ساكو جرابلس وكرنفال السفر

جرابلس1
كتب يوسف الجادر أنه حتى أواخر الثمانينيات لم يغير ساكو الأرمني زمور سيارته حين اشتراها في خمسينيات القرن الماضي لتكون السيارة اليتيمة التي تنقل المسافرين مساءً من جرابلس إلى حلب.

تدور السيارة في شوارع جرابلس لتجمع المسافرين، وزمور السيارة القديمة يُسقط قلوب العاشقات تحت أقدامهن حين يعلن ساكو أخذ أحبابهن إلى العسكرية وتغني العاشقات:

(وي لي لي وي لي لي وي لي / طبم حلب باليلي /وي ليلي
ورق ماعندي تاكتب وي لي لي وي لي لي
بيدي لدق التيلي وي لي لي وي لي لي ).
زمور ساكو وضجيج سيارته يحول الحارة إلى كرنفال للرحيل، فتساهم نساء الجيران في رش المياه على سيارة ساكو اعتقاداً منهن كي يصبح الطريق أخضراً كأحلامهم أمام الأحباب المسافرين.
ساكو الأرمني من أوائل القاطنين في جرابلس بعد مذبحة الأرمن، وعاش طفولته بين ركامات ذاكرة أجداده وأبويه، يتحدث طوال الطريق عن مخاطر السفر، ويحبسنا نحن الصغار في مقعده الخلفي فتضيع قدمينا وأيدينا ونتداخل كأننا نفس واحد، لكن حلمنا بأن ندخل حلب ينسينا وجع الخدر في قدمينا.
اختار ساكو ان يكون في شبابه السائق الوحيد الذي يغادر متأخراً جرابلس باتجاه حلب، ويكدس المسافرين مهما كان عددهم في سيارته (الطوزتو).
يعرف البيوت واحداً واحداً، ويعد أسماء الأطفال أيضاً بلغته العربية المكسرة، علاوة على أنه يؤنث المذكر ويذكر المؤنث كان يجيد اللغة التركية وقليلاً من الفرنسية، وفي زحمة البازار أي حين تفتح الحدود مصراعيها احتفالاً بالأعياد كان الدليل السياحي للأترك وشعوب الشرق القادمة للحجيج.
ويعمل أيضاً ساعي للبريد ينقل الرسائل للأهل، وأميناً في مهنته يكتم أسرار العشاق.
وحين أصبحنا شباباً بقيت سيارة ساكو الجميلة والأنيقة التي لم يعد يرغب الكثير منا السفر بها إلى حلب، لإحساسنا أن الطريق أصبح قصيراً، ولم يعد طويلاً وطويلاً جداً حين كنا نركب معه.
في تلك الأيام كان للسفر كرنفالاته !!!!!
(الصور لساحة العين قبل الترميم وسط جرابلس ، وصور القرى على طريق السفر) بكاميرة يوسف الجادر.

جرابلس2

Share This