ماذا يفعل الأكراد

فائز-الغصين 

بعد أن يشتري الأكراد القوافل من الجاندرمة يأخذون جميع الثياب التي عليهم فيبقون عرايا كما وضعتهم امهاتهم رجالاً ونساء، ويرمونهم بالرصاص حتى يقتلونهم عن بكرة أبيهم فيشقون بطون الرجال والنساء ويفتشون عن الدراهم في أمعائهم وفي فروج النساء.

ويشقون الثياب والفرش والأحذية لكي يجدوا بها دراهم. هذه أفعال درك الحكومة الرسمية والأكراد باخوانهم في الإنسانية. وقد يبيع أفراد الدرك هذه القوافل هرباًمن التعب وطمعاً في القوافل الأخرى لأجل أن يستلموها ويسلبوا ما معها من الدراهم.

أسنان الذهب

فالويل لمن له سن من ذهب وخصوصاً قبل أن يصل إلى محل قتله، فيموت مراراً قبل الموت الحقيقي.

أحد اغوات الأكراد يقتل خمسين ألفاً من الأرمن

حدثني أحد الأكراد أن حكومة خربوط سلمت إلى أحد أغوات الأكراد في تلك الولاية في ثلاث مرات ما يزيد على الخمسين ألف شخص من أرمن أرضروم وطربزون وسيواس واسطنبول، وأمرته أن يقتلهم ويقاسمهم على الأموال التي يأخذها. وقد قتل جميع هؤلاء الأرمن وأخذ ما معهم من الدراهم والأمتعة. وقد أجّر ستماية بغل لنساء الأرمن ليوصلهن إلى أورفة، بأجرة قدرها ثلاث ليرات عن كل بغل. ولما أخذ الدراهم جمع بغال عشيرته وأركب عليها هذه النساء وجاء بها لمحل بين ملاطيه وأورفة وقتلهن شر قتلة وأخذ كل ما عندهن من الحلى والدراهم والأقمشة والأمتعة الثمينة والفرش النفيسة.

فض بكارة النساء قبل الموت وبعده

وقد قيل لي أن أفراد الدرك والأكراد افتضوا بكارة بنات كثيرات من الأرمن ومن لم يقووا عليها قبل موتها فإنهم يفتضون بكارتها وهي بحال النزاع. فيا لها من فضيحة لا تغفر ووحشية لا تنكر. والله أن الوحوش لتأبى هذه الأفعال وتنكرها.

قلنا قبلاً أن نساء الأرمن ترسلن زرافات برفقة أفراد الدرك وكلما مرت على قرية يأتي أهل تلك القرية فيختارون منهن ما يشتهون. فيتخذون ما اختاروه من تلك النساء ويعطون الدركي دريهمات قليلة. وقد جاء أحد شيوخ الأكراد واختار فتاة تكاد أن تبلغ ربيعها السادس عشر. فقالت أنها لا تأخذه أبداً، ولكنها ترضى أن تدخل في دين الإسلام وتتزوج بشاب من سنها. فلم يقبلوا الأكراد منها وخيروها بين الموت وقبول الزواج بذلك الشيخ المتداعي. فلم تقبله فقتلوها.

بارصوم آغا

عندما كنت قائممقاماً في قضاء كاخته من أعمال ولاية خربوط صاحبت رجلاً أرمنياً من أعيان كاخته وكان يسمى بارصوم آغا. كان هذا الرجل كريماً شجيعاً وكان يكرم الأكراد والأتراك والأرمن، لا يفرق بينهم. كان يحسن على المأمورين المعزولين من وظائفهم في كاخته. وكان جميع أغوات الأكراد هناك رقباء له، لا يحبونه لأنه كان يشاطرهم الرئاسة في تلك البلاد. فلما نفيت ووصلت سيورك وعلمت بما أصاب الأرمن سألت عنه وعن أفراد عائلته، فقيل لي أنه عندما ساقت الحكومة الأرمن الموجودين في قضاء كاخته جاءت به وطلبت منه أن يسلمها دفاتر ديونه. وكان له مقدار عشرة آلاف ليرة ديناً على أهل ذلك القضاء من أكراد وأرمن. فأجابهم أنه مزق دفاتر الديون والسندات وسامح المديونين بدينه وابرأ ذمتهم. وعندما جيء به مع سائر أهل القضاء من الأرمن ووصلوا نهر الفرات، طلب أن يغرق نفسه فاجيب إلى طلبه فسعى لإغراق نفسه فلم يفلح ولم يقدر أن يتغلب على نفسه. فقال للدرك أن الحياة لعزيزة ولم تطاوعني نفسي على الانتحار فافعلوا ما تؤمرون. فرماه أحدهم برصاصة أودت بحياته واتلفت بقية عائلته بنفس المصير.

حديث أحد شبان الأتراك وكان قد جاء معلماً لديار بكر

نقل لي أحد شبان الأتراك ان الحكومة بلغّت الأرمن في بروسه أنها قررت ابعادهم للموصل وسوريا والدير وأنهم سيبعدون لتلك الديار بعد ثلاثة ايام من تبلغهم الأمر. وبعد أن باعوا ما قدروا عليه واستأجروا عجلات أجرة للركوب رحلوا لأراضي وعرة جداً بعيدة عن القرى. كسروا العجلات وتركوهم في القفار وذلك حسب الأمر الذي تلقوه من الحكومة وجعلوا يأتونهم بالليل يسلبونهم دراهمهم وأمتعتهم وقد هلك كثيراً منهم جوعاً وخوفاً واتلف قسم عظيم منهم في الطريق ولم يصل منهم إلى سوريا والدير إلا القليل.

