلك الليلة، اعتقل المئات من القادة السياسيين والمفكرين ورجال الدين الارمن في اسطنبول وتم اغتيالهم كمرحلة اولية لاول ابادة في القرن العشرين. تبعها عمليات نفي وتهجير مئات الالاف من الارمن بشكل منتظم بذريعة اعادة اسكانهم في مناطق آمنة بسبب الاعمال الحربية”، مضيفة “بين عامي 1915 و1923 تم قتل مليون ونصف ارمني وتهجير الباقي فمات معظم الناجين من الجوع او الانهاك خلال عمليات الترحيل القسرية نحو الصحراء السورية في دير الزور، كما محيت القرى والمناطق الارمنية من الجغرافيا العثمانية، واستهدف كل ما يرمز للثقافة الارمنية من اجل تدميره. فحسب احصائيات بطريركية الارمن في اسطنبول، انه من اصل 2100000 ارمني في السلطنة العثمانية عام 1915 كانوا يشكلون الاغلبية الساحقة للشعب الارمني، بقي فقط 77,435 عام 1927. فالابادة التي تمت عام 1915 شكلت جزءا من سياسة الدولة التركية على مدى بعيد، سبقتها مجازر مخططة مركزيا حصدت اكثر من 300,000 ارمني بين عامي 1894 – 1896 على يد السلطان عبد الحميد الثاني”.

وتابعت: “عندما اتت حكومة الاتحاد والترقي الى سدة الحكم عام 1908 قامت بتطبيق سياسة ابادة رسمية باسم القومية التركية. فبعد سنة على توليهم السلطة حصدت مجازر اضنا ومناطق اخرى من كيليكيا حياة اكثر من 30 الف ارمني خلال بضعة ايام. لقد تمت ابادة الارمن على امتداد المناطق التركية باستغلال فوضى الحرب العالمية الاولى وانهماك الحلفاء بالحرب. وقد صرح الدكتور ناظم، احد الايديولوجيين في جمعية الاتحاد والترقي آنذاك، في جلسة مغلقة للجنة المركزية في شباط عام 1915 مايلي: من الضروري جدا التخلص من الشعب الارمني بأكمله حتى لايبقى أرمني واحد على وجه البسيطة ويقضى على ارمينيا”.

واشارت يعقوبيان الى ان “الاعمال الاجرامية التي اقترفت بحق الشعب الارمني كانت وبوضوح تعتبر جرائم في القانون الدولي. كانت تلك الخلاصة التي توصلت اليها كل من فرنسا وبريطانيا العظمى وروسيا في البيان المشترك في 24 ايار عام 1915، حيث اكدوا جميعا ان مجازر الارمن في السلطنة العثمانية كانت جرائم ضد الانسانية والحضارة ويجدر على كافة اعضاء الحكومة التركية تحمل المسؤولية اضافة الى الذين اقترفوا تلك المجازر فعليا”. وعلاوة على ذلك اكدت معاهدة سيفر الموقعة عام 1920 بين الحلفاء وتركيا بدولة ارمينيا وبالطبيعة الاجرامية للمجازر حسب القانون الدولي. واجبرت هذه المعاهدة الحكومة التركية لتسليم الحلفاء هؤلاء القادة المسؤولين عن تلك الجرائم لكي يحاكموا امام المحكمة القضائية، لكن تركيا التي وقعت هذه المعاهدة لم تلتزم تنفيذها، وتخلت معاهدة لوزان الموقعة في عام 1923 عن طلب الحلفاء لمحاكمة ومعاقبة الاتراك العثمانييين لارتكابهم جريمة ابادة بحق الارمن وعن الالتزام بمنح التعويض للناجين من الابادة وكذلك عن اعتراف سيفر بدولة ارمينيا الحرة التي اعلنت استقلالها في ايار 1918″.

