ثلاث نساء أرمنيات يلقين بأنفسهن في نهر الفرات

armenian-genocide - Copy

حدثني أحد عرب العقيدات قال: كنت سائراً على شط الفرات بقرب دير الزور اذ رأيت بعض السفهاء من الرعاة يسلبون امرأتين ثيابهما حتى أنهم أخذوا لباس هاتين الامرأتين التعيستين، فلم يردوا عليّ و كان أهلي بعيدين عني ولم أقدر أن أعطيهم ثياباً فنادتا هؤلاء الرعاة بقولهما (خيوه الله) وكانتا تشيران بيديهما نحو السماء تريدان أن تقولا لهؤلاء الرعاة أما تستحون أو تخافون من الله ولما لم يصغ هؤلاء إليهما رمتا بنفسيهما في الفرات مرجحتان الموت على حياة الذل والهوان. وحدثني عن امرأة أخرى لها طفل يرضع على يديها كانت تسأل في الدير وتطلب من الناس ما يسد رمقها فلم يمد لها أحد يد المعونة، خوفاً من الحكومة وباتت ليلتين على ما قيل لا تأكل شيئاً وثالث يوم لما لم تجد أحداً يجود لها بشيء رمت طفلها في سوق الدير وذهبت وألقت بنفسها في ماء الفرات وماتت غريقة مفضلة الموت على حياة الهون والشقاء وهكذا أظهرن أخلاقاً وشرفاً وشجاعة لا توجد في كثير من الرجال.

الخادمات في ديار بكر

انك لا تدخل دار في ديار بكر إلا وتجد من الخادمة إلى الخمس خادمات من بنات الأرمن في تلك الدار وكنت ترى أحقر الباعة أصبح عنده خادمة أرمنية. وربما كانت تلك الأرمنية في حياة والدها وأمها لا ترضى ان تكلم ذلك البائع كلاماً، دع عنك لخدمته ولجنّ ما رأته من الأهوال جعلتها تخدمه قسراً وحفظاً لحياتها. وقد قيل أن مقدار النساء والبنات الخادمات في ديار بكر يربو على الخمسة آلاف وأكثرهن من بنات الأرمن في أرضروم وخربوط والولايات الأخرى.

حديث شاهين بك والشابة الأرمنية

وقد حدثني المدعو شاهين بك أحد أهالي ولاية ديار بكر وكان مسجوناً معنا، قال انه كان سلم إليه نساء ورجال من الأرمن ليقتلهم لأنه كان جنديا. واضاف، وبينما نحن سائرين رأيت شابة أرمنية كنت أعرفها وكانت بارعة في الجمال. فقلت لها يا فلانة تعالي أخلصك وتتزوجين بأحد الشبان من أهل بلادك الأكراد أو الأتراك. فلم تقبل وقالت له اذا كنت تعزني وتريد رضاي فإنني سأطلب منك حاجة تقضيها لي. فقلت لها أنني حاضر لقضاء اي حاجة تطلبينها. فقالت أن لي أخاً بين هؤلاء الرجال وهو أصغر مني سناً فإنني أرجوك أن تقتله قبلي حتى لا أموت وأنا مشغولة الفكر من جهته وأرتني أياه فناديته فجاء لعندي وقالت له، أيها الأخ إنني أودعتك الله فتقدم إلي آخذ منك آخر قبلة وإننا سنلتقي إن شاء الله في الآخرة وسيأخذ الحق انتقامنا في القريب العاجل ممن ظلمنا، وقبلته في خديه وقبلها أخوها وسلم نفسه لي فلم يسعني إلا طاعة لأمرها فضربته ضربة واحدة بفأس كان بيدي طيرت مخه ووقع جسداً بلا روح، فقالت لي إنني أشكرك من صميم فؤادي أرجوك إتمام معروفك ووضعت يديها على عينيها السوداوين وقالت اضربني ضربة مثل التي ضربتها لأخي ولا تعذبني فضربتها ضربة أودت بحياتها بأسرع ما يمكن وأنني إلى الآن آسف على جمالها وشبابها واعجب من شجاعتها وجسارتها.

إكساء الأرمن عمائم وطرحهم في الطريق وأخذ صورهم وإرسالها لاسطنبول

فكّرت الحكومة التركية أن حكومات أوروبا ستأخذ خبر هلاك الأرمن وتنشره في جميع أنحاء البلاد بقصد استمالة الأفكار ضد الأتراك. فبعد أن قتل دركيها مقدارا من رجال الأرمن أكسوهم عمائم وجاءوا بنساء كرديات جعلن ينتحبن عليهم ويكثرن من البكاء والعويل ويقلن أن الأرمن قتلوا رجالهن وقد جاءوا بمصور أخذ صور النساء النائحات ليقنعوا أوروبا في المستقبل أن الأرمن هم الذين اعتدوا على الأكراد وقتلوا رجالهم. وقام جميع عشائر الأكراد على الأرمن وقتلوهم انتقاماً ولم يكن للحكومة التركية دخل في قتل الأرمن. ولكن لم يخف سر هذه الأعمال على ذوي البصائر والعقول فإنهم عقب إكساء الأرمن عمائم وأخذ صورهم فهموا حقيقة الأمر واذاعوها في ديار بكر.

حديث الوالي والمفتي

عندما شرعت الحكومة في اتلاف الأرمن راجع بعض نساء الأرمن مفتي ديار بكر وقاضي الشرع فيها وأظهرن ميلهن للدخول في الدين الإسلامي فقبل اسلامهن وتزوجن برجال من أهل ديار بكر الأتراك أو الأكراد.

وبعد مدة بدأت الحكومة بجمع هذه النساء فذهب المفتي والقاضي لعند الوالي وقالوا له ان النساء التي تجمعها الحكومة قد أصبحن مسلمات ولسن أرمنيات وقتل المسلمات لا يجوز شرعاً. فأجابهما الوالي أن هؤلاء النسوة أفاعي يلدغنا في المستقبل. والسياسة ليس لها دين فلا تعارضا الحكومة بهذا الخصوص فالحكومة تعرف شغلها. فرجع المفتي والقاضي من حيث أتيا. وارسلت تلك النسوة إلى القتل. وبعد عزل الوالي من ديار بكر من أجل سوء الاستعمالات التي قيل أنها أجريت أثناء بيع الأشياء المتروكة في دور الأرمن ومخازنهم جاء أمر بأن يقبل على اعتناق الدين الإسلامي بعض رجال ونساء من الأرمن. الذين تركوا ذلك خوفاً على حياتهم ولكنهم سيقوا بعد مدة كغيرهم ولم يخلصهم الإسلام.

*مقطتف من كتاب “المذابح في أرمينيا” للمؤلف فائز الغصين، (حلب، 1991). (14)

ورد في كتاب “شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية (مجموعة وثائق) بمناسبة ذكرى مرور مئة سنة على الإبادة الأرمنية (1915-2015)”، إعداد وإشراف ودراسة: البروفيسور الدكتور آرشاك بولاديان، دمشق-2014، حيث ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر مقتطفات منه.

 

Share This