مساهمة علم الاستشراق للإنسانية (من خلال الدراسات الأرمنية)

img5_20141222212434 

إنَّ الهدف من هذه المقالة هو تقديم لمحة وصفية (ليست تحليلية) موجزة عن مساهمة الدراسات الأرمنية لعلم الاستشراق عامة وللدراسات العربية خاصة، لاسيما ضمن نطاق العلاقات العربية ـ الأرمنية.‏

ولابدَّ أن ننوّه هنا، بأن التفاهم والاحترام المتبادل بين الشعوب يمكن أن يحقق السلام العادل والتقدم المبدع للبشرية جمعاء.‏

فالعلوم بعامة ضرورية لمعرفة الحياة الإنسانية وتطورها، وتمكننا العلوم الإنسانية من سبر أغوار فكر الإنسان ونفسه. وهكذا فالتراث الثقافي الذي وصَلَنا من الماضي يسلط الضوءَ على فكر وتفكير “الإنسان القديم” من جهة، ويُفصح عن مستويات تطور “الإنسان العصري” وعن أسباب أزماته المختلفة من جهة أخرى، بغية ضمان الرقي عن طريق المجتمع الإنساني الصالح.‏

الشرق هو مهد الثقافات الإنسانية ويأتي الاهتمام به منذ الأزمنة الموغلة في القدم. ولما كان الشرق يحتل منطقة مركزية حافلة بالإبداعات من النواحي الثقافية والاقتصادية والدينية، فقد ألقى الإنسان الشرقي نظرةً إلى نفسه أولاً واهتمَّ بماضيه، ومن ثمَّ نظر نحو الآفاق البعيدة وأبدى اهتماماً مماثلاً للمستجدات المعاصرة.‏

إن علم الاستشراق (orientalism)، هو نظام علمي لدراسة تاريخ ولغات وآداب ونفسيات وأديان وثقافات وفنون واقتصاد مختلف الشعوب في الشرق. لقد نشأ هذا العلم مع النهضة الأوروبية (في القرنين السادس عشر والسابع عشر) في هولندا وإنكلترا وفرنسا، واهتم العلماء في البداية بدراسة اللغات، كوسيلة مهمة للاتصال والتواصل بهدف الاستيلاء على البلاد الشرقية. في هذه الفترة، نقل التجار ورجال السياسة والمبشرون العديد من المخطوطات والأعمال الفنية إلى الغرب، ثمَّ فُتحت أبواب كنوز الأدب الشرقي عن طريق الترجمات. ففي سنة 1771، ترجم الكتاب المبجّل عن الدين الفارسي القديم المسمى (أفستا) إلى اللغة الفرنسية، وفي أواخر القرن الثامن عشر بدأ العلماء بدراسة اللغة السنسكريتية، ثمَّ تمَّ حل رموز الكتابات الأورارتية والآشورية والبابلية والفارسية والمصرية، تبعتها اليونانية والسريانية والعبرية والعربية.‏

ولما كانت أرمينيا تقع على مفترق الطرق بين الشرق والغرب، تأثر شعبها بثقافتين مختلفتين. وكانت بلاد الأرمن تقع في آسيا الصغرى، وأما لغتهم فتنتمي إلى المجموعة الهند-أوروبية، بينما تحمل ثقافتهم وحياتهم الاجتماعية الطابعين الشرقي والقفقاسي. إضافة إلى ذلك كانوا على مفترق اتجاهين دينيين مختلفين هما: اليوناني ـ الروماني والفارسي ـ السامي.‏

لذلك فإن دراسة الشرق بالنسبة للأرمن كانت حاجة طبيعية وحيوية في الوقت نفسه. إلا أنه من الناحية العلمية، كانت الدراسات والأبحاث تجري بالتوازي مع التوجهات الأوروبية. ولسد هذه المتطلبات افتتح معهد لازاريان من قبل بعض الأثرياء الأرمن في موسكو في سنة 1815 لدراسة اللغات الشرقية.‏