وأردفت: “بهذا خسر الارمن ارمينيا الغربية لتركيا وارمينيا الشرقية للاتحاد السوفياتي لاحقا. لكن عمليات القتل بحق الارمن وان توقفت عند ابواب العام 1923، الا ان الاستمرار في تدمير ممتلكاتهم وتدمير ذاكرتهم التاريخية لم يتوقف. وكانت هذه الاعمال تتعمد تأمين السعي الى الابادة بتدمير الذاكرة، الدليل التاريخي على وجود الارمن في آسيا الصغرى فترة عشرين قرنا. فقد تم حرق كنائسهم واديرتهم عن عمد وتم تدميرها بالمتفجرات. وبالمجمل تم تدمير 1036 كنيسة وديرا. كذلك تم اسقاط اسم “ارمينيا” من الخرائط الرسمية وتغيير اسماء القرى والبلدات الارمنية الواقعة في اسيا الصغرى التي استمرت حتى الخمسينيات. وكل هذا كان يتعارض مع المادتين 38 و 44 من اتفاقية لوزان عام 1923 التي كانت تنوي حماية حقوق الاقليات بما فيها الحقوق الثقافية للاقلية الارمنية في تركيا.”

وقالت: “ان تركيا تحاول اليوم انكار الحقيقة التاريخية للابادة بشتى الوسائل المتاحة اليها، ولم يتمكن اي مؤرخ يعمل في الارشيفات التركية تقديم صورة متماسكة عن ترحيل الارمن واعادة اسكانهم في اي منطقة من الدولة العثمانية على اساس التقارير العثمانية. ان العثمانيين لم يحتفظوا بتقارير مفصلة عن ترحيل الارمن وعن اعادة اسكانهم، وهذه الوثائق غير موجودة في الارشيفات العثمانية. وكيف يحتفظ المجرم بالاداة التي تدينه؟ لكن الوثيقة الاهم، هي مذكرات طلعت باشا، وزير الداخلية العثماني في عام 1915، والعقل المدبر والمنفذ للابادة الارمنية، قد تم اكتشافها في العام 2008. يضم الكتاب في صفحاته السبع والسبعين قسما اساسيا عن ترحيل الارمن خلال 1915-1917. والكتاب ومحتواه لم يكشف عنهما قط عندما كان طلعت باشا على قيد الحياة. واحتفظت ارملته عقب اغتياله في 1921 على يد احد الشبان الارمن بالكتاب، واعطته لمؤرخ تركي في 1982، الذي قام بنشر اجزاء منه في صحيفة تركية عام 2005، اما الكتاب الكامل فقد نشر عام 2008”.

وتابعت: “ارقام طلعت باشا ان معظم الارمن العثمانيين المقيمين خارج اسطنبول قد هجروا بالطبع من ديارهم، وان اغلب هؤلاء المهجرين اختفوا من الوجود حتى عام 1917، وان 90% من الارمن القاطنين في الولايات هجروا، وان 90% من هؤلاء المهجرين قتلوا. تبين الارقام الواردة في الكتاب بوضوح ان عمليات الترحيل كانت بمنزلة حكم بالاعدام”. مضيفة ان “العداء التركي للارمن لم ينته عند حدود العام 1915، بل انه لايزال مستمرا حتى اليوم. فتركيا تحاصر ارمينيا اقتصاديا باغلاق حدودها من جهة واحدة منذ عشرين عاما، وذلك لتضييق الخناق عليها، والحصول على تنازلات تتعلق بموضوع الابادة الجماعية وبمسألة النزاع بين ارمينيا واذربيجان حول اقليم كاراباخ الارمني”.
وختمت يعقوبيان: “ان العدالة تحتم علينا جميعا النضال من اجل الحقيقة التاريخية. فالانقسام الحاصل اليوم ليس بين الارمن والاتراك، بل هو انقسام بين الذين يعترفون بحقيقة الابادة وبين الذين ينكرونها بغض النظر عن انتماءهم وهويتهم ومذهبهم وعرقهم. انها ليست مسألة دم بل هي مسألة عقيدة، هي ليست مسألة عرق او دين بل هدف مشترك، يجب ان نسعى اليه جميعا حتى نمنع تكرار مثل هذه المآسي بحق الانسانية جمعاء”.

أما نائب أمين عام حزب الطاشناق أفيدس غيدانيان فقال في كلمته: “نحيي هذه السنة الذكرى الواحدة بعد المئة للابادة الارمنية وما زالت تركيا مستمرة بالتغاضي عما تم ارتكابه على ايدي اجدادها من جرائم اقل ما يمكن القول فيها، انها من ابشع ما يمكن ان يرتكبه الانسان بحق اخيه الانسان. وكان من الممكن اعتبار أن هذه الابادة وقعت نتيجة الفظاعات التي ارتكبت ابان الحرب العالمية الاولى كما هو مزعوم من قبل القادة الاتراك، دون الاخذ بعين الاعتبار العديد من الوقائع التي تثبت عكس ذلك ، والمدونة في مراسلات سفراء الدول المعتمدة في السلطنة العثمانية انذاك، بالاضافة الى كتب المؤرخين والى ما رواه الناجون من هذه الابادة، لكن واقع الحال هو نقيض ذلك بشكل مطلق ، لأن ما ارتكبه الاتراك بحق الارمن ما زال مستمرا تحت عناوين ومسميات عدة حتى يومنا هذا”.

