لمحة عن حركة الترجمة بين اللغتين الأرمنية والعربية (2) د. نورا أريسيان

13227134_1547828948858279_6430221020059676003_n 

أما فيما يتعلق بترجمة المصادر العربية حول أرمينيا الى اللغة الأرمنية، فقد قام المؤرخ الأرمني ب. خالاتيانتس بترجمة الفصول المتعلقة بأرمينيا ضمن دراسات الجغرافيين العرب كالبلاذري، واليعقوبي، والطبري الى اللغة الأرمنية وقد نشرت في 1919. وكذلك قام أ. أداميان بترجمة مقاطع من البلاذري واليعقوبي.

وخلال مر التاريخ تمت ترجمة العديد من المصادر العربية من اللغة العربية إلى اللغة الأرمنية بواسطة مؤلفين أرمن،

ففي بداية الأربعينات نشر عالم اللغويات الأرمني هرتشيا أجاريان سلسلة دراسات بعنوان “المصادر الأجنبية حول الأرمن”، حيث ترجم فيها مقاطع من مؤلفات ابن بطوطة حول رحلته الى أرمينيا وكيليكيا، وتم نشر النص العربي الى جانب النص الأرمني.

كما قام المستعرب الأرمني هاكوب نالبانديان بترجمة مقاطع تتعلق بالأرمن وأرمينيا من كتب المؤرخين والجغرافيين العرب أمثال كتاب “معجم البلدان” لياقوت الحموي ومقتطفات من “المختصر في أخبار البشر” لأبو الفداء، وكتاب “سيرة صلاح الدين الأيوبي” للقاضي بهاء الدين بن شداد نشر في 1965 بعنوان “المصادر العربية عن أرمينيا والأرمن”. كما ترجم آرام دير غيفونتيان “ابن الأثير” من العربية إلى الأرمنية اعتماداً على مصدرين هامين لهذا المؤرخ العربي وهما كتاب “الكامل في التاريخ” و”تاريخ دولة الأتابك”. وكذلك مجلد جديد تحت اسم “مصادر عربية” فيه مقتطفات من أعمال المؤرخين العرب أبو يوسف ابن هشام والواقدي وخليفة بن الخياط وابن قتيبة واليعقوبي والجغرافيين الخوارزمي ومؤرخين وجغرافيين من القرن التاسع والقرن العاشر.

وفي بداية القرن العشرين، تم نقل إبداعات الكتاب والشعراء والمؤرخين والمستشرقين والعلماء الأرمن من اللغة الأرمنية إلى اللغة العربية. ومن أهم  تلك الأعمال أيضاً ترجمة الرواية الشعرية (عروج أبي العلاء) للشاعر الأرمني الكبير أواديك إسهاكيان إلى العربية في عام 1948 على يد العلامة خير الدين الأسدي بمساعدة بارسيخ تشاتويان.

ولابد من الإشارة الى أن الاهتمام باللغة العربية وصل الى حد ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأرمنية في أرمينيا للتعرف على كنوز الحضارة العربية-الإسلامية.

ومنذ أربعينيات القرن العشرين بدأت في البلاد العربية حركة ترجمة التراث والأدب الأرمني إلى اللغة العربية ودراسة تاريخ الأرمن والقضية الأرمنية. واهتم مفكرون عرب وأخرون أرمن من أبناء المجتمعات الأرمنية في الوطن العربي بترجمة مؤلفات الكتاب والشعراء الأرمن.

وفي الوقت ذاته، لايمكن إغفال دور المترجم السوري نزار خليلي الذي أتقن اللغة الأرمنية القديمة والحديثة، وترجم أكثر من ثلاثين عملاً الى اللغة العربية. ولعب بذلك دوراً هاماً في نقل نماذج من الأدب الأرمني الى اللغة العربية. فقد قام في عام 1955 بترجمة قصص عربية تراثية وأشعار ودراسات عن كبار المفكرين والشعراء العرب الى اللغة الارمنية. أما ترجماته عن الأرمنية الى العربية فتنوعت بين الشعر مثل الشاعر هوفانيس شيراز، والمسرح (مسرحية المتسولون الشرفاء) للكاتب هاكوب بارونيان، والقصص (حكايا للأطفال) للكاتب هوفانيس تومانيان، وقصص قصيرة للكاتبة لوسي سولاحيان، وكتاب (المراثي) الملحمة الشعرية لكريكور ناريكاتسي، وكتاب (تاريخ الأرمن من البداية وحتى القرن الخامس الميلادي) و(معالجة الحميات) لمخيتار هيراتسي وغيرها.

ومن التجارب الناجحة في الترجمة من الأرمنية الى العربية التي صدرت في السنوات الماضية للمترجم ناظار نظاريان، وكذلك للمترجم بوغوص سراجيان رواية “الحياة على الدرب الروماني القديم” لفاهان توتوفينتس ومجموعة شعرية ليغيشه تشارينتس ( 100 – مختارات شعرية).

بالإضافة الى نشر مجموعة شعرية ترجمها مهران ميناسيان «الأقنعة والمرايا – مختارات من الشعر الأرمني»، وكذلك قصص مسرحية لرائد المسرح الساخر هاكوب بارونيان ترجمة نورا أريسيان، بالإضافة الى ترجمة بعض الكتب التاريخية وفق ما اقتضته الفترة الزمنية للتعرف على تاريخ المذابح الأرمنية والقضية الأرمنية، مثل (تاريخ الكنيسة الأرمنية) للمترجم الكسندر كيشيشيان.

وفي مصر صدر كتاب ضخم (663 صفحة) بعنوان (مختارات من الشعر الأرمني عبر العصور) ترجمة فاروجان كازانجيان.

وفي العام الماضي في لبنان قدمت المترجمة والصحفية اللبنانية جولي مراد في كتاب «شعراؤنا صانعو مجد أرمينيا» صورة شاملة ومختصرة عن الشعر الأرمني، منذ بداياته الملحمية، ومراحله المسيحية الصوفية، وصولاً الى الخمسينيات من القرن العشرين.

في النهاية، نرى أن حركة الترجمة بين اللغتين الأرمنية والعربية مرت بمراحل متعددة، ولامست العديد من الأجناس الأدبية مثل الشعر والرواية والدراسات التاريخية، وتناولت فيها العديد من المجالات مثل الأدب وعلوم النباتات والطب والفلك والتاريخ وغيرها، ولكن رغم أنها عاشت تطوراً مهماً إلا أنها مازالت تحتاج الى الاهتمام والانتشار لأن الترجمة هي ركيزة مهمة في التفاعل الحضاري الأرمني-العربي والعلاقات الأرمنية -العربية.

Share This