عن وفاء الأرمن لسوريا…. الوفاء قيمة لا تقدر

13115516_1320045751355400_2063400278_n 

د. اسكندر لوقا 

غالباً ما نجيب صاحب التحية بكلمة شكراً، بعبارة لا شكر على واجب. في سياق هذه المعادلة الراقية في سياق العلاقات بين الناس، يزداد احترام بعضهم بعضاً، لأن أياً من كلمة الشكر والرد عليها لا تحتاج إلى بذل جهد.

في الأمسية الختامية لفعاليات إحياء الذكرى المئوية للإبادة الأرمينية في مسرح الأوبرا مساء الأحد 24 نيسان، تحت عنوان «شكراً سورية»، يكتشف الإنسان مقدار سعادته عندما يكون قد أدى عملا وينال عليه كلمة شكر. وسورية، في سياق الواجب الذي أدته تحديدا في بدايات القرن الماضي، حيال الأرمن القاطنين في رحاب الدولة العثمانية وقتئذ، لم تكن تنتظر يوماً سيأتي وتسمع فيه كلمة شكراً سورية، لأن ما قامت به كان نابعا من صدق انتمائها إلى مبدأ أقله يندرج تحت عنوان الواجب الإنساني. من هنا، توطدت العلاقات بين العرب السوريين وبين الوافدين الأرمن إلى الأرض التي احتضنتهم بكل ما يعنيه الاحتضان.

وسورية لم تبخل يوماً عن فتح أبوابها لإيواء الوافدين إليها، كما بالأمس، كذلك في الحاضر، أيام هجّر العراقيون من أرضهم إثر العدوان الأميركي على بلادهم، وأيام هجّر اللبنانيون من أرضهم إثر العدوان الإسرائيلي عليهم، وكانت دائماً الحضن الآمن لكل من ينشد الأمن والسلام، بعيداً عن تبعات العدوان على حياته. ومن هنا لا تشعر تجاه الأرمن الوافدين إليها في أوائل القرن الماضي وقبله بسنوات هربا من بطش السلطات العثمانية، إلا أنها تؤدي واجبا بحكم الانتماء إلى الإنسانية لا إلى عرق أو إلى جنس، ولا تنتظر من أحد أكثر من عبارة شكراً سورية.

الأمسية الختامية لفعاليات إحياء الذكرى المئوية للإبادة الأرمينية، لم تكن مجرد فعاليات تذكر بما لحق بالشعب الأرميني من ظلم الحكم العثماني، وتشتيت أفراده في بلدان العالم وخصوصاً في بلادنا، بل كانت صورة من صور الوحشية التي تمارسها دول قادرة على استخدام الحقد لا السلاح فقط على غيرهم. ويحق للشعب الأرميني اليوم ودائما أن يتذكر ويطالب، أن يتذكر ما أصابه، وأن يطالب بحياة كريمة آمنة في ظل دولة تعترف بحق الإنسان كي يعيش في كنفها مطمئنا على حاضره ومستقبله.

ضمن هذه المعادلة، ينعم الأرمن في سورية بكل ما تعنيه تبعات المواطنة التي لا تميز بين شرائح أفرادها لا من حيث الدين ولا من حيث العرق أو الطائفة أو المذهب. هنا قوة سورية التي لم تفقد يوماً بوصلتها منذ أن كانت وكان أهلها. ومن صلب عذابات الإخوة السوريين الأرمن ولدت قدرتهم على البقاء أحياء كرماء في سورية أرض الوفـاء الذي لا يقدر بثمن.

يقول المهاتما غاندي «1869-1948»: «قدرة الإنسان على تحمّل العذاب هي أكبر من قدرة عدوّه على تعذيبه». وهذا ما تؤكده أحداث التاريخ عموماً تجاه الأرمن أو سواهم.

الوطن

Share This