اضاف:”في هذا السياق يأتي الهجوم العسكري الذي شنته اذربيجان في الثاني من نيسان من هذا العام على طول حدود جمهورية كاراباخ وبخرق فاضح لاتفاق وقف اطلاق النار والهدنة المستمرة بشكل هش منذ العام 1994، بدعم واضح من السلطات التركية التي اعلنت صراحة دعمها لهذه العمليات العسكرية وكذلك الوقوف الى جانب اذربيجان في استعادة ما تزعم انها اراض اذيرية محتلة من قبل ارمينيا، مع العلم ان دولة اذربيجان تأسست عام 1918 وان كاراباخ هي جزء من ارمينيا منذ القرن الخامس، كما نخص بالذكر الاعمال العدائية الاذيرية التي ترجمت خلال هذة الهجمات بقتل المدنيين الارمن وقطع اذانهم والتنكيل بجثثهم والتي هي شبيهة كل الشبه لما ارتكبه العثمانيون بحق الابرياء والعزل من الارمن خلال المجازر التي اودت بحياة مليون ونصف المليون عام 1915. هذا بالاضافة الى الحصار الذي تفرضه تركيا على ارمينيا والذي يمثل وجها آخر من وجوه النزعة العدائية التركية تجاه الارمن”.
واعتبر “ان عدم اعتراف تركيا الوريثة الشرعية للسلطنة العثمانية بواقع الابادة والقبول بالتعويض المادي والمعنوي عنها واعادة الاراضي المحتلة من قبلها يعتبر استمرارا لهذه الابادة، خاصة بعد اعتراف العديد من الدول بواقع الابادة الارمنية. فإذا كان كل ما سبق سرده يصف النزعة اللاانسانية التركية تجاه الارمن فان الدعم التركي للارهاب في النزاعات التي تجري في الشرق الاوسط منذ اكثر من خمس سنوات والارهاب الذي تمارسه السلطات التركية بحق شعبها بمختلف مكوناته من اتراك واكراد وارمن وغيرهم فإن كل ذلك يؤدي الى استنتاج واضح يحدد هوية الدولة التركية كدولة ارهابية بكل ما للكلمة من معنى”.

وختم غيدانيان: “لا اجدني مضطرا الى سرد المزيد من الوقائع والبراهين بل اريد ان ادعو في هذه المناسبة ومن هذا المقر الذي نكن له كل الاحترام ، الى مقاطعة كل ما له صلة بالدولة التركية التي تتغذى بالارهاب وتغذيه ، وذلك من خلال مقاطعة منتوجاتها وسياحتها وتجارتها وصناعتها لان لبنان لم يكن يوما بمنىء عن هذا الارهاب وإن ساحة الشهداء في وسط العاصمة بيروت هو اسطع دليل على ذلك”.

ثم جرى عرض وثائقي عن القضية الأرمنية من إعداد المخرجة كارمن لبكي التي تحدثت عن تجربتها مع المعاناة الارمنية حين قامت بتصوير فيلم “اسمي آرام”.

وقال امين سر حزب الرامغافار سيفاغ هاغوبيان في كلمته:” يمر العام الأول بعد المئة على الإبادة التي ارتكبها العثمانيون في حق الأرمن، ورغم ذلك، بإرادتهم واصرارهم، يتمسكون بالحياة، مئة وعام لا تزال صورها في الذاكرة، حية، موجعة، نابضة بالحضور العميق والاقتناع بعدالة القضية ورفض التنازل عنها مهما مر الوقت، ليست مصادفة أن تستضيف القوات اللبنانية على رأسها الدكتور سمير جعجع، للسنة الثانية هنا في معراب، ذكرى إحياء الإبادة، وتشارك الأرمن في لبنان إيمانهم بأن “الحق ما بيموت” وليست مصادفة أيضا أن تتزامن ذكرى المئة عام وعام على الإبادة الأرمنية في 24 نيسان، مع الفظاعات التي يرتكبها الأذريون، الذين هم أحفاد الاتراك، اليوم في ناغورني كاراباخ، والهجوم المفاجئ منذ بداية نيسان. حق إنساني مشروع للشعوب بالاستقلال وتقرير المصير، وهذا ما يناضل من أجله الأرمن في ناغورني كاراباخ، ولن يهزموا أبدا مهما عصف الدهر. كم يحمل نيسان للأرمن ذكريات وتحديات واستعدادا للمواجهة والتحمل والبقاء”.

