القيسيون…وإمارات أرمينيا البقرادونية

Bagratuni_Armenia

احتلت إمارة القيسيين مكانة معينة بين إمارات أرمينيا البقرادونية. وكان نظام حكم القيسيين إقطاعياً ـ وراثياًً على النقيض من نظام الحكم في دبيل وكارين (قاليقلا).

عند وفاة الملك سمبات الأول كانت إمارة القيسيين مُلْك 3 أشقاء تقاسموا إرث والدهم. وكانت أملاك الأخ البكر المدعو أبو سوادة تتألف من منازكرت و jor وKoroy Jor وHark . وتقع أملاك الثاني أبو الأسْود في أرجيش وخلاط وأرجكة (دارة الجوزة). أما الأخ الثالث أبو سليم فقد حصل على قلعة Tzermatzou. شكلت هذه المناطق 3 إمارات صغيرة تمتد كسلسلة غير متقطّعة تبدأ من أغجنيك وتنتهي في مدينة قاليقلا. ورغم استقلال الأشقاء الثلاثة عن مملكة البقراتونيين إلا أنهم كانوا مكرهين على مجابهة التهديد البيزنطي الذي يحتاج إلى تجهيز جيش كبير لصده.

أُكره آشوت الثاني على طلب العون من بيزنطة بشروط معينة أمام تهديد ساجيي آذربيجان. وكان الكاثوليكوس هوفهانّيس، الذي توسّط بين الملك الأرمني والبلاط البيزنطي، يؤكد دائماً في رسائله الموجهة إلى الإمبراطور البيزنطي على أن أرمينيا ستضع نفسها تحت حماية الإمبراطورية البيزنطية إنْ هي قامت بمساعدة المملكة الأرمنية ضد هجمات المسلمين.

رغم عدم معرفتنا بالشروط البيزنطية لقاء العون العسكري لكننا تأكدنا من أعمال المؤرخ البيزنطي قسطنطين أن الإمبراطورية اعتبرت الملك الأرمني آشوت الثاني أحد الأمراء التابعين لها لقاء دعم عسكري بسيط. ويرفض هذا المؤرخ استخدام حتى كلمة ملك لشاهنشاه أرمينيا مشيراً إليه على نحو ملتبس بـ “أمير الأمراء” لأنه كان يعتبر الإمبراطور البيزنطي الممثل الوحيد لجميع المسيحيين. وانطلاقاً من هذه الأحداث أيضاً اعتبرت بيزنطة الإمارة القيسية تابعة لها كما كانت الحال مع مدينة قاليقلا وسواها من المدن. ويقدم المؤرخ البيزنطي المعادلة التالية لعلاقات الإمبراطورية البيزنطية مع أرمينيا قائلاً: “بما أن أمير الأمراء آشوت الثاني هو خادم إمبراطور الرومان الذي عينه شخصياً ونال منه هذا المنصب، لذلك من الجلي أن المدن والبلدات والمقاطعات التي يحكمها الأمير هي ملك الإمبراطور أيضاً”.

فقطع آشوت الثاني علاقاته مع الإمبراطورية أمام هذه المعاملة غير الطبيعية من قبل الإمبراطور البيزنطي واستدعى جيشه المساند من بيزنطة. ومع ذلك ظلت بعض مقاطعات أرمينيا الغربية تحت النفوذ البيزنطي فترة طويلة من الزمن. يؤكد هذا المؤرخ البيزنطي أيضاً أن الجزية، التي دُفعت لسمبات الأول من قبل الأشقاء القيسيين الثلاثة، حوِّلَت إلى بيزنطة بعد وفاة الملك الأرمني. وكان هذا الخضوع محصوراً في الحقيقة في حدود ضيقة لأن وضعية بعض المقاطعات الأرمنية الغربية، مثل قاليقلا وباسين وماناغي وهارْك وأباهونيك وأغيوفيت وأربيروني وتارون وغيرها، بقيت غامضة بعد وفاة سمبات الأول لذلك احتلتها بيزنطة. إلا أن العالم الإسلامي لم يرتاح لانسلاخها لأنها كانت تشكل منطقة عسكرية كبيرة محصنة ضد هجمات بيزنطة.

استطاع القيسيون الحصول على حكم ذاتي معقول وعدم الخضوع بشكل مباشر لأحد في هذه  الظروف المواتية وخاصة لم تكن هناك في الحقيقة حدود معينة بين أملاك الأشقاء الثلاثة لأنهم كانوا يظهرون ككتلة واحدة في معظم الأحيان. خلا ذلك كانت الأحوال مناسبة لاكتساب مزيد من الأراضي الجديدة . وكما رأينا سابقاً مال زعماء قبيلة Uthmanids في بيركري إلى الملك الأرمني أثناء أحداث عام 902م ضد القيسيين الثائرين الذين استولوا على قلعة Erikaw منهم.

بعد دحر القيسيين ردّ سمبات الأول مُلكية هذه القلعة للعرب Uthmanids الذين رغم ذلك بقوا تحت التهديد القيسي الدائم. وبعد وفاة الملك أصبح أبو الأسود، صاحب أرجيش، حاكماً على بيركري أيضاً. زال ذكر هذه القبيلة العربية من المصادر التاريخية بشكل كامل بعد عام 902م فاستولى كاكيك أردزروني على قلعتهم Amiwk وجميع أملاكهم الأخرى.

