الميادين: “الأرمن يحتفلون بعيد الميلاد… وفرحة حلب مختلفة”

كتبت سمية الحاج حسن في “الميادين” أنه على رجاء تجديد الإيمان تحتفل الكنيسة الأذرثوذكسية الأرمنية الرسولية في السادس من شهر كانون الثاني/ يناير من كل عام بولادة المسيح، في حين تحتفل الطوائف الأخرى بعيد الغطاس. وبهذه المناسبة ينقل الأرمن الشعلة من الكنيسة إلى البيت، لتجسد تلك الشعلة النور الذي أنار الطريق للمجوس للسير باتجاه الطفل يسوع. فهي رمز النور لنجمة بيت لحم.

بولادة الرسول المخلص في مذود بيت لحم، انقشعت ظلمة الليل. يسوع المسيح هو النور الحقيقي، أنار العقول بالحقيقة، القلوب بالحب، والضمائر بصوت الله في أعماق الأنفس. جاء السيد المسيح يدعونا إلى المحبة والحق والرحمة والإيمان، وليوطد وينشر السلام على الأرض ويخلص الإنسان من سطوة الشيطان والخطيئة ويردّه إلى الفردوس… وأعظم ما أتى لأجله المسيح هو الحب… الحب بكل معانيه… لأن “الله محبة”…

عيد الميلاد يبعث الفرح في كل مكان وفي أي تاريخ كان، إلا أن له رونقاً آخر لدى الطائفة الأرمنية، هؤلاء الذين اضطُهدوا وتهجّروا طوعاً وانتشروا في أرجاء العالم، حوّلوا ألامهم إلى عيد تخظى حدود أرمينيا.

على رجاء تجديد الإيمان تحتفل الكنيسة الأذرثوذكسية الأرمنية (الرسولية) في السادس من شهر كانون الثاني/ يناير من كل عام بولادة المسيح، في حين تحتفل الطوائف الأخرى بعيد الغطاس. وبهذه المناسبة ينقل الأرمن الشعلة من الكنيسة إلى البيت، لتجسد تلك الشعلة النور الذي أنار الطريق للمجوس للسير باتجاه الطفل يسوع. فهي رمز النور لنجمة بيت لحم.

إختلاف العيدين

يعتبر الأرمن بحسب مراجعهم أن السادس من كانون الثاني / يناير هو العيد الأساسي لولادة المسيح. ولكن في عهد الإمبراطورية الرومانية استُبدل الإحتفال الشعبي الكبير الذي تفرح فيه الجماهير”عيد الشمس”، والذي يصادف في 25 كانون الأول/ ديسمبر، بقرار من الأمبراطور قسطنطين، ليتم بذلك الإحتفال بعيد الميلاد المسيحي بدلاً من عيد ميلاد النور الوثني، لأنّ المسيح هو النور الحقيقي للعالم، ولهذا أصبح عيد الميلاد في 25 كانون الأول/ ديسمبر.

هذا التدبير الذي فصل العيدين على خلفية تاريخية محلية تخصّ الأمبراطورية الرومانية فقط، انتشر فيما بعد لتتبعَه أغلبية الكنائس.

في المقابل، بقيَت الكنيسة الرسولية الأرمنية تعتمد يوم السادس من كانون الثاني/ يناير كعيد للميلاد، وهذا لا يعني أنّ الذين لم يتبعوا هذا التدبير، هم على خلاف معه، إلا أنهم لم يجدوا سبباً لتغييره وأحبوا الحفاظ على العيد الأساسي وعلى هذه الخصوصية. يختلف التاريخ وتتعدد التقاليد، إلا أنّ هذا العيد بالطبع هو عيد “مجيد”.

العادات والطقوس

يقول رئيس ديوان بطريركية الأرمن ختشيك دديان لـ الميادين نت  “إن هذا العيد يأتي لتجديد الإيمان عند أبناء الكنيسة والترابط بين الله والإنسان”، كما يشير إلى “أن الشجرة والزينة هي أمور رمزية – مادية وثانوية لبعث الفرح قي قلوب الأطفال، إنما الأساس هو القدّاس والصلاة والتراتيل التي تقام ليلة العيد كما وإشعال الشموع لما في ذلك من أثر روحاني ومعنويّ في قلوب الناس”.

في هذا اليوم، وبعد صلاة الميلاد تجري عملية مباركة الماء الذي يرمز إلى معمودية السيد المسيح في نهر الأردن. ويتم توزيعها بالصليب والميرون المقدس على الناس .وفي اليوم التالي كما في جميع الأعياد الرئيسية يتم إحياء يوم ذكرى الموتى. ولهذا الأخير مكانته ليوم الدينونة، ولذا تفرض شريعة الكنسية إحياء تذكار الموتى بعد الأعياد الكبيرة في التقويم الكنسي، كالميلاد والفصح والصعود، أي الأعياد المتصلة في مفهومها الديني بحياة المسيح وموته وقيامته.
تختلف الأصول التي أتى منها  اللبنانيون، إلا أن الأرمن هم الوحيدون الذين لا زالوا يحافظون على العادات الأرمنية في الأعياد والمناسبات.