وأردف: “نجتمع في معراب اليوم لنتشارك، نحن الأرمن، مع مسيحيي الشرق، حلافائنا الطبيعيين، المصير الواحد والقلق الواحد والتمسك بوجودنا وتاريخنا. لا نزال مهددين بقضيتنا وأرضنا وحدودنا وأجيالنا، في كل مكان يوجد فيه أحفاد العثمانيين، المختزلون حديثا بالأذريين، أصحاب القومية نفسها التي فتكت بالشعب الأرمني قبل مئة عام وعام من اليوم، ولا تزال رافضة الاعتراف أو الاعتذار أو غسل الدم عن اليد. ومرة جديدة الحق ما بيموت”.
وختم هاغوبيان: “يكفي أن يجمعنا المصير الواحد، لنكون نحن، مسيحيي الشرق، والشعب الأرمني، حلفاء، وتجمعنا وحدة الحال. قد يتساءل البعض، لماذا لا ننسى؟ لماذا لا نطوي الصفحة؟. الجواب: وهل تنتزع الذاكرة؟ هل تردم الجراحات؟ هل ينسى التشرد والموت والذل والآلام المحفورة عميقا؟ لن ننسى لأن الحق لا يموت، وأنتم يا حكيم تدركون معنى أن الحق لا يموت، وأثمان الحرية والوطنية والعدالة، دائما باهظة، لذلك نستحقها. لن أطيل الكلام. دعوني أتوجه باسم الشعب الارمني عامتا وباسم حزب الرامغافار خاصة بعميق الشكر إليكم، لتنظيم هذا الحفل الكريم، ومشاركتنا الإيمان بالقضية. “قصة حياة أو موت… وحق ما بيموت”، ليس شعارا رومانسيا ترفعه القوات. إنه تأكيد على أن الحقيقة أقوى من الموت، وستظل كذلك وإن كره الكارهون”.

تلاه رئيس اللجنة الطالبية في حزب الهانشاك انترانيك سالباغيان الذي قال في كلمته: “في البداية أشكر حزب القوات اللبنانية، بشخص رئيسه الدكتور سمير جعجع، لتعبير تضامن حزب القوات مع قضية الشعب الأرمني ولتنظيم هذا الإحتفال لإحياء ذكرى إبادة الأرمن للمرة الثانية على التوالي في معراب”.

وتابع: “إن الجريمة التي تعرض لها شعبنا والشعوب الأصلية في الأناضول، من سريان وكلدان واشوريين وايزيديين، إبادة جماعية بكل المعايير والمواصفات الدولية، إنها جريمة يعاقب عليها القانون الدولي وشرائع حقوق الانسان. إن جمهورية تركيا هي شريكة في إستمرار مفاعيل الإبادة الجماعية، فعلي مدى ثلاثة وتسعين عاما”، حاولت ازالة جميع المعالم الاثرية للأرمن التي يعود تاريخها لعشرات القرون، غيرت اسماء المواقع الجغرافية لمحو الوجود الأرمني على الارض، صادرت ممتلكات الأرمن الذين هجروا من ديارهم وقتلوا على الطريق، بحجة انها “املاك متروكة” وتم توزيع الممتلكات على النافذين من ضباط الجيش والقيادات الحزبية، صودرت جميع موجودات البنوك العائدة للأرمن لصالح البنك المركزي للجمهورية التركية”.