* * *

علم الدراسات الأرمنية هو جزء لا يتجزأ من علم الاستشراق. فقد اهتم علم الاستشراق الأرمني بدراسة تاريخ الشعوب المجاورة، وبالتالي تقدم المصادر الأرمنية معلومات هامة وقيّمة عن تلك الشعوب. ويعد إرميا جلبي كومورجيان (القرن السابع عشر) وكيفورك تبير بالاديتسي دير أوهانسيان (القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) مؤسسي علم الاستشراق الأرمني. وتجدر الإشارة إلى أن العلماء الأرمن استفادوا من المصادر العربية أثناء دراستهم، ففي سنة 1806 استند العالم الأرمني إنجيجيان في مؤلفه عن الآثار الشرقية إلى كتابي الإدريسي (القرن الثاني عشر الميلادي) وأبي الفداء (القرن الرابع عشر الميلادي). ثمَّ تبعه سان مارتن الذي طبع بين العامين 1818- 1819 مصادر عن تاريخ أرمينيا وجغرافيتها انطلاقاً من بعض المصادر العربية كالمسعودي (القرن العاشر الميلادي) وابن حوقل والإدريسي (القرن الثاني عشر). ثمَّ ما لبث العلماء أن اهتموا بدراسة النقود المسكوكة في أرمينيا، وكذلك الكتابات العربية على الصروح المعمارية الأرمنية. وقامت نخبة منهم بترجمة بعض المصادر العربية إلى الأرمنية، مثل آ. دير أوهانيسيانتس (“تاريخ تيمورلنكللمؤرخ عربشاه)، والأب غيفونت آليشان (كتاب أبو الصلح الأرمني حول الأديرة في مصر وعن الوزراء الأرمن في العصر الفاطمي). وقام ب. خالاطيانتس بترجمة مقاطع من أعمال المؤرخين العرب عن الأرمن وأرمينيا كالبلاذري وياقوت الحموي والطبري وابن مسكويه وابن الأثير. ووردت في الموسوعة الإسلامية (بالإنكليزية ـ المجلد الأول) دراسة مفصلة عن الأرمن وأرمينيا بناءً على العديد من المصادر العربية. وفي النصف الأول من القرن العشرين تُرجمت إلى الأرمنية مقاطع من مؤلفات ابن الميسّر وابن خَلِّكان وابن بطوطة، وفي النصف الثاني منه ترجمت نُبَذٌ من مؤلفات ياقوت الحموي وأبي الفداء وابن شداد وابن الأثير، وغدت موسكو وسانت بطرسبورك وتبيليسي وإيتشميادزين والقسطنطينية وفيينا والبندقية وكلكتا ومدراس ويريفان مراكز مرموقة لعلم الاستشراق الأرمني. ففي يريفان بدأ العلماء سنة 1923 ببعض الدراسات عن الآداب الشرقية، ثمَّ أنشئ معهد اللغات والآداب الشرقية سنة 1940، وفي سنة 1958 تأسس قسم الأبحاث الاستشراقية، وفي سنة 1968 تأسست كلية الاستشراق، والتي تحولت سنة 1971 إلى المعهد العالي للاستشراق. وفضلاً عن المجموعة الكبيرة من المقالات والمؤلفات التي تبحث في الدراسات الأرمنية، صدرت سلسلة من المجلدات أيضاً، ومنها على سبيل المثال: “ديوان الاستشراقو”بلدان وشعوب الشرقين الأدنى والأوسط” و”المصادر الأجنبية عن أرمينيا والبلاد المجاورة” و”الشرق القديم” و”القفقاس وبيزنطة” و”علم المصادر الشرقية”. ومن العلماء الأرمن الذين نبغوا في الدراسات العربية نعلبنديان وديرغيفونتيان، فقد كان لهما باع طويل ليس في مجال علم الاستشراق الأرمني فحسب بل في مجال علم الاستشراق العربي أيضاً من خلال دراساتهم العلمية العديدة.‏

* * *

ليست العلاقات التاريخية بين الشعبين العربي والأرمني وليدة القرن العشرين كما يظن البعض، وهي لا تبدأ مع هجرة الأرمن إلى سورية وخاصة إلى حلب هرباً من المذابح التي وقعت في تركيا ضد الأرمن من قبل الإمبراطورية العثمانية سنة 1915. لقد غدت العلاقات العربية- الأرمنية متميزة ابتداءً من منتصف القرن السابع الميلادي، وتحديداً أيام الفتح العربي لأرمينيا، لذلك ينصّب الاهتمام المتبادل بين مثقفي الشعبين إلى تلك الفترة. فالمؤرخون والرحالة العرب في القرون الوسطى كتبوا الكثير عن أرمينيا وكذلك فعلَ الرحالة الأرمن.‏

