ندوة عن تلاحم نسيج الشعب السوري

جميعنــا للـوطـن

أقام الباحثان محمد جمعة حمادة وليـون زكـي، رئيس مجلس الأعمال السوري الأرميني، ندوة في جمعية النهضة الثقافية، عن تلاحم نسيج الشعب السوري والعلاقة الحميمية المشتركة، والود المتبادل الذي يربط السوريين الأرمن مع باقي فئات المجتمع السوري ومكوناته.

وأوضح ليـون زكي في محاضرته، التي عنونها بـ “سوري من أصل أرمني”، أن وصول الأرمن إلى سورية لم يبدأ سنة 1915 بل بعد انتصارات الملك ديكران على الفرس والرومان في القرن الأول قبل الميلاد، وتذكر المصادر التاريخية بأن الشعب الأرمني كان موجوداً في سورية خلال الفتوحات الإسلامية “وخاصة في قرى اليعقوبية والقنية والغنيمية وآرام وفي محافظة اللاذقية ، حيث حدود مملكة كيليكيا الأرمينية التي كانت تصل إلى الضفاف الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، وكان الأرمن موجودين في حلب وحمص ودمشق وبيروت، لكن سنة 1915 تضاعف عدد السكان الأرمن في سورية عندما هُجروا إليها ليصل عددهم إلى أكثر من 300,000 نسمة، هاجر منهم إلى أرمينيا وأوربا وأمريكا لأسباب اقتصادية فتناقص العدد اليوم ليصل إلى 100,000 نسمة تقريباً”.

وقال بأن شعباً موجوداً في سورية قبل الفتوحات الإسلامية “حتماً ليس جالية، بل نسيجاً من الوطن سورية، فالسوريون الأرمن وفي كل أنحاء العالم لم ولن ينسوا هذا الدعم المستمر من أهلهم وإخوانهم السوريين عند وصولهم إلى سورية قبل 96 عاماً، ولذلك، شيّد نصب تذكاري ضخم في يريڤان لتخليد علاقة الصداقة المستمرة بين الشعبين والبلدين سورية وأرمينيا، وسيتم الافتتاح في حفل على مستوى دولي أوائل شهر حزيران القادم”.

وأكد زكــي أن المواطن السوري من أصل أرمني يحمل البطاقة الشخصية السورية، ويتمتع بحقوق أي مواطن سوري آخر دون تفرقة أو تمييز “فهو سوري أولاً من خلال حقه في المواطنة والانتخاب والتمثيل النيابي، حيث كان ومازال هناك نواب في مجلس الشعب، كما يلبي المواطنون من أصول أرمنية نداء الواجب ويؤدون خدمة العلم مدافعين عن كرامة وطنهم سورية، وقد وصلوا إلى مراكز قيادية في الجيش واحتلوا مناصب إدارية وحكومية سياسية في الدولة”، ولفت إلى أنه إبان الاستعمار الفرنسي لسورية أصدر مطران الأرمن الأرثوذكس الأسقف زاريه بياسليان نداءاً إلى المقاتلين الأرمن في الجيش الفرنسي كي ينضموا بأسلحتهم إلى الجيش السوري “فلبى الجنود الأرمن نداء الواجب، وتقديراً لموقفه الوطني النبيل تجاه الوطن السوري منحته الحكومة وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى بموجب المرسوم رقم 381 تاريخ 2 نيسان 1946… نعم نفتخر لكوننا سوريين، ونعتز بأصلنا الأرمني”.

وتحدث زكي عضو مكتب اتحاد غرف التجارة السورية، عن الحضور الفاعل للسوريين الأرمن في الحياة الاقتصادية والاجتماعية: “بالإضافة إلى كونهم أطباء ومحامين ومهندسين، فإن للمواطنين السوريين من أصول أرمنية حضور اقتصادي وتجاري وصناعي مهم، واليوم معاملهم تنتج الحديد واللوازم الصناعية والبطاريات والسجاد والمشغولات الذهبية وأجهزة أطباء الأسنان وغيرها، وكما هو معروف بأن هناك أكثر ألف تاجر سوري أرمني مسجلين في غرفة تجارة حلب، بالإضافة إلى آلاف المحلات التي يديرونها وذلك فقط في مدينة حلب وحدها، وأنه يعود الفضل للسوريين الأرمن بأنهم أول من أدخل إلى البلاد جهاز التصوير بأشعة رينتغتون والتصوير الضوئي وأول جرار وأول سيارة إلى حلب، وأدخلوا مهن الخراطة وطرق اللحام المختلفة، ولديهم براءات اختراع عديدة مسجلة لدى الهيئات المختصة، وهناك اليوم العديد من الفعاليات الاجتماعية والثقافية إضافة إلى المدارس والثانويات والمستوصفات ودور الأيتام والعجزة وذوي الاحتياجات الخاصة وفرق ونوادي رياضية، وذلك من حلب إلى الساحل إلى الجزيرة إلى دمشق، وليس هناك أي مدينة في سورية إلا وتجد فيها فعالية سورية من أصل أرمني، وكل هذه المراكز مخصصة لكافة أطياف المجتمع وبدون أي تمييز، لأن البلد بلدنا … وجميعنا للوطن”.