واعتبر ان “تركيا اليوم دولة استبدادية تضطهد شعبها من الاقليات العرقية، حيث قامت سياستها الداخلية على صهر الشعوب المسلمة في بوتقة العنصر التركي، وإنكار وجود القوميات الاخرى من اكراد وعرب وشركس وقوميات اخرى. أضف الى ذلك مئات الالاف، من الإتنيات الجيورجية والارمنية الذين اجبروا على التتريك وإعتناق الدين الاسلامي. إن سياسة الإنكار التي تمعن بها تركيا، والتضييق على المناضلين لاجل حقوق الشعوب في الداخل، والتورط في ازمات المنطقة ومعاداة جيرانها. وبإجماع المراقبين والمتابعين ان الإنتهاك الخطير الذي حصل مؤخرا” في ارتساخ الارمنية والمتعارف دوليا” بناغورني كاراباغ، كان بتحريض من تركيا، وإن قراره كان قد اتخذ اثناء زيارة رئيس جمهورية اذربيجان الهام علييف الى تركيا”.

وختم سالباغيان متوجها الى الشعب التركي بالقول: “لسنا هواة حرب ودعاة احقاد، بل طلاب سلام، نريد العدالة لكل ضحايا جرائم الابادات، وبالاخص نذكر اخوتنا العرب الذين علقت مشانقهم في بيروت ودمشق في 6 آيار 1916 اخوتنا السريان والاشوريين والكلدان الذي عرفت ابادتهم بمجازر “سيفو” وجميع الشعوب المظلومة في كل اصقاع الارض. نحن ثوار حرية ضد الاستعباد وثورتنا ليست موجهة ضد اي دين من الاديان بل ضد كل من يتاجر بالاديان ويستغل الشعوب. الخلود لشهداء الابادة الارمنية في 24 نيسان 1915 وشهداء 6 آيار”.

أما الاعلامي نيشان دير هاروتيونيان فألقى كلمة وجدانية قال فيها: “من سنة صعدنا الى معراب واحتفينا بالذكرى المئوية للمجازر الارمنية. من سنة جئنا الى هنا واجتمعنا وألقينا كلمات وحضرتك حكيم استقبلتنا وأحييت المناسبة ووجهت كلمة مؤثرة. وهذه السنة، في ذكرى المئة سنة وسنة، موجودون هنا لإحياء الذكرى التاريخية لمحاولة إبادة الشعب الأرمني”. وتابع: “انا أتكلم عن قضيتي من خلال نشأتي اللبنانية، انا اتكلم عن قضيتي من خلال تربيتي اللبنانية، وثقافتي اللبنانية، وقيمي اللبنانية. انا أتكلم عن قضيتي من خلال قضيتي اللبنانية، من منطلق اللاتنازل عن أي شبر من ال 10452 كلم2. ثقافات تمحى، وطوائف وأعراق تباد، وجماعات تعنف، وتساق الى الصحارى، تهجر، تعذب، ينكل بها، تقتل، وتذبح وتنحر. ولكن، من سنة لسنة، تبقى إبادة الشعب الأرمني ومحاولة تطهير هذا العرق وصمة عار دامغة على جبين الانسانية وتشجع مجازاة كثيرة ان ترتكب، على قاعدة: Genocide unpunished is genocide encouraged، أي الجريمة التي يفر مقترفها من العدالة تشجع جرائم أخرى ان تقع”.

ولفت الى ان “المسألة الارمنية ليست مسألة دينية ولا طائفية ولا مذهبية ولا فئوية.المسألة هي مسألة إنسانية صرف. واليوم، كل ارمن لبنان، وأرمن كل لبنان، من سنة لسنة، بكل أطيافهم وشرائحهم يجددون هذا الامتنان التاريخي للبنان. هذا الوطن الذي احتضن، لم يفرق ولم يميز على أساس المساواة وتحت سقف المواطنة”.

وختم: “حكيم، الأرمن شعب قليل بالعدد، صحيح. ولكنه شعب قوي وقوته من قوة إيمانو بربو. قوته من قوة مثقفيه.قوته من قوة مفكريه. من قوة شعرائه، ونحاتيه، وموسيقييه، وعازفيه، ومربيه، ومبدعيه، وإعلامييه، وطلابه، وتلامذته، وامهاته، وابائه. وبس تجمع كل هذه القوات وتضيف عليها شمعة وبخور وسراج وزيت، تبقى القضية من سنة لسنة قصة حياة وموت وحق مقدس لا يموت طالما منجتمع كل سنة بمعراب ولبنان ووين ما كان ليعلو الصوت: حقوقنا مقدسة”.
ومن ثم كرم جعجع السيدة الارمنية اللبنانية ماري ليكيكيان عمرها 106 سنوات كانت شاهدة حية على المجازر الأرمنية. ثم قدمت الرسامة مارال مانيساليان لوحة فنية الى رئيس القوات.

Share This