تالار دكرمنجيان: مغنية أوبرا عالمية من سورية

لم يعد غريباً علينا أن نسمع بأسماء لامعة خرجت من سورية إلى العالمية، درسوا في سورية ومنهم «تالار دكرمنجيان» خريجة دفعة عام1999 من المعهد العالي للموسيقى، أي إنها عاصرت الفترة الذهبية لزمن المرحوم صلحي الوادي الذي تعترف له بالفضل على كل ما وصلت إليه من نجاحات في حياتها كسوليست محترفة في الغناء الأوبرالي، والذي وقف مع أستاذتها اراكس تشيكجيان خلف تربيتها الموسيقية ووضعها على المسار الصحيح لتحقيق هدفها الذي قررته منذ أن كانت صغيرة بأن تكون مغنية أوبرا.

وبدعم من صلحي الوادي لموهبتها التي كانت واضحة تسنى لها أن تكون في حفلات قصر المؤتمرات وقصر العظم وأن تشارك في مهرجانات كثيرة عربية وأجنبية، فوافقته عندما نصحها بمتابعة دراستها في هولندا حيث درست الأوبرا هناك لمدة ثلاث سنوات نالت بعدها الماجستير. لكن تالار كانت قد حققت إنجازاً مهما في حياتها قبل أن تذهب إلى الخارج عندما شاركت بمسابقة في ايطاليا وحصلت على جائزة خاصة اسمها most distinqueshed artist soprano أكثر فنانة سوبرانو مميزة.

بعد إكمال دراستها تقدمت تالار إلى مسابقة عالمية من المسابقات الصعبة والمهمة هي مسابقة الملكة اليزابيث للموسيقى في مجال الأوبرا، واستطاعت تالار أن تحجز مقعداً من بين اثني عشرة فائزاً من العالم الذين فازوا بدراسة الأوبرا بشكل عملي لمدة ثلاث سنوات في مدرسة «لامونيه» الخاصة للموسيقى والتابعة لدار الأوبرا في بروكسيل-بلجيكا، وفيها عرفت تالار عملي وأعمق فن الأوبرا حيث كانوا يقيمون العديد من الأوبرات الكاملة وأتيحت لها الفرصة للتعرف والتعامل مع عظماء مغني الأوبرا في العالم.
بعدها بدأت الدعوات توجه إلى تالار بشكل لتأدية أدوار في الأوبرات كسوليست محترفة، وحصلت على دور لطالما حلمت بتأديته كان من خلال أوبرا “سندريلا” الذي أدت فيه تالار دور البطولة، وعرض في المسرح الملكي ببروكسيل لثماني مرات وحقق نجاحاً متميزاً، كما عرض أيضاً أكثر من مرة في لوكسمبورغ. وقبل سنتين دعيت تالار مع نبيل سليمان السوري الذي فاز أيضاً بمسابقة الملكة اليزابيث للموسيقى، وكان أيضاً من بين الاثني عشر الأوائل في العالم وهو اليوم في السنة الثالثة مع فتاة ثالثة ليقدموا حفلاً بث على الهواء مباشرة إلى بقاع مختلفة من العالم بمناسبة عيد الميلاد في القصر الملكي بحضور العائلة المالكة.

سبع سنوات مرت على ذهاب تالار دكرمنجيان إلى أوروبا وتحقيقها لانتصارات عالمية في الغناء الأوبرالي في بلد الأوبرا، لم تدع خلالها للمشاركة أو للاستفادة من خبراتها ولا مرّة حسب حديثي معها. ومع أننا في دمشق عاصمة للثقافة العربية، إلا أنّ تالار لم تتلق دعوة للمشاركة في هذه الاحتفالية مع أننا أنتجنا أول أوبرا في الوطن العربي «اوبرا كارمن» ولم يتمّ الاتصال بها.

وفرصة القدوم إلى سورية كانت من خلال دعوة وجهها قائد الاوركسترا السيمفونية الوطنية ميساك باغبوداريان، والتي شاركت معها بأوبرا «دايدو وآينياس» على مسرح بصرى بقيادة صلحي الوادي آنذاك، لكي تغني معهم في حفل اختتام مهرجان بصرى هذا العام، فكان بالنسبة إليها الحدث الأسعد والأهم، هي التي وقفت على معظم مسارح العالم العريقة والمهمة، عندما غنت أمام السيد الرئيس بشار الأسد و السيدة أسماء في حفل ختام مهرجان بصرى، والذي قدمت فيه كل مشاعرها المكنونة لهذا البلد وكل ما يدعو للفخر بما تملكه سورية من أبناء يقدمون أنفسهم باسمها إلى العالم الذي اعترف بموهبتهم ومقدرتهم على أداء الأصعب من الفن الكلاسيكي الأوروبي «الأوبرا»، فأدهشتنا تالار بثلاث أغنيات منها واحدة للإيطالي الشهير جياكومو بوتشييني.