ولفت إلى أن القرب الجغرافي لجمهورية أرمينيا (ساعة طيران من حلب إلى العاصمة يريڤان) عامل مساعد آخر جعل من الأرمن في سورية على تواصل دائم مع أرض الأجداد من خلال العلاقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية “وللحكومتين السورية والأرمينية علاقات خاصة مميزة وزيارات رسمية متبادلة باستمرار بما فيه خير الطرفين، وهنا نذكر على سبيل المثال وليس الحصر بأن أول رئيس لجمهورية أرمينيا كان سورياً من حلب، وأول زيارة خارجية قام بها كانت إلى سورية، ولذلك فأكبر مبنى سفارة موجودة في يريڤان هي السفارة السورية ، ويوجد أكثر من 1000 طالباً سورياً في أرمينيا، ومن كل هذا اكتسبت زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى جمهورية أرمينيا بعداً خاصاً إقليمياً وعالمياً من الشرق الأوسط إلى ما وراء القوقاز”.

وأضاف :”لا بد أن أذكر حديث السيد الرئيس بشار الأسد خلال زيارته إلى أرمينيا، عندما أوضح أكثر من مرة بأن السوريين من أصل أرميني ليسوا جالية بل نسيجاً من الوطن سورية، ولا يمكن تمييزهم عن غيرهم، في المقابل هناك جالية سورية من أصل أرميني موجودة في أرمينيا للدراسة والعمل”.

وأشار رئيس مجلس الأعمال السوري الأرميني إلى أنه أكد خلال لقاء وزيرة المغتربين الأرمينية هيرانوش هاكوبيان في جمهورية أرمينيا أن السوريين من أصل أرميني “هم سوريون أولاً وأخيراً والذي يمثّلهم هو سفير سورية في يريڤان وليس سفير أرمينيا في سورية”، واستذكر ثلاث مواقف لا تفارق مخيلتـه ولا يوحّد بينها التملق والتزلف بل حبـه الخالص لبلده سـورية ولغتها العربيـة الجميلة لدى الحديث بها، وبخاصة في اللقاءات الرسمية، وقال :”خلال الاجتماع الذي ضم ممثلي الفعاليات الاقتصادية في حلب مع الرئيس الأرمينـي سيرج ساركيسيان والوفد الرسمي المرافق له خلال زيارته الأخيـرة إلى عاصمة الاقتصاد السوري، وبحضور الوزير منصور عزام وزير شؤون رئاسة الجمهورية، والمهندس علي أحمد منصورة محافظ حلب، تحدثت بعفوية باللغة العربية مرحباً بالضيوف قبل أن أتطرق إلى الناحية الاقتصادية في العلاقة التـي تربط بين بلدينا، ليقاطعني السفير فوق العادة ليڨون سركيسيان (شقيق الرئيس الأرميني) مستغرباً عدم تكلمي بالأرمنية بصفتي أرمني، لكنني بقيت مصراً على استخدام العربية، وأجبته بأني على الرغم من اعتـزازي بأصلي الأرمنـي أفتخر بكوني سوري، ولكوني رئيس مجلس الأعمال السوري – الأرمينـي من الجانب السوري وليس من الجانب الأرمينـي، ولأننـي أمثل سورية سوف أتكلم اللغة العربية”.

وزاد ليـون زكـي: “أثناء اجتماع مجلس إدارة غرفة التجارة العربية – البلجيكية التي أنا عضو فيـها في بروكسل، أسهب أحد الوزراء والأعضاء العرب في الحديث بالانكليزية لغة التواصل في الحوار، وعندما جاء دوري في الحديث طلبت مترجماً لأنني سأتكلم بلغتـي العربية، مع أننـي أتقن الانكليزية، إمعاناً بالتفاخر بها ولأنها اللغة الخامسة الدولية المعتمدة لدى منظمة الأمم المتحدة، وتكرر الموقف ذاته في المنتدى الاقتصادي السوري – الأرميني الذي عقد في يريڨان فاقتصرت مداخلاتي، التـي رغّبت رجال الأعمال الأرمينيين على الاستثمار في سورية، على اللغة العربية مما أثار استغراب المشاركين من الطرف الأرميني الذين عهدوا من كل أرمني التحدث بلغتهم في مثل هذه الملتقيات”.

وانتقد زكي المفهومين الرائجين للـ “التسامح الديني” و”التعايش”، وقال: “نحن نمارسهما بامتياز،والحديث عنهما فقط موجه للعالم الخارجي، فلماذا نعمل على توصيفهما، فعندما ندعو إلى قبول الآخر يعني أن نقبله كما هو ليس بعد تعديله وتحويله إلى نسخة طبق الأصل عن ذواتنا، نعم هناك أرضية واسعة وحيز واسع للتعامل معاً بما فيه خير مجتمعنا وبلدنا ووطننا”.

ولفت إلى انه انتخب كعضو مجلس إدارة في غرفة تجارة حلب على حساب أحد تجار حلب ولم يجر تعيينه، وضرب أمثلة واقعية عن علاقة الأرمن بأطياف المجتمع السوري، ومنها: “الصديق المسلم الذي تبرع بثرية ضخمة لكنيسة مع مبلغ نقدي، والشيخ الذي أهدى براداً للكنيسة، وأحد الأرمن الذي يقيم إفطاراً رمضانياً لأيتام المسلمين، وآخر بنا مسجداً في مكان عمله للموظفين المسلمين، ولدينا مفتياً للجمهورية لا يجد مانعاً من أن يصلي صلاته داخل الكنيسة، وهذا ما قصدناه بقبول الآخر كما هو”. وختم حديثه بالتشديد على أن الأرمن هم من نسيج الشعب السوري “واليوم تتجسد اللحمة الوطنية بأروع صورها بين مختلف المواطنين، وذلك من خلال مشاركتهم يداً بيد في بناء مستقبل هذا الوطن الذي نحبه جميعاً، وفي ظل القيادة الحكيمة لسيادة الرئيس بشار الأسد”.

Share This