حوار خاص مع الباحث في تاريخ الأرمن د. محمد رفعت الإمام

“الإبادة الأرمنية تجسّد أركان جريمة (إبادة جنس) حسب مفهوم القانون الدولي”

د. محمد رفعت الإمام، أستاذ في قسم التاريخ بجامعة الاسكندرية (مصر). شغل منصب رئيس تحرير مجلة “أريف”. له العديد من المؤلفات: (الأرمن في مصر في القرن التاسع عشر) و(القضية الأرمنية والامبراطورية العثمانية) و(الأرمن، الغرب والاسلام).وهو عضو مجلس إدارة مركز الدراسات الأرمنية بجامعة القاهرة.

ملحق “أزتاك” العربي- أنت المتعمق في التاريخ الأرمني: ما الذي يميز المجازر الأرمنية كمقومات تؤهلها لتصف إبادة جماعية؟

تشكل مفردات التجربة الأرمنية في الدولة العثمانية جريمة “إبادة جنس” حسب مفهوم الأمم المتحدة الذي أقرته في 9 ديسمبر 1948. ورغم حدوث هذه الإبادة قبل ميلاد اتفاقية الإبادة، فإنها تُجسد أركان جريمة “إبادة جنس” حسب مفهوم القانون الدولي، إذ وفقاً للمادة الثانية من الإتفاقية، تعرضت الجماعة الأرمنية أثناء الترحيل من شرق الأناضول الى ولاية حلب العربية للــ”قتل”، وأُُلحقت بهم ” أضرار جسدية ومعنوية بالغة”، وأخُضعوا عمداً لظروف أدت الى التدمير الفسيولوجي كلياً او جزئياً، وفُرض التتريك على الأطفال الأرمن.

ومن المنظور القانوني، تمتعت الملة الأرمنية بالرعوية العثمانية. بيد أنه توجد فوارق جد فاصلة بين الأرمن وشتى عناصر الدولة العثمانية من أتراك وجراكسة وأكراد وعرب وألبان وسلاف وأروام على المستويات العرقية والقومية والدينية والثقافية. كما أن الاتفاقيات الدولية التي أبرمت مع الدولة العثمانية، تعاطت مع القضية الأرمنية من المنطلقات الخصوصية سالفة الذكر: المادة 16 في معاهدة سان ستيفانو (1878)، معاهدة برلين (1878)، معاهدة فرساي (1919)، معاهدة سيفر (1920). وحتى معاهدة لوزان (1923)، وتعاطت مع الأرمن على أنهم من الأقليات غير المسلمة.

ملحق “أزتاك” العربي- هل تجاوز الظلم حده إلى أن بلغ 95 عاماً من الإنكار؟

نعم، تجاوز الظلم حدوده إلى أن بلغ 95 عاماً من الإنكار. وربما يستمر الظلم أكثر وأكثر.

ملحق “أزتاك” العربي- ماهو رد فعلك إزاء إنكار تركيا؟

بصفتي باحثاً، أفهم أن الإنكار التركي مرتبط ارتباطاً عضوياً بـ”هوية تركيا الحديثة”، إذ أن الكيان التركي الحديث قام على أنقاض الأرمن في شرق الأناضول. وهنا يكمن سر تعنت الإدارة من أجل الاعتراف بوقوع الإبادة الأرمنية. وفي كلمة موجزة: الاعتراف التركي بالإبادة الأرمنية يعني نفي الكيان التركي. ولذا، فالمسألة مرتبطة بهوية دولة بأكملها.