ولا مجال هنا لذكر جميع هؤلاء، لكننا سنتطرق إلى بعض الذين كتبوا حول حلب التي حظيت بنصيب وافر من الاهتمام من المؤرخين الأرمن لكونها مدينة قريبة جغرافياً من بلادهم ولأنها لعبت دوراً هاماً في تاريخ المنطقة.‏

يؤرّخ المؤرّخ الأرمني ماطيوس الرهوي، الذي عاش في القرن الحادي عشر، في كتابه “الحوليات” مرحلة زمنية تمتد من منتصف القرن العاشر إلى سنة 1137م. وكان شاهد عيان على العديد من الحوادث التاريخية الهامة ويقدم الرهوي في كتابه تفصيلات هامة عن حروب الفرنجة والوضع السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط، ويصف حصار الفرنجة لمدينة حلب سنة 1125م. وكيف أن بعض القوات ساندتهم بحيث اجتمع جيش كبير حول المدينة وبدأت حلب تعاني من خطر المجاعة حتَّى وصل أمير الموصل البرسقي واستطاع فك الحصار وإعادة الأمور إلى طبيعتها.‏

ومن الرحالة الأرمن الذين زاروا حلب سنة 1617 وكتبوا عنها ووصفوها وصفاً دقيقاً سيمون ليهاتسي. وقد أكد سيمون أن في المدينة ثلاثمائة وخمسة وستين خاناً، وكل واحد منها أجمل من الآخر، مستطرداً بأن هناك العديد من المحلات والحوانيت والمتاجر التي تحتوي على كل ما تطلبه في تلك الأسواق، لأنَّ حلب مدينة تجارية كبيرة. وتكلَّم الرحالة أيضاً حول الحركة التجارية في الخانات وعن بيع الأطلس والجوخ والحرير والقماش فيها، ثمَّ تطرق إلى وصف الحمّامات مشيراً إلى أن مياهها وفيرة وصحية كما وصف بعض العادات والتقاليد الشعبية الحلبية.‏

فضلاً عن مؤلفات المؤرخين الأرمن هناك العديد من حواشي المخطوطات الأرمنية التي حفظت معلومات تاريخية هامة عن حلب لا نجدها في المصادر التاريخية الأخرى، وعلينا ألا ننسى مواد الأرشيف والمراسلات والمقالات الصحفية وغيرها من الكتابات، ويا حبذا لو قام أحد الباحثين بجمع كل ما كتب عن حلب باللغة الأرمنية ثمَّ ترجمها إلى العربية ونشرها في كتاب خاص خدمة للعِلم ولمحبي التاريخ.‏

إن كتاب “ألف ليلة وليلة” الشهير لم يترجم إلى الأرمنية كاملاً إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لكننا مع ذلك نجد ترجمات عديدة لبعض قصصه في المخطوطات الأرمنية التي انتشرت انتشاراً كبيراً في الأوساط الأدبية الأرمنية ونُسخت مرات عديدة وطُبعت مراراً خلال القرنين السابع عشر والتاسع عشر. من هذه القصص نذكر “قصة مدينة النحاس” و”قصة الفتاة والشاب” و”قصة الملك بهلول”. لقد نُقلت هذه القصص إلى الأرمنية في القرن العاشر الميلادي بطلب من الأمير الأرمني تافيت كوراغاباد، وابتداءً من القرن الثالث عشر الميلادي قام الشعراء الأرمن بإضافة بعض القصائد الجميلة إلى هذه القصص التي عرفت فيما بعد بتسمية عربية هي “كافا” أي “القافية”.‏

علينا ألا ننسى كتاب “أقراباذين في علم طب الخيل” الذي يبحث في علم طب الخيل وتربيتها. تجدر الإشارة إلى أن الملك الأرمني هيتوم أتى بالنسخة العربية الأصلية لهذا الكتاب من بغداد ـ عندما زارها لعقد معاهدة تحالف وصداقة مع الخليفة العباسي ـ إلى مدينة سيس عاصمة المملكة الأرمنية في كيليكيا، حيث تمّت ترجمتها إلى الأرمنية لما فيها من معلومات هامة تخدم الجميع، ولكن بعد فترة فقدَ النص العربي للكتاب وترجم ثانية ولكن من الأرمنية إلى العربية في هذه المرة.‏

