الإمارات الأرمنية في حقبة تجزئة المملكة الأرمنية

arabic-emirates-in-pakradounian-armenia

الفصل الثالث

بعد سقوط مملكة سمبات الأول تشظت المملكة البقراتونية إلى سلسلة إمارات تتمتع بالحكم الذاتي. ولم تنهار المملكة الأرمنية فحسب، بل زالت ولاية أرمينيا أيضاً التي شكلها العرب وخاصة أنها كانت تستمر اسمياً كمنطقة ضريبية للخلافة حتى بعد وفاة سمبات الأول. وأصبحت إيبيريا على سبيل المثال تتشكل من مملكة كارتلي وأبخازيا ومقاطعة كاخيتي وإمارة دبغيس.

شكل بقرادونيو دارون وحدة سياسية منفصلة التي اعترفت مع ذلك بسيادة الملوك الأرمن العليا. إنقسمت مملكة أرمينيا في القرن 10م إلى الوحدات التالية:

(1) مملكة البقرادونيين الخاصة.

(2) مملكة Tashir Joraget.

(3) مملكة Parisos.

(4) مملكة قارس.

(5) مملكة سيونيك.

(6) مملكة باسفرجان.

(7) ولاية تارون.

(8) ولاية أنجيواجيك.

(9) ولاية موك.

(10) ولاية خاسين ومناطق الإمارات العربية المختلفة.

كانت التركيبة الإجتماعية الداخلية وبعض العوامل الخاصة المحرّض على تجزئة أرمينيا لأن العلاقات الاقطاعية في هذه الفترة نالت شكلاً جديداً وكان من عواقبها تعزيز أمراء المناطق لميولهم الإنفصالية الإستقلالية. وكانت الإقطاعية الكبيرة تضم مناطق عديدة وهذه الظاهرة كانت من السمات الرئيسية لذلك العصر. أدّت الأحداث التي جرت في حياة أرمينيا الداخلية بين القرنين 8– 10م إلى تغييرات جذرية في بنية عائلات أمراء أرمنية قديمة كالماميكونيانيين والكنونيين والكامساراكانيين والرشدونيين وسواها التي تنازلت عن مكانتها للأمراء الجدد. وكان البقراتونيون والأردزرونيون والسيونيون بشكل خاص أقواهم. لم تتشكل المقاطعات الإقطاعية في هذه الفترة في المناطق الأصلية لأرمينيا فحسب، بل في المناطق المكتسبة أيضاً وعلى أراضٍ أخرى قدمت كإقطاعات. لم يكن هذا النظام الإقطاعي يتميز بالإستقرار والثبات لأن البقراتونيين مثلاً توسعوا على حساب الماميكونيانيين والكامساراكانيين المنهارين في القرن 10م بينما استولى الأردزرونيون والقيسيون، كما سنرى، على أراضي قبيلة Uthmanids العربية. احتل الإقطاعيون أراضٍ جديدة بالقوة أو اشتروها في بعض الأحيان (الأراضي المكتسبة) كما جرى مع منطقة شيراك عندما اشتراها البقراتونيون من الكامساراكانيين. قدّم الحكام أراضٍ جديدة كمنح في بعض الأحيان فأدت إلى نزاعات وشقاقات داخلية. هكذا مثلاً: تحول منح مقاطعة نخجوان لباسفرجان وأمير سيونيك إلى ذريعة لقيام عصيان مسلح أدى إلى تحطيم أساسات مملكة البقراتونيين لاحقاً. مثال آخر: أدى سلخ مقاطعة Ernjak من الأرمن السيونيين ومنحها لأمير كوغتن من قبل يوسف الساجي إلى اندلاع النزاع بين حاكمي سيونيك وكوغتن.

من الصعب أن تساهم هذه الطريقة في حيازة الأرض في وحدة الأراضي الأرمنية لأنه كلما تعمقت العلاقات الإقطاعية زادت المحاولات الإنفصالية ـ الاستقلالية شدة في المقاطعات وبالتالي يمكن لملك قوي كآشوت الأول فقط الحفاظ على وحدة المملكة. أفلح سمبات الأول بدوره في كبح جماح الثوار فترة معينة لكنه ظل عاجزاً تماماً عندما صعّد التدخل الخارجي (ساجيي آذربيجان) الصعوبات أمامه.

