البازار التركي وحفيد العثمانيين

LOGONEW-2

لنسلط الضوء على ما كتبته الصحافة العربية عن الموقف التركي الأخير وزيارة أردوغان الى موسكو، فقد كتب سلطان فيصل الرميثي في “الإمارات اليوم” مقالاً بعنوان “حفيد العثمانيين” في إشارة الى وصف الرئيس التركي رجب أردوغان نفسه بأنه حفيد العثمانيين، وكيف وعد بطريقة غير مباشرة بأن يعيد أمجاد هذه الدولة التي زالت من على الخريطة، ليقتصر وجودها في كتب التاريخ وما تركته من مبانٍ وآثار، وبعيداً عن السياسة ومتاهاتها يحق لنا التساؤل عن المرتكز الذي بنى عليه أردوغان هذا الوصف المتناقض كلياً عن الواقع الذي تعيشه الجمهورية التركية ببعديها القومي والعلماني اللذين أسس لهما الزعيم الراحل كمال أتاتورك.

ويوضح الكاتب أنه لعل الفضل في استحضار تاريخ العثمانيين يعود لمسلسلات الدراما التركية التاريخية التي بثتها قنواتنا التلفزيونية، ونجاحها في استقطاب جمهور عريض من المشاهدين، وتفوقها في إقناع العامة بمجد إسلامي مصطنع، وتصوير الدولة العثمانية بأنها حامي حمى الإسلام والمدافع عن حقوق المسلمين.

فالمشاهد العربي يتابع الحلقات الواحدة تلو الأخرى، ويعقد المقارنات بين العزة والعظمة اللتين عاشهما المسلمون آنذاك وبين ما يعيشه العرب الآن، ويتمنى في قرارة قلبه أن يعود العثمانيون ليحكموه، ولا يلوم الكاتب المشاهد هنا، فعمل مثل «حريم السلطان» يتميز بإخراج رائع ومناظر طبيعية خلابة، ويجري تصويره في قصور فارهة وحدائق جميلة، وبأزياء وموسيقى جذابة وجوارٍ فاتنات، كما تستعرض الدراما التركية الى جانب القصص التاريخية العلاقات الأسرية ضمن أحداث مثيرة تشد انتباه المتلقي وتثير غرائزه ليحب شخصية السلطان ويكره من يعاديه، ولقوة إقبال المشاهدين عليها تمكنت بسهولة من استقطاب كبار المعلنين، ولأن المشاهد العربي ينتمي لمجتمع أغلبه لا يقرأ التاريخ سيجد المادة المرئية أسهل من القراءة وأمتع.

ويؤكد الكاتب قائلاً: “لا أتوقع أن تتناول المسلسلات التركية يوماً ما موضوعات تاريخية حول جريمة الإبادة الجماعية لمليون ونصف من الأرمن، ولا المجزرة التي قتلت فيها الدولة العثمانية 40 ألفاً في الشام، ولا غزو مصر وقتل 10 آلاف مصري بالسيف، ثم تجويع المصريين وفرض الإتاوات عليهم، ولن تتطرق يوماً ما لحصار المدينة المنورة وترحيل أهلها منها، وغيرها وغيرها من القصص التي لن يقبلها المشاهد العربي. الرسالة التي يجب أن تصل إلى الفضائيات العربية هو أنكم بصورة أو بأخرى تسهمون في بث إعلانات دعائية لمنتج أقل ما يقال عنه إنه مسموم”.

ومن جهة أخرى كتب وضاح عبد ربه في جريدة “الوطن” السورية مقالاً بعنوان “البازار التركي” أشار فيه الى أنه لم يكن مطلوباً يوماً من نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يغير من موقفه تجاه مصير الرئيس بشار الأسد، فهذا أمر بيد السوريين حصراً، وليس بيد أي نظام آخر أردوغانياً كان أو غيره من مشيخات وممالك و«ديمقراطيات» تريد، بذرائع واهية، الهيمنة على دول وتقرر مصير شعوبها.