لقد قام أحد الباحثين في أرمينيا بطبع النسخة الأرمنية من هذا الكتاب الشيّق، وأما النص العربي فلا يزال في حالة مخطوط.‏

وهناك ترجمات أخرى لأعمال أدبية من كلتا اللغتين في القرون الوسطى، منها كتب تاريخية وعلمية وطبية ودينية وأدبية، ومن هذه الكتب نذكر كتاب “تاريخ الأرمن” للمؤرخ الأرمني آكاتانكيغوس الذي عاش في القرن الخامس الميلادي و”كتاب الثعلب” وهو مجموعة أمثال وحكايات شعبية على غرار كتاب “كليلة ودمنة”، فضلاً عن بعض الكتب الطبية والعلمية العربية وبعض المعاجم اللغوية.‏

نعتقد بأن مجموعات المخطوطات الأرمنية الموجودة في يريفان وجلفا الجديدة والقدس ولبنان والبندقية وفيينا تتضمن مفاجآت كبيرة حول علوم الاستشراق. فالنسخ الأصلية لكثيرٍ من الأعمال الأدبية في القرون الوسطى زالت مع الزمن وبقيت ترجماتها الأرمنية التي لها قيمة علمية كبيرة الآن وهي تترجم من الأرمنية إلى تلك اللغات خدمة للعلم.‏

واليوم، هناك فيض من الموضوعات المتنوعة يجب دراستها وفق اتجاهين هما: المصادر الشرقية ـ لا سيما الموضوعات العربية، والمصادر الأرمنية التي يمكن أن تسلط الضوء على علم الاستشراق العربي. والمسيرة طويلة كي يتمكن الطرفان من تكوين أفكار صائبة عن بعضهما البعض قدر الإمكان.‏

* * *

وهنا، نودُّ أن نتطرق بشكل سريع إلى مساهمة المصادر العربية في الدراسات والأبحاث الخاصة بالشعب الأرمني. ولابدَّ أن نذكر بأن أرمينيا منذ انتشار الدين الإسلامي خضعت للخلافة العربية ـ مع الأخذ بالاعتبار كل سلبيات وإيجابيات هذا الأمر ـ، وكانت تتمتع باستقلال ذاتي ويحكمها “أمير أرمني“. كانت اللغة العربية آنذاك لغة دولية، ومن المرجح أن الأمراء الأرمن ورجال الدين تلقوا علومهم بها. نذكر زيارة الكاثوليكوس أوهانس أوتسنتسي للخليفة العربي في دمشق الذي اعترف وقدم مساندته للإمارة الأرمنية البقرادونية. كذلك تأثرت اللغة الأرمنية بالعربية، حيث دخلت إليها مئات الاستعارات العربية. وتقدم المصادر العربية معلومات وافرة عن نشأة الأرمن وأجدادهم ـ ابن الكلبي ـ القرن التاسع، ياقوت الحموي ـ القرن الثالث عشر، الدمشقي ـ القرن الرابع عشر)، فضلاً عن التسميات الإدارية والاقتصادية في أرمينيا وعن أوضاعها وأساليب حكمها ووضعها الإداري وعن العادات والتقاليد الشعبية الأرمنية (ابن المهلهل ـ القرن العاشر الميلادي). ومن المؤلفات العربية الهامة التي تتكلم عن جغرافية أرمينيا، كتاب المؤرخ العربي اليعقوبي (القرن التاسع الميلادي) الذي زار أرمينيا وكتاب “المسالك والممالكللأصطخري ومؤلفات ابن حوقل والمقدسي (القرن العاشر الميلادي) التي تتضمن معطيات مثيرة عن جبل آرارات مثلاً. ويعد مؤلف ابن الفقيه (القرن التاسع الميلادي) المرجع العربي الوحيد الذي أمدَّنا بمعلومات وفيرة عن الثروة الطبيعية في أرمينيا.‏

أول ترجمة من اللغة العربية إلى الأرمنية تمت في سنة 1222 وكانت كتاباً حول تفسير الأحلام من تأليف السلطان خلف (سلطان سيسيان وخراسان).‏