ملحق “أزتاك” العربي- وهل سيقبل العالم هذه السياسة حتى النهاية؟

أثناء اقتراف النظام العثماني لأول مرة إبادة جنس جماعية في القرن العشرين إبان الحرب العالمية الأولي، وقف المجتمع الدولي وقتذاك مكتوف الأيدي، وعلى النقيض أسهم بسلبيته في مساعدة النظام العثماني على إتمام مشروعه ضد الأرمن بنجاح. وبمرور الوقت، أسهمت التحولات الدولية وتوزانات القوى وطبيعته “المصالح” مع الإدارة التركية – تحديداً – في تحريك الملف الأرمني. وغدا الملف الأرمني من أدوات الضغط على النظام التركي، ومن أوراق المساومة معه. ففي حالة تأزم العلاقات مع تركيا، بميل الملف الأرمني لصالح “الأرمن”، والعكس. ورغم هذه الأبعاد، فإن الحصاد الدولي الراهن بشأن الإعتراف بالإبادة الأرمنية يُعد علامة فارقة في الضمير العالمي وخطوة الى الأمام لإنصاف الأرمن وغيرهم من الشعوب التي تعرضت، ولاتزال للإبادات بكافة أنواعها.

ملحق “أزتاك” العربي- أمام كل الدراسات والوثائق التاريخية – وأنت واحد منهم – كيف السبيل لإنصاف الشعب الأرمني؟

من المنظور العلمي، ثمة دراسات في جميع أنحاء العالم أثبت بشكل أكاديمي ووثائقي ما حدث، بحق الأرمن في الدولة العثمانية. ولكن، يجب تفعيل الآليات القانونية ودعمها سياسياً. وفي عين اللحظة، يجب تفعيل دور مؤسسات العمل المدني الخاصة بحقوق الإنسان.

ملحق “أزتاك” العربي- كيف ترى اعتراف المجتمع الدولي؟ وهل أنصفوا؟

لاريب أن المجتمع الدولي المعاصر قد قام بخطوة إيجابية وبناءة على الدرب الطويل لاستكمال اعتراف المنظمومة الدولية بالإبادة الأرمنية لاسيما وأن الأعتراف جاء من برلمانات دول جد مهمة مثل فرنسا ولكن ماتم علي المستوي الدولي يُعد ضئيلاً خصوصاً وأن الإبادة قاربت علي قرن من الزمان. ولذا، يجب علي المعنيين بـ”القضية الأرمنية” بذل جهود حقيقة من أجل دفع المجتمع الدولي للاعتراف بما وقع على الأرمن.

ملحق “أزتاك” العربي-  كيف تنظر إلى تقصير الدول العربية والإسلامية في إنصاف القضية الأرمنية خصوصاً وأن البلاد العربية كانت أول من استقبل اللاجئين؟

تاريخياً، قامت البلاد العربية بدور محوري في إنقاذ الأرمن عقب كارثة الإبادة. وفي هذا الصدد اتسم الدور العربي بالشرف والكرم. واستوعبت البلاد العربية جاليات أرمنية، وأسهمت في الحفاظ على هويتها الأرمنية وفي المقابل، وقامت هذه الجاليات بدور فعال في خدمة البلاد العربية. أما أن تعترف بالإبادة – عدا لبنان – من قبيل ما فعلت فرنسا مثلاً، والسبب بإيجاز: أن الجاليات الأرمنية في البلاد العربية لا تُمثل “جماعات ضغط” مثل أقرانها في فرنسا أو كندا أو الولايات المتحدة كما أن الملف الأرمني ليس من بين أوراق اللعبة السياسية لدى الأنظمة العربية والإسلامية.

ملحق “أزتاك” العربي- مالذي تريد أن تقوله من خلال دراستك عن القضية الأرمنية؟

لا أبغي من وراء دراساتي إلا البحث عن الحقيقة التاريخية أينما كانت، وأسعى إلى تعريف الرأي العام العربي – بقدر المستطاع – بماهية القضية الأرمنية عبر القنوات العلمية والأكاديمية.

ملحق “أزتاك” العربي-  ماذا أضافت تلك الدراسات إلى معرفتك التاريخية؟

أدخلتني دراستي عن “الأرمن في مصر” إلى عالم الجاليات الشرقية والغربية في مصر. واستطعت أن أرصد المجري العام للتاريخ المصري من خلال النافذة الأرمنية. كما أن اهتمامي بـ “الإبادة الأرمنية” دفعني إلى الاهتمام بالإبادات الجماعية عبر العالم لدرجة أنني ألفت كتابين أولهما: إبادة الجنس البشري 1946/1948، وثانيهما: نفي الآخر جريمة القرن العشرين.


Share This