منطقة برج حمود في ضواحي العاصمة اللبنانية بيروت التي تتذكر الطائفة الأرمنية فيها كيف بشرّت الملائكة في بيت لحم الرعاة بولادة “ملك الملوك”، ورنّمت لولادة المخلص، لذا تجول جوقة الكنيسة في ليلة العيد مرنّمة بين الأحياء، لتستمر حتى ساعات الفجر الأولى. ويُعرف أن هذا هو تقليد اتّبع في أرمينيا منذ ما يزيد على ألف سنة. هكذا قالت الشابة العشرينية ساندرا مقسجيان، إضافةً إلى التزامها بالطقوس السائدة من حضور القداس والترانيم بما في ذلك تلاوة الآية من الإنجيل التي تحكي هذه القصة.

ويضيف الشاب الأرمني من المنطقة نفسها خاتشيك غصن أن لهذا العيد الذي وُلد فيه يسوع، أهمية كبيرة في تاريخ المسيحيين عموماً وعند الأرمن خصوصاً الذين يؤدون كل الطقوس باللغة الأرمنية.

ويؤكد الدكتور جريجوار كاسبيان لـ الميادين نت أيضاً أن “لهذا العيد قدسية خاصة تحديداً لدى الأرمن فهم أول من اعتنق المسيحية، وكانت أرمينيا الدولة الأولى التي اتّخذت المسيحية ديانة  رسمية لها في العام 301 ميلادي. وتختلف هذه الأخيرة مع العادات الغربية حيث تكون هذه لحوالى 3 أو 4 ساعات أما في الغرب فتكون لنصف الساعة. وهذه الطقوس الشرقية أقدم بكثير من تلك الغربية بمئات السنوات. وما يقام عشية العيد يعبّر عن انتقال النور من الكنيسة إلى البيت كغفران عن الخطايا ولطهارة البيت”.

وإذّ شكر الميادين نت على اللفتة التي خصّ بها الأرمن في عيدهم ، أشار كاسبيان إلى “إننا نحتتفظ بهذه  العادات لنبقى متميزين عن غيرنا”.

يجسّد العيد بالنسبة إلى الكثيرين السلام والمحبة وهو لا يكتمل إلا بمساعدة الفقراء، لذلك تعمد الجماعات الشبابية الناشطة في مختلف الرعايا الأرمنية إلى جمع التبرّعات والمساعدات الغذائية لتوزيعها على من هم أكثر حاجة إليها.
مناشد للعودة…. عبر الميادين نت

اللافت أن أحداً ممن سبق أن تحدثنا معهم لم ينس أن يذكر معايدة لإخوانه في حلب التي عاشت الكثير من القهر…فهم لا يريدون تهجيراً ثانياً، وتكفيهم تلك القضية العظمى لغبادة الأرمن عام 1915. وهنا يقول دديان “بالنسبة لحلب فقط سقط لنا العديد من الشهداء والضحايا ونحن نأمل أن يبقوا في أرضهم وأن يعود من تهجر.

وفي هذا الصدد قال المتحدث باسم مطارنة الأرمن الأورثوذكس في حلب وعضو مجلس الشعب المستقل عن مدينة حلب جراير رئيسيان لـ الميادين نت إن “هذا العيد مميز جداً لأننا دخلناه بالتزامن مع تحرير حلب فصرنا  نحتفل بعيدين، وانتقل الناس بذلك من الألم إلى الأمل”.

إضافةً إلى زيارة الكاثوليكوس لبيت كيليكيا للكنيسة الأرمنية المطران آرام الأول كشيشيان لتهنئة الشعب بالعيد والنصر ودعمهم للإنتقال إلى البناء والتعمير. كما صلى لأرواح الشهداء وشفاء جرحى الوطن، ومن أجل العودة إلى الحياة الطبيعية في أقرب وقت.

وأكد رئيسيان أن حلب التي تعدّ رمزاً للمحبة ستصبح رمزاً لإعادة الحياة والأمن بجهودٍ مشتركة بين كافة أبنائها.

وناشد المطران أهل سوريا عموماً وحلب خصوصاً للعودة إلى وطنهم. وسيشمل ذلك إعادة بناء كل المعالم الدينية المسيحية منها والإسلامية على حدّ سواء.

 “هذا العيد مختلف جداً عن الأعياد خلال السنوات الماضية، هذا أول عيد لنا نحتفل فيه من دون خوف ورعب من القذائف… عدد الناس في الكنيسة يوم العيد كان كبيراً جدا، لأنهم أحسوا بالأمان بعدما تحررت حلب..” هكذا أعرب الشاب الحلبي الأرمني فاهان يغيان بفرح. واعتبرأن “زيارة الكاثوليكوس دفعة معنوية كبيرة للمسيحيين بشكل عام و الأرمن بشكل خاص في حلب حيث يتمركز أغلبيتهم، و هو كان دليل واضح لدعم الشعب الأرمني بأرمينيا لإخوتهم في سوريا”.

“هذا النور المشعّ سيبقى ساطعاً مهما اشتدت الظلمات في العالم، وما أكثرها سيّما ظلمة الحرب والعنف والإرهاب، ظلمة الألم والمرض، ظلمة الفقر والتهجير”… هكذا حدّثنا الإنجيل المقدس، وكما بشرنا الله بفرح عظيم تمثل بنور المسيح في القلب والعقل والإرادة، كلنا أمل بأن يبشرنا بسطوع فجر السلام على العالم أجمع…

Share This