قراءة في كـتاب..”شهادات غربية عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية”: إحياء الذكرى المئوية يفضح المجازر ويدفع باتجاه الاعتراف بها ووصول الحقوق إلى أصحابها

poladian book1

نشرت دائرة الدراسات في جريدة “تشرين” مقالاً بعنوان “شهادات غربية عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية”: إحياء الذكرى المئوية يفضح المجازر ويدفع باتجاه الاعتراف بها ووصول الحقوق إلى أصحابها” أكد فيها أن الإبادة الجماعية التي تعرض لها الشعب الأرميني على يد العثمانيين والتعمية التي غلّفت المجزرة والكثير من المجازر التي ارتكبها العثمانيون بحق الشعوب دفعتا البروفيسور الدكتور آرشاك بولاديان إلى إعداد كتابه «شهادات غربية عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية» ودراسة ومراجعة ما جرى من ممارسات بحق الشعب الأرميني على وجه التحديد مرتكزاً على شهادات غربية بهذا الشأن، فشكل الكتاب وثيقة مهمة جداً بعد جهد كبير استطاع من خلاله الأرمن ومنهم الكاتب انتزاعها من معاقل الغرب المتعامي عليها بعد إصرارهم الكبير على شرح قضيتهم والنضال من أجلها وصولاً إلى النتائج المهمة لمواصلة الدفاع عنها.

الكتاب يعرض وثائق وشهادات قدمتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وقرارها الشهير بالاعتراف والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإقرار منع جريمة إبادة الأجناس وقمعها، ورسالة قداسة البابا فرنسيس، ناهيك بالكلمات التي تشير وتشيد بنضال وكفاح الشعب الأرميني الذين حاولوا قتله وتحويله إلى ضحية تتلاطمها لغة المصالح والسياسات الدولية، ولايزال النضال الأرميني مستمراً من أجل الوصول إلى كامل حقوقه.

ويحكي الكتاب الذي وصف بـ«الوثيقة الكبرى»، قصة الشعب الأرميني الذي عانى من أجل الاستقلال الكثير من المآسي، وفي مقدمتها مأساة الإبادة الكبرى التي ارتكبها الطورانيون العثمانيون بحقه والتي يصفها الكاتب بالنادرة في تاريخ البشرية، ولم تتوقف مأساة الشعب الأرميني عند حد الإبادة، بل تعدتها إلى مستوى نكران السياسيين الأتراك الجدد لتلك المجازر والمذابح ورفضهم ومجابهتهم الاعتراف بما اقترفه أسلافهم، وسعيهم الحثيث لإزالة عار ما لحقهم من تلك المجازر البشعة بحق مليون ونصف المليون من أبناء الشعب الأرميني منذ مئة سنة خلت، وتحركهم الدائم لطمس الحقائق ومحوها من التاريخ، مستفيدين من انقسام المجتمع الدولي استناداً إلى معايير ومصالح سياسية بين جريمة الإبادة ضد الإنسانية، وبين أحداث مؤسفة أثناء الحرب العالمية الأولى وما أعقبها من فوضى عمّت الإمبراطورية العثمانية، وبين المذابح التي ارتكبت بحكم العمليات الحربية كردود فعل من بعض الجهات غير المنضبطة من دون رضى السلطة المركزية، وفق الكاتب.

ويقول الكاتب في مقدمة كتابه: المأساة الأرمينية، حسب التوصيف الدولي، مزدوجة بين خسارة الشعب وخسارة الوطن، لأنها كانت جريمة إبادة أمة بكاملها ومحو تراثها وحضارتها، وليست أحداثاً مؤسفة خارجة عن سيطرة الدولة العثمانية، كما تحاول اليوم الحكومات التركية ترويجه، ويتابع: «الإبادة الأرمنية بكل مقاييسها كانت نتيجة النزعة الطورانية التي كانت تسعى إلى إقامة إمبراطورية تركية من الأناضول إلى أقاصي آسيا شرقاً، ومن هذا المنطلق كانت أرمينيا عائقاً أمام هذا المشروع وقيام هذه الدولة، لذا كان مشروع محو أرمينيا من الخريطة وإزالة شعبها من الوجود».
ويوضح أن القضية الأرمينية ضحية المصالح والسياسات الدولية، ويعرج على موقع أرمينيا جغرافياً وتاريخياً، وأثر موقعها أدى بها إلى أن تكون ساحة للاهتمامات والمصالح وللصراعات والمواجهات العسكرية بين القوى الإقليمية والدولية التي حاولت السيطرة عليها منذ ما قبل التاريخ وحتى الآن.

ويستعرض الكتاب شهادات غربية عن الإبادة الأرمينية بدءاً من مذكرات هنري مورغنتاو السفير الأمريكي في تركيا بين 1913- 1916 التي تبين أن الهدف الرئيس لتحرك العثمانيين كان الإبادة وأن السفير الألماني آنذاك قال: «لن يفعل شيئاً لمصلحة الأرمن» كما عرض الكتاب صوراً توثق مآسي الأرمن والمجازر الجماعية المرتكبة بحقهم والممارسات التي يندى لها جبين الإنسانية بحق شعب أعزل لا يريد سوى العيش بأمن وسلام.
كما بين الكاتب مختارات من بعض الكتابات التاريخية حول إبادة الأرمن عام 1915 ومن بينها شهادات أكاديميين وباحثين غربيين وأورد مقتطفات منها للأكاديمي البريطاني والمؤرخ التاريخي الفيكونت جيمس برايس، وللصحفي الأمريكي هربرت آدامز جيبونز والمستكشف النرويجي فريديوف نانس وأرنولدج. توينبي أستاذ الدراسات اليونانية والبيزنطية في جامعة لندن- مدير دائرة الدراسات في وزارة الخارجية البريطانية، وكذلك الشهادات التي وثقت الصفحات الأكثر سواداً في التاريخ الحديث ومنها الإبادة الجماعية بحق الأرمن وما عانوه خلال الحرب العالمية الأولى.
وفي الملحقات يبرز الكتاب كلمات كل بعض الدول خلال مراسم إحياء الذكرى المئوية للإبادة الأرمينية، إذ يظهر كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورسالة قداسة البابا فرنسيس وكلمة الجمهورية العربية السورية التي ألقاها رئيس مجلس الشعب السابق محمد جهاد لحام، وكلمة الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، وبيان الهيئة الحكومية الأرمينية لتنسيق فعاليات الذكرى المئوية للإبادة أمام النصب التذكاري لشهداء الإبادة الأرمينية، ونصوص كل من اتفاقية منع إبادة الأجناس وقمعها، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 والقرار الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة بحق الإنسانية 26 تشرين الثاني 1968.
كما عرض الوثيقة التاريخية المهمة التي تثبت حماية العرب المسلمين لـ«النصارى» وخاصة الأرمن، الصادرة عن الشريف حسين بن علي 1917م يوصي فيها بالمحافظة على الأرمن وتسهيل مهمتهم في إقامتهم وهي مثبتة في نصها وقد أوردها الكتاب في «ص 120».

بعد مئة عام من صمت المجتمع الدولي على ما جرى للأرمن من كارثة إنسانية وحضارية وثقافية، لا يزال الشعب الأرميني مؤمناً بعدالة قضيته ويمتلك قوة الإرادة ويعمل على الدوام من أجل إظهار حقوقه والحفاظ عليها، ويحيي ذكرى المأساة المؤلمة لتكون منارة مهمة توثق وتشرح وتفضح المجازر المرتكبة بحقه وبذل الجهود من أجل انتزاع الاعتراف بها ووصول الحقوق إلى أصحابها.

Share This