ذاكرة من أيام أرمينيا … بقلم د. أحمد مجر (1)

ahmad-majar

معرفتي بالحياة في أرمينيا فهي تتعلق بالمرحلة الممتدة من 1998 إلى نهاية 2002، أي بعد 12 سنة من استقلال الدولة الأرمنية بعيد انحلال الاتحاد السوفيتي، فحتى تلك الفترة كانت ما تزال رواسب الأزمة التي خلفها انحلال الاتحاد السوفيتي تلقي بظلالها على حياة الناس، دعني أقول أنه خلال تلك الفترة عانى الشعب الأرمني من الفقر نتيجة تدهور الاحوال الاقتصادية وخاصة أن أرمينيا مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينات عانت أزمتين كبيرتين تمثلتا في الحرب من أجل ناغورني كرباخ وزلزال سبيتك المدمر، إلا أن هذه الحالة لم تنعكس على طبيعة هذا الشعب الكريم المضياف والجميل، ما ميز حياتنا هناك الاحتضان والرعاية من الأصدقاء الأرمن بشكل كبير، فالمساعدة كانت تأتي على مختلف الاصعدة وبكل الظروف. أرمينيا بلد جبلي فقير بالموارد الباطنية كالنفط والغاز وغيرها ، إلا أن الطبيعة الخلابة أعطته مكانة سياحية مرموقة جداً.

بالنسبة للناس في أرمينيا فكما اسلفت من أجمل الشعوب التي يمكن العيش بينها والتمتع بإنسانية عالية تستشعرها في كل تصرف يقومون به، فمنذ اللحظة الأولى التي وصلت بها إلى مطار يريفان 4/12/1997 الساعة 12 ليلاً كان الاستقبال من المواطنين في أرض المطار أكثر من رائع ولو أنه الفكرة التي ترسخت في فكري خلال إقامتي في أوكراينا كانت مختلفة إلا أنها سرعان ما تغيرتوأصبحت على العكس تماماً، فخلال بقائي حتى الصباح في المطار والمسامرات التي جرت مع العاملين هناك (كوني اتقن اللغة الروسية التي يتقنها جميع مواطني الاتحاد السوفيتي السابق) حول طبيعة الحياة أصبحت الروح التفاؤلية هي الطاغية وبدأ الحب يدخل إلى قلبي تجاه هؤلاء الناس مزيحاً كل فكرة غير إيجابية موجودة.

وبالفعل ومع تقدم الأيام في أرمينيا وتحديدا في يريفان اصبحت الأمور اكثر وضوحاً حيث بدأت تتشكل نواة الصداقة مع مختلف الشرائح المجتمعية سواء من زملاء الدراسة إلى الجيران إلى رفقة الذهاب إلى الأوبرا (الشعب الأرمني شعب ذواق للموسيقا ولديه إرث ثقافي موسيقي غني جداً يحتاج إلى فقرة خاصة للحديث عنه).

فأصبحت الزيارات المتبادلة من روتين الحياة اليومية ومنه تعرفنا وعشنا اكثر تقاليد وعادات هذا الشعب المضياف، من اشهر ما يشتهر به المطبخ الأرمني وما قدم لنا هو الخاش (مقادم أو أرجل البقر) حيث يبدأ طبخها منتصف الليل على نار هادئة لتصبح جاهزة مع فجر اليوم التالي حيث يتم تناولها باكرا مع الخبز المرقد (اللافاج كما يسمى بالأرمنية) مع البصل الأخضر ومخلوط زيت الزيتون والثوم والليمون بالإضافة إلى شيء اساسي هو الفودكا من ألذ واشهى الاطباق، الخشلما (مطبوخ البطاطا مع فطع اللحم البقري الكبيرة مع مجموعة من الأوراق الخضراء والتوابل)، الدولما (ملفوف ورق العنب والملفوف) ناهيك عن أنواع السلطات المتنوعة، إضافة إلى اشتهارهم بإنتاج السجق والبسطرما التي تعد من الأشهر على المستوى العالمي.

مما يعتز به الشعب الأرمني هو صناعة البراندي (الكونياك) ماركة أرارات (نسبة لجبل أرارات). بالنسبة إلى الفلكلورالارمني فيلاحظ الحزن في الموسيقا بشكل واضح وخاصة مع العزف على ألة الدودوك (المزمار الأرمني) ذو الألحان الحزينة والشجية. من وحي التجربة الخاصة لي في أرمينيا حاولت تقديم ملخص بسيط جداً عن ما تركز في قلبي وفكري عن هذا البلد وأهله الكرام…….يتبع

*د. أحمد مجر: باحث في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية – اختصاصه في أرمينيا (دكتوراه بالهندسة – استصلاح اراضي مالحة) من جامعة يريفان الحكومية للعمارة والبناء.

Share This