لم أستطع إخفاء مشاعري وأنا بصحبتها وهي تذكر لي مسارح العالم التي وقفت عليها في بروكسيل، ولندن، وألمانيا، وفرنسا، وطوكيو، ونيويورك، وغيرها، فهي في البداية سورية، لكن أيضاً امرأة اختارت أن تشق طريقها في الخارج ونجحت باعتراف عالمي، فكان لا بد من الحديث عن خلاصة تجربتها التي قضتها في سورية والعالم الغربي.
كيف يستغل الغرب ويستثمر الطاقات المبدعة؟

ممازحة “يأخذونه ويضعونه في قفص ذهبي!!.. إذا وجد شخص موسيقي فالاهتمام كله يذهب إليه، فهم يتبنون المواهب بشكل مثير للدهشة، يقدمون له كل الإمكانيات الفنية والمادية التي تساعده، حيث المعاهد ذات المستويات الراقية والأساتذة المحترفين في هذا المجال من ثم يأتي دعم الدولة”.

-ما الذي يجب أن نفعله حتى نرعى المواهب الموسيقية ونطورها؟

-أهمّ شيء التوجيه الصحيح الذي ربما لا نحظى به هنا، فالأستاذ لا يعني الشخص الحاصل على شهادة فقط، والشهادة في الموسيقى لا تكفي إذا لم يخض تجربة عملية يقدمها للطلبة، ولذلك مازلنا لا نملك الكوادر المؤهلة التي تؤسس لفن الأوبرا الذي يقوم على عدة أشخاص وعدة سوليستات يمكنهم أن يؤمنوا بالعمل المسرحي. هناك يتم توجيه الشخص الموهوب، والذي يريد أن يكون محترفاً، منذ الصغر فهم يتعاملون مع الموسيقى كمهنة بعد الاحتراف، على عكسنا فالموسيقي يظل هاويا حتى بعد الاحتراف، وعندما تقدم نفسك على أنك موسيقي يقولون لك: وماذا تعمل؟ هي دراسة لا تنتهي وبحاجة إلى سنين، وأنا مازلت أتابع الدروس لتمرين صوتي. كل الناس هناك تتعلم الموسيقى لأنها جزء من ثقافة وتربية. هنا للأسف مازلنا لا نملك المدارس الموسيقية.

وتضيف “وسببٌ آخر في تطور المواهب هناك هو التبنّي لأنهم يملكون الكثير من السبونسرات التي تشجع الموسيقى ولديهم عائد من الضرائب تذهب إلى المؤسسات الثقافية الخاصة والعامة وللنشاطات الثقافية فيستطيع المتميز أن يكمل طريقه دون مشكلة العوائق المادية”.

-ترك صلحي الوادي فراغاً كأستاذ يعتبره الكثيرون، وأنت منهم، المعلم الأول في الموسيقى، ساهم في نجاحك ونجاح الكثيرين، كيف تلقيت خبر وفاته؟

-بعد أن مرض صلحي الوادي لم أعد أتلقى أيّ دعوة، كذلك لم أدع إلى حفل تأبينه، ولا للمشاركة في حفل التحية لذكراه. ولا شخص قال لي أو تذكرني. أنا حزينةٌ جداً ومجروحة من هذا التصرف فالكل يعلم أنني كنت السوليست القريبة جدا منه وترافقنا إلى المهرجانات العربية والعالمية والحفلات وبروشورات المعهد تشهد على ذلك. لم يكن أستاذنا فقط، كنا جزءاً من مشروعه الذي أثبت نجاحه. صلحي الوادي مازال يعيش في قلوبنا ونحن نكمل الطريق الذي فتحه لنا. كان يتابعنا ويأتي إلينا بالخبراء ويحرص على أن يأخذوا خبرته لأنه بروفيسور حقيقي. صلحي الوادي هو الشخص الوحيد الذي أعترف به فمن خلاله عرفت الموسيقى وكنا نحصد نتائج مهمة.

-هل يعزّ عليك أن تنفصلي عن هنا بهذه الطريقة؟

-طبعاً ويعز علي جداً. وفرحتي اليوم لا توصف فأنا في بلدي سورية، المكان الذي تربيت فيه وتعلمت فيه وعرفني الناس فيه ومنه انطلقت إلى العالمية، وأتمنى أن أحظى بفرصة لرد الجميل. أعتقد أن من يخرج من البلد يضعون على اسمه إكس، ينسونه، ويقطعون التعامل معه، ورغم كل ما نحققه أنا وزملائي الكثر باسم سورية في العالم نجد ألا أحد يهتم بمتابعة أخبارنا أو التواصل معنا.


الوطن

Share This