نوبار السكندري الأرمني يقاوم الحذاء الدخيل بـ(صنع في مصر)

%d8%b3%d9%83%d9%86%d8%af%d8%b1%d9%8a 

محل لا يلفت نظرك، مجرد فاترينة خارجية عادية صنعت من زجاج على غرار حوانيت منتصف القرن الماضي، لافتة صغيرة كتبت على كرتون مقوى تعلن عن اسم المحل، ورقم العقار في واحد من أهم شوارع الاسكندرية، شارع فؤاد، أو الحرية.. لا تحتوي الفاترينة إلا على عدد محدود لأزواج من الأحذية النسائية التي صنعت بشكل كلاسيكي ربما تكون على النمط ذاته الذي كانت ترتديه الجدات في منتصف الستينيات من القرن العشرين المنصرم.

فى مواجهة مسرح ابن كوم الدكة وموسيقار مصر الأشهر خالد الذكر سيد درويش حيث تقع أوبرا الاسكندرية، يقبع محل نوبار المصري ذي الأصول الأرمنية الذى اسماه والده تيمنا بأول رئيس لنظار (وزراء) مصر، نوبار باشا (1825 ــ 1899م).

ويبدو أن نوبار الصغير الذى تجاوز عمره الآن السبعين عاما، لا يزال يعيش بخياله، على الأقل، فى ذلك الزمن الجميل، فلم يتخل عن الصنعة التقليدية للأحذية النسائية التى اشتهر بها محل أجداده، رغم عواصف التغيير التى هبت على مصر عموما والإسكندرية خصوصا.

محاطا بعلب من الكرتون المرصوصة على أرفف تصل إلى سقف الدكان المرتفع، وخلف مكتب عتيق يجلس نوبار مختلسا النظر إلى الشارع الذى يعج بالغادين والرائحين، من دون أن يلتف إلى دكانه غالبيتهم، لكن الرجل ذى الشعر الأبيض لا يعنيه كثيرا «الزبون الطيارى»، فله من الزبائن ما يجعل بضاعته تمضى فى دورتها الطبيعية، بدءا من التعاقد مع ورش صناعة الجلود، ومرورا بورش تصنيع الأحذية على القالب القديم، قبل أن تستقر فى المحل انتظارا للمتعاقدين عليها من سيدات يعرفن قدر الصنعة وقيمة الصانع، على حد قوله.

بلغة عربية ذات لكنة «خواجاتى»، يرفض نوبار إدوارد غازاريان التشكيك فى مصريته الصافية، التى ورثها بالمولد وطول المقام في الاسكندرية التي يعشق ترابها، قبل أن يبرز لى عقدا لأدائه دورا فى فيلم «حاوى» إخراج إبراهيم البطوط، تقاضى عنه خمسة آلاف جنيه «بدل تمسيل» كما كتب فى الشيك خطأ كلمة تمثيل، وهو الفيلم الذى كان جميع العاملين فيه من مواليد الاسكندرية.

سألت نوبار: لماذا لا يزال يتمسك ببيع الأحذية النسائية ذات الذوق الستينى، ولماذا لم يجار التطور الذى جعل غالبية محال بيع الأحذية فى الثغر تلجأ لبيع المنتجات المستوردة، وتتخلى عن الصناعة المصرية؟ يرمقنى الرجل بنظرة عتاب قبل أن يقول تأكيدا لمصريته وعمق تشرب روح مصر الأصيلة: «من فات قديمه تاه» ويبدو أننا لن نتوه ما دامت هذه الروح متغلغلة فى كل المصريين.

المصدر – الشروق

Share This