تغلغل الأكراد إلى مناطق أرمينيا الجنوبية

Bagratuni_Armenia_1000-hy.svg

كانت إمارة القيسيين الإمارة العربية الأخيرة القوية نسبياً في أرمينيا الكبرى. بعد زوالها عام 964م حافظت إمارة كوغتن الصغيرة على وجودها وانتهى وجود العنصر العربي كاملة من أرمينيا الكبرى في النصف الثاني من القرن 10م. فسدّت العناصر الكردية، التي تغلغلت إلى الأراضي الأرمنية تحت ظروف تختلف عن ظروف ظهور العرب في أرمينيا، هذا الفراغ وبدأت تنتشر بشكل تدريجي وغير ملحوظ في مناطق أرمينيا العديدة وخاصة الجنوبية منها. وكان الميديون، الذين لهم قرابة عرقية مع الأكراد، قد استوطنوا منطقة وادي نهر آراكس قبل حكم الأرشاكونيين في أرمينيا لكنهم انصهروا مع الأرمن على مر العصور.

تقع منطقتي كورتوك وتموريك إلى الجنوب من أرمينيا تحوطهما الهضاب المجاورة وسُميتا كردستان لاحقاً. يلف تاريخ هذا الشعب ضباب كثيف حتى القرن 9 م عندما بدأت أولى تباشير نشاطاتهم بالظهور.

ظهرت إمارة كردية في الجزيرة وجَبَال (بين إيران والعراق) وآذربيجان وأغبانيا وحتى أرمينيا الكبرى أثناء صعود العناصر الإيرانية في القرن 10م . وكانت القبائل الكردية تقطن في الجزيرة وجَبَال بينما بدأت القبائل العربية، التي تنتمي إلى المجموعة الشمالية، بالاستيطان فيهما بعد الفتح العربي مباشرة. حارب هؤلاء المهاجرون الجدد الأكراد للهيمنة على مناطقهم لذلك لم يتمكن الأكراد من إنشاء حتى إمارة مركزية واحدة في أية مقاطعة من المقاطعات التي يسكنون فيها. إن الإمارة الكردية الوحيدة، التي أنشئت على أرض كردية نسبياً، كانت إمارة الحسنويهيين في منطقة جَبَال. ظهر ديسم بن إبراهيم الكردي في آذربيجان في وقت مبكّر من النصف الأول للقرن 10م وكان الروّاديون بدورهم قد أقاموا مملكة في هذه المنطقة في نهاية هذا القرن.

وصل الأكراد كمرتزقة إلى أرمينيا في القرن 10م. ساهم الإنشقاق والتمزق، الذي أصاب وحدة الأراضي الأرمنية بسبب وجود الإمارات العربية في أرمينيا، بشكل كبير في تغلغل القبائل الكردية. وبسبب فشل الإمارات العربية في الدفاع عن نفسها وعدم تمكن السكان الأرمن الأصليين من استرداد ممتلكاتهم انتقلت هذه المناطق إلى حوزة الأكراد الذين قبلوا الإسلام ديناً وتعرّبوا إلى درجة معينة. وحاول الأمراء الأرمن المحليون استعادة أراضيهم إلا أن الفشل كان من نصيبهم لعدم وجود سلطة مركزية في المملكة الأرمنية.

تُعد إمارات المروانيين والشداديين، الذين هم من أصل كردي وحكموا في الحقبة الأخيرة لمملكة البقراتونيين، إمارات عربية لأن لغتهم المكتوبة كانت العربية. شكل الأكراد والعرب والعناصر المسلمة الأخرى كتلة واحدة على مساحة أرمينيا ووقفوا في خندق واحد ضد السكان الأصليين الأرمن. لذلك فإن تعبير “تاجيك”، الذي استخدمه المؤرخون الأرمن للإشارة إلى العرب تمّ تعميمه مع الوقت وبدأ يعني المسلمين بشكل عام.

يُعتبر محمد بن الشداد، الذي حكم مدينة دبيل فترة قصيرة بين عامي 951-954م، أول متنفّذ كردي معروف لدينا. عمل الأكراد في معظم الأحيان جنوداً مرتزقة في جيوش الملوك والأمراء الأرمن كما كانت الحال مثلاً مع لاسخاري بن محمد الشدادي البِكر.

يؤكد المؤرخ مُنَجِّم باشي على وجود كتائب من المرتزقة في القوات المسلحة البقراتونية. وحسب أقواله كان في جيش الملك الأرمني آشوت الملقّب بـ “الرؤوف” مرتزقة ليزكيين عند هجومه على مدينة دبيل عام 953م . ويشير المؤرخ إلى وجود مرتزقة أكراد إلى جانب جبليي القفقاس أيضاً. عمل لاسخاري لدى أحد أمراء سيونيك كمرتزق بينما يؤكد المؤرخ الأرمني المعاصر هوفهانّيس دراسخاناكيردتسي أن مرتزقة ينتمون إلى شعوب أخرى أيضاً كانوا يحاربون في جيش أمير سيونيك الأرمني حتى بداية القرن 10م.

كانت كوردوك أول مقاطعة أرمنية نزح إليها الأكراد ومن هنا بالذات بدأ تغلغلهم باتجاه أغجنيك وخيزان وسعرت في القرن 10م ثم عبروا أرزن ووصلوا إلى نبركرت وتمركزوا في النهاية في حوض بحيرة فان مروراً بباغيش.

*ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر كتاب “الإمارات العربية في أرمينيا البقرادونية” للمؤلف المستشرق الدكتور البروفيسور آرام تير-غيفونديان، (الطبعة الثانية المنقحة)، ترجمه عن الإنكليزية: الدكتور ألكسندر كشيشيان، عضو اتحاد الكتاب العرب، رئيس تحرير “كتاب العاديات السنوي للآثار”، صدر الكتاب عن مؤسسة المهندس فاروجان سلاطيان، حلب 2013، وسيتم نشر فصول الكتاب تباعاً (21).

 

Share This