وأنه كل ما كان مأمولاً من النظام التركي، هو أن يغير موقفه من الإرهاب، وأن ينتقل من داعم وممول له إلى شريك في اجتثاثه، أو على الأقل، أن يطبق القرارات الدولية ويغلق الحدود ويمنع التمويل والعبور لمئات الآلاف من المرتزقة.
نظام أردوغان أعلن أمس موقفه غير المتغير، وقد يكون ذلك مجرد إعلان لحفظ ماء الوجه أمام السيد الأميركي والشركاء في تدمير سورية من قطريين وسعوديين وغربيين، وقد يكون كلام الرئاسة التركية التي أعلنت أمس أن لا تغيير في الموقف تجاه دمشق ومصير الرئيس الأسد، رسالة أيضاً، وخصوصاً أنها أتت على لسان الناطق باسم الرئاسة وليس أردوغان نفسه الذي اعتاد على استغلال المنابر لبث سمومه من دون خجل، والرسالة مفادها أن النظام التركي ورغم الزيارة إلى روسيا والعلاقات والكلمات الودية والوفود التجارية والعسكرية، ليس بوارد التخلي عن المال الخليجي والتعاون العسكري مع الأطلسي ومستمر في الموقف ذاته دون تغيير في المضمون، داعياً حلفاءه، أو مستغرباً، عدم زيارة أي رئيس دولة إلى بلاده بعد محاولة الانقلاب الفاشلة.

وربما يطمح أردوغان بمقايضة موقفه من الإرهاب بمزيد من المال السياسي والرضا الأميركي والتعاون مع إسرائيل، فالمعروف أن نظام أردوغان الإخواني يمارس التجارة في السياسة مثله مثل كل جماعة الإخوان المسلمين الذين منهم من باع بلاده إلى مشيخة قطر، ومنهم من باع قضيته بقصر وسيارات وحفنة من الدولارات الشهرية، في حين يقبع رئيسهم الروحي في أحضان الأمراء ليفتي لهم بشرعية دعم الإرهاب مقابل الامتيازات والمال.
لا شك أن النظام الإخواني في تركيا يجد اليوم فرصة جديدة لممارسة الدعارة السياسية، فمن جهة هو مستمر في سرقة وقتل السوريين وتدمير البنى التحتية ودعم الفصائل والجيوش الإرهابية التي أسسها ومولها، ومن جهة ثانية يتوجه إلى موسكو التي تشكل رأس الحرب على الإرهاب بالشراكة مع الجيش السوري وإيران والمقاومة اللبنانية، برفقة وفد تجاري وعسكري للبحث في التعاون، دون ذكر التعاون في مكافحة الإرهاب.

وقال إن أردوغان ليس على عجلة من أمره لتغيير موقفه تجاه الحرب على سورية، فهو الآن وبعد زيارة موسكو خاصة، بات بانتظار العروض المالية والسياسية، وقد يستمر في ابتزاز الغرب طويلاً بملف اللاجئين، ويبتز روسيا بملف مكافحة الإرهاب، فهذه فرصة جديدة قد لا تتكرر تتيح له ولنظامه، الاستفادة قدر المستطاع من الدعارة السياسية التي باتت عنوانا للسياسة التركية الخارجية في السنوات الخمس الأخيرة، ولن نتطرق إلى سياسته الداخلية التي لا يمكن أن توصف بكلمات.

ولفت: “لننتظر قليلاً ثم نر إلى أين تتجه تركيا وإلى أين يتجه النظام الإخواني التركي، وخلال الأيام القليلة المقبلة قد تشهد أنقرة زيارات لعديد من الوفود التي ستبحث في «كلف» موقف أنقرة وتجلس على البازار، وربما كل ذلك جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتخذ قرار رفع العقوبات تدريجياً تجاه تركيا بانتظار قرار أردوغان النهائي: أن يبقى ويستمر في دعم الإرهاب، أو أن ينتقل إلى جبهة مكافحة الإرهاب ما يعني الانتقال إلى الشراكة مع روسيا”.

Untitled

Share This