أندونيان يكتب تاريخه مع أرمينيا

andonian 

ذكر موقع فيفا أنه عادةً ما تكون الأجواء هادئة ليلاً في مطار يريفان، ولكن عندما هبط فيه جايل أندونيان في ليلة من ليالي يونيو/حزيران 2015 ووطأت قدماه لأول مرة أراضي أرمينيا، كان عليه أن يفرك عينيه ويتأكد من أنه حط الرحال بالوجهة الصحيحة.

ماذا كان يفعل هناك ذلك الحشد الكبير من الناس الذين اكتسحوا منطقة الوصول بالهتافات والصيحات وأضواء الكاميرات الموجّهة نحو الباب الذي يدخل منه؟ كان الجواب واضحاً عندما رأى لافتات مكتوبة باللغة الفرنسية ترحّب به وعشرات الأشخاص يطلبون منه الحصول على توقيعه والتقاط صور معه. صرّح هذا المدافع لموقع FIFA.com  قائلاً: “تفاجأت كثيراً. كانت الساعة 02:00 صباحاً وسط الأسبوع. لم أكن أتوقع حضور أي شخص، على الأكثر صحفيين محليين أو ثلاثة.” 

يمكن تفهّم كل هذا الحماس إذا كان الأمر يتعلق بزيارة نجم كرة قدم عالمي، ولكن في هذه الحالة نتحدث عن شاب لا يتجاوز عمره 20 عاماً ومبارياته في عالم الاحتراف كانت تُعدّ على رؤوس الأصابع. واعترف لاعب أولمبيك مرسيليا قائلاً: “لقد كان أمراً مذهلاً حقاً لأنني لست لاعباً معروفاً على أعلى مستوى. الأمر العادي والطبيعي هو ألا أحظى بذلك الاستقبال،” مضيفاً “عندما تصل إلى المطار وترى كل هؤلاء الناس والكاميرات واللافتات تشعر بالقشعريرة، ولكن الأمر ينطوي أيضاً على بعض الضغوط الإضافية لأنه يجب أن تكون في مستوى التوقعات وعند حسن الظن.”
الثقة والإحباط

قبِل أندونيان، الفرنسي من أصل أرمني، المولود في مدينة بروفانس، وهو المواطن الفرنسي واللاعب الدولي السابق مع كتيبة تريكولور في فئة تحت 16 سنة، طلب الانضمام إلى منتخب أرمينيا بدون تردد. وبهذا الخصوص، أكد اللاعب الذي كان معجباً بالديكة وكان يشاهد دون توقف شريط فيديو لقدوته زين الدين زيدان قبل أن يصبح مهتماً بنتائج المنتخب الأرميني عندما كان عمره 12 أو 13 عاماً قائلاً: “لم أفكر في الأمر كثيراً، كان اختيار القلب،” مضيفاً “أنا أرمني 100٪، وتشبعت بهذه الثقافة منذ الطفولة. أجدادي أرمن، وعندما كنت أذهب إليهم كنت أكتشف الطعام، والثقافة، وأستمع إليهم يتحدثون. لكني لم أكن أعرف البلاد. لم أذهب قط إلى هناك. كنت أول فرد من عائلتي يعود إلى الوطن منذ مغادرتهم. لقد اكتشفت كل شيء بفضل هذا القرار.”

