عندما ينظر أحفاد سليم الأول إلى تاريخهم فى مصر

عندما يضع أمين منظمة المؤتمر الإسلامى أكمل الدين إحسان أوغلى كتابا عن الوجود التركى فى مصر ويقدم له رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان فإن الكتاب يتحول إلى حدث ثقافى استثنائي.
ففى كتاب «الأتراك فى مصر وتاريخهم الثقافى» الصادر باللغة العربية عن دار الشروق يجد قراء العربية رؤية تحليلية عميقة لواحدة من أهم فترات التاريخ المصرى الحديث وأكثرها إثارة للجدل.

وفى تقديمه للكتاب استعرض رجب طيب أردوغان صاحب المشروع السياسى والحضارى ذى المرجعية الإسلامية تاريخ العلاقات المصرية التركية.

يقول أردوغان: تمثل العلاقات التركية المصرية – التي ترجع جذورها إلى القرن التاسع الميلادي- واحدا من مجالات البحث الأكثر جدارة بالاهتمام فى تاريخ منطقتنا وفى تاريخ العالم.

وهذا التاريخ الذى يتضمن موضوعات جدّ متباينة فى الثقافة والفنون والعلوم والتعليم واللغة والفكر والسياحة والتجارة والإدارة والعلاقات الإقليمية – إنما يؤكد فى الوقت نفسه أهمية الروابط التاريخية الراسخة بين الشعبين التركى والعربي.

فالأتراك والعرب يدينون بدين واحد ويتقاسمون تراثاً ثقافياً واحداً، وأخذوا على عاتقهما أدواراً مركزية فى بناء الحضارة الإسلامية، وكان لهما إسهامهما الواضح فى صياغة القيم الإنسانية المشتركة.

وفى إطار هذا التاريخ العريق تتبوأ العلاقات التركية المصرية مكانة متميزة.

فقد عاش هذان الشعبان جنبا إلى جنب سنوات طوالا، وكأن القدر قد جمعهما على مصير واحد، وتنفسوا جوا دينيا وفكريا واحدا، وتقاسموا قيم حضارة واحدة، وكافحوا من أجل نفس القيم الإنسانية الرفيعة. وكانت مصر تتمتع خلال عهود الذروة فى قوة الدولة العثمانية بوضع خاص دون سائر الإيالات العثمانية، وبرزت بينها بتراث ثرى فى مجالات العلم والثقافة والفنون والتعليم.

وقد استطاعت الرابطة بين القاهرة واستانبول أن تواصل بقاءها حتى أوائل القرن العشرين. فقد نرى بين عالم يدرس فى القاهرة وشاعر أو مؤلف لكتاب فى استانبول ظهور خط متصل يتجاوز الزمان والمكان، وهذا الخط قد ربط برباط وثيق بين الشعبين. وكشف أيضا عن أهمية كبيرة فى حاضر العلاقات بين المجتمعين التركى والمصرى.

وكما أكرر القول كثيرا يجب علينا أن نضع حدا لكتابة تاريخ علاقاتنا بعقول مشتتة ونظرات وأفكار انفصمت عن بعضها البعض. بل إن علينا أن نعيد معا كتابة تاريخنا المشترك، فأقدارنا على مدى التاريخ لم تكن منفصمة، ولا أراها سوف تكون كذلك فى المستقبل.

إن القضية الأهم عندنا هى أن نعيد قراءة أنفسنا وحضارتنا بشعور ولغة يرقيان إلى مستوى قيمنا الرفيعة. وعلينا أن ننقل تاريخنا إلى الأجيال الصاعدة على أنه جوهر وأساس يبنى عليه شعور مشترك ولغة مشتركة.

وهذا الكتاب الذى ألفه العالم الجليل الأستاذ الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلى أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامى هو الدراسة الأولى التى تتناول بالتفصيل هذا التاريخ، وهو يركز على العلاقات التركية المصرية، ويتحدث عن التطورات التى وقعت فى عهد محمد على باشا وعهد أسرته بوجه خاص، ويكشف بشكل لافت عن ذلك الدور الذى لعبته اللغة التركية وثقافتها فى ظهور مصر الحديثة.

وهذه الدراسة التى تعد الأولى فى هذا المجال تبين لنا بوضوح إلى أى مدى يرتبط مصير تركيا بمصير مصر، وإلى أى مدى يرتبط مصير استانبول بمصير القاهرة.

وهذا الكتاب الذى حصل فى عام 2008 على جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يجرى اليوم تقديمه إلى كتلة عريضة من القراء فى طبعته العربية الجديدة.

وفى مثل هذه الأيام التى تدخل فيها العلاقات التركية العربية والعلاقات التركية المصرية منعطفا جديدا أرانى على ثقة بأن هذا العمل الذى بين أيدينا سوف يسهم بشكل جاد فى دعم تلك العلاقات، ويقرب المسافات بين الشعبين أكثر وأكثر.

أخبار الشروق

Share This