ولأنهم عرب من قبيلة سُليم على الأرجح إنصهرت قبيلة Uthmanids مع القيسيين كما كانت الحال أيضاً مع الجحافيين. وكان زوال الشيبانيين فرصة مناسبة أمام القيسيين لضم مدينة باغيش فقد كانوا يحكمون مناطق توروبيران وأباهونيك وكوري وهارك وVarazhnunik وأغيوفيت وخورخورونيك وبجنونيك في هذه الفترة التاريخية. إلا أن ممتلكاتهم لم تصل إلى الغرب لأن سلطة بقراتونيي تارون امتدت حتى أوغنوت.

قطن الأمراء القيسيون والأرمن بشكل عام في مدن تمتاز بأهميتها التجارية. ليست لدينا معلومات حتى حول أمير عربي واحد استوطن في أية قلعة أرمنية جبلية مدة طويلة من الزمن كما كانت الحال مع الأمراء الأرمن المحليين. وكانت ممتلكات الأمراء القيسيين في أرمينيا مدينية لذلك لم تدخل المناطق والقرى البعيدة عن مدنهم ضمن دائرة اهتماماتهم، بل كانت تُحكَم من قبل بيوتات الأمراء الأرمن المختلفة والإقطاعيين الصغار. وكان القيسيون يشكلون الطبقة العليا للسكان في جميع ممتلكاتهم وخاصة في المدن ولم يكن وضعهم محصناً في المناطق الريفية لأن جميع سكان هذه المناطق وأمرائها وحتى الصغار منهم كانوا من الأرمن. والعون العسكري الوحيد للقيسيين لمحاربة الإمبراطورية البيزنطية كان يأتي من الوحدات العسكرية المتمركزة في المدن التي تتألف بشكل رئيسي من الجنود العرب والقوات المسلمة. وكان عهد رومانوس ليكابينوس 919-944 م نائب قسطنطين Porphyrogenitus حقبة حروب طويلة ضد الخلافة العربية.

بسبب معارك القائد البيزنطي يوهانّيس كوركواس (هوفهانّيس كوركين الأرمني الأصل- المترجم) ضعف موقع العرب في آسيا الصغرى ونجا القيسيون فقط بعد تقديمهم الجزية لبيزنطة  . حجَّمت بيزنطة أيضاً سلطة بقراتونيي تارون إلى درجة تحويلهم إلى تابعين لها. ومع ذلك لم يدفع البقراتونيون الجزية إلا بعد هجوم كوركواس على المناطق الأرمنية المعزولة عن مملكتهم . استمر هذا القائد البيزنطي في غاراته حتى وصل إلى دبيل عام 922م.

جرت حملة عسكرية مماثلة ضد باسين من قبل شقيق هذا القائد المدعو ثيوفيلوس Theophilus الذي كان حاكم خالديا. ومن أكبر انتصارات كوركواس احتلال مدينة Melitene وإكراه أميرها العربي أبو حفص على مرافقة الجيش البيزنطي لمحاربة الخلافة وخاصة أن احتلال هذه المدينة أبقى الباب مشرّعاً باتجاه أغجنيك وسوريا ومنطقة ما بين النهرين.

بعد حملته غير الموفّقة على دبيل هاجم كوركواس على القيسيين واستولى على مدينة خلاط بدون إراقة الدماء ورفع المنبر من المسجد ووضع صليباً بدلاً منه.

وعندما تكررت هذه الظاهرة في باغيش أيضاً لجأ عرب أرزن والمدن الأخرى إلى الخليفة لكنهم لم يحصلوا على نجدته. احتلت القوات البيزنطية مدينة نبركرت Neperkerd وأميدا وأرزن في عام 317 هـ= 929-930م بعد Melitene.

بعد تأزّم الأوضاع إلى هذا الحد وصل حاكم آذربيجان المدعو مفلح لمساعدة المسلمين وهزم القائد البيزنطي وطارده إلى داخل أراضي الإمبراطورية كما أكد على ذلك ابن الأثير.

شعر ملك باسفرجان كاكيك بن الديراني بالخطر فقام بتحريض بيزنطة ضد المسلمين بمساعدة الأمراء الأرمن في المقاطعات الحدودية الأرمنية مما أدى إلى دخول البيزنطيين إلى منطقة القيسيين بأعداد كبيرة عام 319هـ=931م وتحويل مدينتي بيركري وخلاط إلى أنقاض بعد قتل أعداد كبيرة من السكان وأسر العديدين منهم.

كان هدف كاكيك أردزروني على ما يبدو إدخال المناطق الواقعة حول بحيرة Van وتحديداً أربيراني وأغيوفيت وبدجنونيك وغيرها تحت هيمنته بعد إضعاف القيسيين بمساعدة البيزنطيين العسكرية وخاصة أن أربيراني كانت تدخل عادة في مقاطعة باسفرجان. فوجّه مفلح، حاكم آذربيجان، جيشاً على وجه السرعة لمحاربة كاكيك أردزروني الذي كان قد سبّب خراباً عظيماً في باسفرجان.

*ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر كتاب “الإمارات العربية في أرمينيا البقرادونية” للمؤلف المستشرق الدكتور البروفيسور آرام تير-غيفونديان، (الطبعة الثانية المنقحة)، ترجمه عن الإنكليزية: الدكتور ألكسندر كشيشيان، عضو اتحاد الكتاب العرب، رئيس تحرير “كتاب العاديات السنوي للآثار”، صدر الكتاب عن مؤسسة المهندس فاروجان سلاطيان، حلب 2013، وسيتم نشر فصول الكتاب تباعاً (14).

 

Share This