باختصار، إن التطورات الحديثة التي طرأت على علم الاستشراق العربي ضمن نطاق علم الاستشراق ككل، ساهمت وسوف تساهم في المستقبل في تطور الدراسات العائدة لعلم الاستشراق الأرمني.‏

* * *

علينا بالمقابل أن نلتفت إلى مساهمة المصادر الأرمنية لعلم الاستشراق عند دراسة تاريخ كلٍ من إيران والإمبراطورية العثمانية والقفقاس والهند وبلاد الشرق الأقصى وأثيوبيا، وبخاصة بعض الدول العربية كسوريا ولبنان وفلسطين ومصر والعراق. وترجمت مؤلفات العديد من المؤرخين الأرمن وأبحاثهم إلى العربية، منهم المؤرخ آكاتانكيغوس وسيبيوس وغيفونت وتوما آردزروني وأوهانس تراسخانا كردتسي واستيفان دارونتسي ـ آسوغيك وصموئيل ووارطان آريفلتسي وماطيوس الرهوي. ومن الأطباء الأرمن في العصور الوسطى الذي خلّد اسمه في تاريخ الطب العربي مخيتار هيراتسي، فقد كان يتقن العربية واليونانية والفارسية والأرمنية ومؤلفه المشهور بعنوان “تفريج الحمى”. والعديد من الأدوية التي كانت تستعمل في أرمينيا انتقلت إلى الطب العربي والأوروبي، كالأرجَل الأرميني وبولوس أرمينيا… وتوجد كتابات وفيرة حول الإسلام وردت في مؤلفات بعض المؤرخين الأرمن.‏

وأخيراً، نلخص أفكارنا كما يلي:‏

1 ـ إن الإنجازات الاستشراقية العربية ـ الأرمنية هي مصدر غنى لكلا الطرفين وتسلط الضوء على بعضهما البعض.‏

2 ـ تتوفر مصادر كثيرة عن حياة وتاريخ الشعبين في كل المستويات، ومن الضروري أن نقوم بدراستها وترجمتها بالتعاون مع بعضنا البعض.‏

3 ـ بقي علم الاستشراق ملك العالم الغربي لمدةٍِ طويلة. لقد قام علماء الغرب بإنجازات قيِّمة ولكنهم في غالب الأحوال قدموا استنتاجات مختلفة، بل وحتى قدموا صورة خاطئة عن الشرق أحياناً.‏

4 ـ يجب أن لا يخضع علم الاستشراق للمصالح السياسية والدينية. ومن الضروري إبراز القيمة العالمية لتاريخ الشرق وثقافته باتباع المبادئ والأصول العلمية المعاصرة، وفي بعض الأحيان بترجمة المؤلفات الهامة في هذا المضمار إلى اللغات الدولية.‏

وانطلاقاً من كل هذا، من الحيوي إنشاء ملتقى دولي ومركزي ومنبر للدراسات الأرمنية كأحد فروع علم الاستشراق في مدينة حلب، بغية دراسة اللغة الأرمنية والأدب الأرمني دراسة اختصاصية كمصدر لا يُستغنى عنه في العالم العربي. بل ومن الضروري أن يتابع الجيل الجديد والشبيبة عِلم الاستشراق والدراسات العربية والأرمنية بجديةٍ تامةٍ باعتبارها جسراً فكرياً ثابتاً يربط الشعبين العربي والأرمني.‏

5 ـ لقد اتسم التعايش الأرمني ـ العربي بنقلة جديدة في بداية القرن العشرين، إبان التهجيرات الأرمنية الكبيرة من أرمينيا التاريخية، فاستقرّ الأرمن في البلاد العربية وهم يكنّون لها وللشعب العربي كل الحب والوفاء، ومستعدون للتضحية والفداء من أجلها ومن أجل حقوقها المشروعة، ذلك لأنهم يقيمون وجودهم بحضور مبدع وخلاق في هذه العائلة الكبيرة التي تضم العديد من الشعوب وبكلمة واحدة تسمى “الشرق”.‏

المطران شاهان سركيسيان – مطران الأرمن الأرثوذكس لأبرشية حلب وتوابعها.

(المقال منشور في مجلة الآداب العالمية – منشورات اتحاد الكتاب العرب، 2005)

Share This