وللمفارقة، سمح له هذا القرار أيضاً باللعب بشكل منتظم، لأنه برغم انضمامه إلى ناي مرسيليا منذ عام 2014 وتوقيعه عقده الأول في يوليو/تموز 2015، لم يلعب سوى مباراة واحدة مع النادي حيث تلقى تكوينه. وكشف المدافع الأوسط الذي يلعب أيضاً في مركز الظهير الأيسر قائلاً: “في حالتي، عندما أعود من المنتخب، أكسب المزيد من الثقة وأدرك قيمتي الحقيقية لأنه عندما تتدرب فقط أو تلعب مع الفريق الرديف تتساءل دائماً عمّا إذا كنت تسير في الطريق الصحيح،” مضيفاً “وعندما ألعب على أعلى مستوى، أحصل على الإجابة. لعبت مباريات ضد البرتغال وفرنسا وصربيا. عندما تواجه لاعبين في مثل هذه المنتخبات، تكسب المزيد من الثقة. المشكلة الوحيدة هي أنك تتمنى أن يتكرر ذلك في كل عطلة نهاية الأسبوع. لهذا يشعر المرء بعد ذلك ببعض الإحباط. ولكن يجب تقبّل ذلك.”
على الرغم من أنه استطاع الحفاظ على الإيقاع بفضل انتقاله على سبيل الإعارة إلى فريق ديجون في دوري الدرجة الثانية خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2016، يعيش منذ عودته إلى مرسيليا حياته اليومية مع الفريق الرديف. كيف يكون الانتقال من اللعب في فئة الهواة إلى خوض التصفيات المؤهلة لبطولة الأمم الأوروبية أو كأس العالم FIFA؟ أجاب جايل قائلاً: “إنه أمر صعب جداً. كل شيء يتغير: الملعب، الجمهور، مستوى الخصم، إيقاع المباراة… ليس هناك مجال للمقارنة،” مضيفاً “في بعض الأحيان قبل بدء المباريات، أنظر إلى الأمور من وجهة نظر شاملة وأفكر في أنني أنتقل من فئة الهواة إلى مواجهة لاعبين يشاركون في كأس العالم، يفوزون بدوري أبطال أوروبا ويحرزون الكرات الذهبية.”

بيد أن هذا التغيير في الأجواء لا يدهش كثيراً هذا اللاعب الأعسر الذي لا يكترث لهوية الخصم عندما يكون داخل الملعب. تذكر قائلاً: “عندما لعبت ضد كريستيانو رونالدو، كان الأمر غريباً في النفق قبل الدخول إلى الملعب،” مضيفاً “ولكن بمجرد إطلاق صافرة البداية، ينتهي كل ذلك. سواء كان رونالدو أو مهاجم مارتيج، الأمر سيان بالنسبة لي. كمدافع، هدفي هو إيقافه خلال المباراة.”

واقعي ومتفائل

في ذلك اليوم في المرحلة التمهيدية لكأس الأمم الأوروبية 2016، سجّل المهاجم البرتغالي ثلاثة أهداف في يريفان، ولكن أبطال أوروبا لاحقاً عانوا الأمرّين لتحقيق الفوز (2-3)، مما يدل على التقدم الذي أحرزه مؤخراً أندونيان ورفاقه. كما خسرت أرمينيا بفارق هدف وحيد في الدنمارك في مباراتها الأخيرة في التصفيات التمهيدية لكأس العالم روسيا 2018 FIFA. “خسرنا بنتيجة 1-0، لكننا قدمنا مباراة جيدة، رغم أننا في نهاية المطاف لم نحقق نتيجة جيدة،” تأسف لاعب مرسيليا الذي قدّم أداءً رائعاً ضد الدنمارك كما كان الحال في مبارياته الدولية الـ11 الأخرى، ما جعله يحتل المركز الثاني في ترتيب أفضل لاعب في المنتخب في السنة الماضية وراء نجم من حجم هنريخ مخيتاريان.
وحلّل المدافع الأوسط أداء منتخب بلاده قائلاً: “نحتاج إلى مزيد من الصلابة الجماعية والتعرف على بعضنا بشكل أفضل. نحن فريق شاب ونفتقر إلى تلك الخبرة التكتيكية على أعلى مستوى، معرفة كيفية التعامل مع نتيجة المباراة، كيفية اللعب خارج الديار، كيفية التصرف عندما نكون متقدمين في النتيجة وكيفية العودة في المباراة إذا كنا متأخرين.”
أندونيان شخص واقعي ويعترف بأن التصفيات المؤهلة إلى روسيا 2018 ستكون معقدة، ولكنه يريد مواصلة الحلم: “إذا نظرنا إلى كل مجموعات التصفيات، تبدو مجموعتنا الأكثر انفتاحاً على كل الاحتمالات،” حلل جايل في إشارة إلى مجموعتهم التي تضم أيضاً الدنمارك وكازاخستان والجبل الأسود وبولندا ورومانيا. ثم أضاف مسترسلاً: “في مجموعة تضمّ إيطاليا وأسبانيا أو فرنسا وهولندا لا شك أن المركزين الأول والثاني شبه محسومين مسبقاً. إذا كنا سنخلق المفاجأة، فهذا هو الوقت الأمثل في مجموعتنا.”

وليس من الصعب تخيل الأجواء التي تنتظر أندونيان ورفاقه في مطار يريفان في حال حجزهم تذكرة السفر إلى روسيا…

Share This