وحدثني أحد عرب الجزيرة وكان رافقني أثناء فراري من ديار بكر أنه كان ذهب مع أحد شيوخ عشيرته ومعهم رجال وجمال لأجل مشترى حبوب من أبناء ابراهيم باشا المللي. وفي طريقهم رأوا سبعة عشر طفلاً لا يتجاوز أكبرهم سن الثالثة عشرة من عمره. وكانوا بحال الهلاك من العطش والجوع. قال وكان معنا قربة صغيرة من الماء وقليل من الزاد فلما رآهم بدأ يبكي شفقة عليهم. وأخذ الماء والزاد وبدأ يسقيهم بيده واحداً بعد واحد. ويفرق عليهم الزاد، ولكن ماذا يفيدهم هذا الماء والزاد. اننا فكرنا في أمرهم فلو أخذناهم معنا إلى المللي لما كان نصيبهم الا القتل لأن الأكراد قتلوا جميع الأرمن الموجودين في بلادهم عن أمر تلقوه من الحكومة واعرابنا بعيدون عنا مسافة خمسة أيام عن المكان الذي وجدناهم فيه فلم نر بداً من مفارقتهم تاركينهم لشفقة الله ورحمته، وبعد رجوعنا بعد أسبوع وجدناهم موتى جميعهم.

حديث أحد مديري النواحي عن طفل أرمني

كنا نبحث عن شجاعة الأرمن ورقيهم وكان مدير الناحية جالساً معنا فقص علينا قصة عجيبة في بابها. قال: حسب الأمر جمعت ما بقي في ناحيتي من الأرمن وكان ما بقي فيها عبارة عن سبع عشرة امرأة وبعض الأطفال ومن جملة الأطفال واحد في الثالثة من عمره مريض لم يمش على رجليه إلى ذلك الحين. ولما بدأ القصاب يذبح تلك النسوة وجاء الدور لوالدة هذا الطفل فقام على رجليه وجرى شوطاً ثم وقع فأدهشنا بعمله هذا وكيف أنه فهم أن والدته ستقتل، فذهب أحد أفراد الدرك وقبض عليه ووضعه جثة بلا روح على والدته التي قتلت. وقال أنه رأى إحدى تلك النساء دنت من القصاب تأكل خبزاً وأخرى تدخن لفافة كانت بيدها، وكأنهما لم يحسبان للموت حساباً.

حديث شوكت بك عن طفلة أرمنية

كنت جالساً في محل وكان أحد المأمورين المكلفين باتلاف الأرمن ويسمى شوكت بك يقص قصته على الموجودين في ذلك المحل. قال: كنت سائراً مع قافلة ولما وصلنا خارج سور ديار بكر وعندما بدأنا نطلق الرصاص على الأرمن لنقتلهم، جاء كردي وصار يقبل يدي ويطلب مني أن أعطيه طفلة عمرها عشر سنوات تقريباً. فقطعت اطلاق الرصاص وأرسلت أحد أفراد الدرك أن يأتيني بالطفلة التي قال لي عنها الكردي وعندما جاء بها اريتها محلاً وقلت لها: اجلسي هنا نسلمك لهذا الرجل تخلصين من القتل. بعد مدة قصيرة رأيتها رمت بنفسها بين القتلى من الأرمن. فأمرت أفراد الدرك أن يقطعوا الرمي ويأتوني بها. ولما جاءوا بها قلت لها: أنني شفقت عليك واخرجتك من بينهم خوفاً عليك من الموت، فلماذا ترمين بنفسك بينهم؟ اذهبي مع هذا الرجل وهو يربيك كابنة له. فقالت: أنني بنت أرمنية والدتي ووالدي وأقاربي هم مع هؤلاء الأشخاص المقتولين، ولا أريد أماً وأقارباً غيرهم ولا أريد أن أعيش بعدهم ساعة. وبدأت تبكي وتنتحب وقد نصحتها كثيراً فلم تقبل نصيحتي ولم ترض بالذهاب مع ذلك الرجل، فتركتها لحال سبيلها فذهبت فرحة ووضعت نفسها بين أمها وأبيها اللذين كانا بحالة النزاع فقتلت هناك. وكان يقول: هذا فعل الأطفال منهم فكيف الكبار.

قال لي أحد الثقفات من دير الزور أن أحد مأموريها اشترى من الدرك ثلاث بنات كل واحدة بربع مجيدي. وحدثني آخر أنه اشترى شابة جميلة جداً بليرة واحدة. وقد سمعت عند العشائر أن الأرمنيات بيعت بثمن بخس كما يباع سقط المتاع من ليرة إلى عشر ليرات ومن نعجة إلى خمس نعجات.

حديث محام مع طفلة أرمنية

كنا جالسين في مكتب أحد المحامين اذ جاءت للمكتب طفلة صغيرة وكان يعرفها المحامي ونحن لا نعرفها فقال لها المحامي: أنت إلى الآن أرمنية لم تسلمي. فقالت له: والله أنني اسلمت. وقد بدا الاصفرار يعلو وجهها من الرعب فقال لها: كلا أنت أرمنية إلى الآن. فقالت ماذا أعمل وقد قتل أبي وأمي وأخوتي أمام عيني أما أكون مسلمة بعد ذلك. فعجبنا لذكاء هذه الطفلة وعدم نسيانها قتل أبيها وأمها وأقاربها.

*مقطتف من كتاب “المذابح في أرمينيا” للمؤلف فائز الغصين، (حلب، 1991). (12)

ورد في كتاب “شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية (مجموعة وثائق) بمناسبة ذكرى مرور مئة سنة على الإبادة الأرمنية (1915-2015)”، إعداد وإشراف ودراسة: البروفيسور الدكتور آرشاك بولاديان، دمشق-2014، حيث ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر مقتطفات منه.

Share This