إلى جانب هذه الحركات الإنفصالية كان هناك عامل آخر زاد من صعوبات الملوك البقراتونيين وهو وجود الإمارات العربية. كانت أوضاع هذه الإمارات ونشاطاتها تنعكس بشكل أساسي على الحياة الداخلية والخارجية للبلاد. وبما أن الأمراء الأرمن كانوا يناضلون من أجل الحصول على استقلالهم الذاتي كان صراع الأمراء العرب ايضاً جزءاً من هذه الحركات الانفصالية. وكعنصر غريب عن البلاد حافظ العرب على عاداتهم في المحيط الأرمني وعلاقاتهم العرقية والدينية مع سوريا وآذربيجان ومنطقة شمالي ما بين النهرين وكانت مناطقهم قواعد حاسمة لحكام البلاد . تمّ تقسيم الإمارات العربية فاقتطعت إمارة دبيل وسيونيك وأرتساخ (قره باغ-المترجم) من شيراك وأرشارونيك. أما الأمراء القيسيون فإنهم عزلوا تارون عن المملكة الأرمنية كاملة وفصلوا باسفرجان عن شيراك وأرشارونيك. ويمكن تقسيم الإمارات العربية في أرمينيا إلى مجموعتين:

(1) إمارة وادي نهر آراكس أي دبيل Koghten.

(2) الإمارات الجنوبية ـ الغربية التي يقطنها القيسيون وUthmanids في قاليقلا وسواها.

جرت تغييرات كبيرة في هيكلية الإمارات العربية في هذه الفترة. وكان أفراد قبيلة Uthmanids في منطقة بيركري أولى الجماعات التي تمّ تصفيتها لأن القيسيين كانوا يقضمون أراضي هؤلاء باستمرار. لكن التغيير الأكبر في أغجنيك كان إنهاء وجود عائلة الزراريين في أرزن من قبل الشيبانيين في نهاية القرن 9 م مع إبقاء أراضٍ صغيرة فقط على الضفة الجنوبية ـ الغربية من بحيرة Van. هاجم كاكيك أردزروني مدينة كوتوم في أغجنيك التابعة للزراريون لتعزيز وضعه:

“هناك قلعة قرب بوابة سوريا تخص أمراء أغجنيك الزراريين. وبعد قتلهم حتى آخر رجل وهدم القلعة حتى أساساتها نقل كاكيك حجارتها إلى جزيرة أختامار على بحيرة Van حيث ابتنى كنيسة الصليب المقدس” كما أكد المؤرخ الأرمني.

اختفى الشيبانيون بدورهم عن مسرح الحياة العامة في الربع الأول من القرن 10م بعد أن فقدوا ممتلكاتهم إثر معارك جرت بين سمبات الأول وأحمد الشيباني. ومن المؤسف أن المؤرخين الأرمن والمسلمين بشكل خاص لا يذكرون شيئاً حول انهيار هذه العائلة وزوالها. يؤكد ابن الأثير فقط على أنه في عام 302 هـ=914–915م قام أحد قواد الخليفة بمجزرة كبيرة ضد الشيبانيين لأنهم سطوا على قوافل تجارية وسلبوها. وهكذا بقيت 4 إمارات في أرمينيا في القرن 10م: دبيل وكوغتن ومنازكرت وكارين (قاليقلا).

*ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر كتاب “الإمارات العربية في أرمينيا البقرادونية” للمؤلف المستشرق الدكتور البروفيسور آرام تير-غيفونديان، (الطبعة الثانية المنقحة)، ترجمه عن الإنكليزية: الدكتور ألكسندر كشيشيان، عضو اتحاد الكتاب العرب، رئيس تحرير “كتاب العاديات السنوي للآثار”، صدر الكتاب عن مؤسسة المهندس فاروجان سلاطيان، حلب 2013، وسيتم نشر فصول الكتاب تباعاً (12).

 

Share This