معركة “فارتانانتس” .. وعيد قائد الجبهة فارتان ماميكونيان

 

في القرن الخامس ميلادي، كانت أرمينيا مقسومة إلى قسمين: القسم الشرقيّ تحت السيطرة الفارسيّة والقسم الغربيّ تحت السيطرة البيزنطيّة.

وفي تلك الحقبة كان لابد من تدخل العناية الإلهيّة لإنقاذ الشعب من هذا الاستبداد، وها قد حصلت المـُعجزة، ألا وهي ولادة القديس ميسروب ماشدوتس عام 361م، الذي آمن بأنَّ لا خلاص للشعب الأرمني إلا بإيجاد أبجدية خاصّة به؛ لكي يحوّل الشعب عن ممارسة العادات الوثنيّة ويبدأُ بالصلاة باللغة الأرمنيّة.

وهكذا جاء المـُنقذ القديس ميسروب للشعب الأرمنيّ مُوجدًا الأبجدية الأرمنيّة عام 405، بدعم من ملك أرمينيا في تلك الحقبة فرام شابوه؛ والكاثوليكوس ساهاك بارتيف، الذين بعونهم تمّ إكتمال الأبجدية وإنقاذ الشعب المسيحيّ الأرمنيّ للتخلص من العادات الوثنيّة السائدة.

إن هذا الإنجاز العظيم الذي قام به الأرمن، والذين من خلاله أثبتوا وجودهم وتمسّكهم بقوميتهم، وإنفتاحهم في المجالات الفكريّة والثقافيّة والدينيّة. أثار غضب الفرس حتَّى أنهم حاولوا فرض سيطرتهم وديانتهم الزرادشتيّة على الشعب الأرمنيّ، ولكن كما نعلم أن هذا الشعب كان يرضع القوميّة والتّمسّك بالأرض منذ طفولته، عوضًا عن التخلّي عنها، وهذا كان رد الأرمن أنهم فضلّوا الموت على أن يعيشوا حياةً خارج عن معتقداتهم وتقاليدهم. لذلك لم يرضخوا لمطالب الفرس.

فمن هذا المـُنطلق خاضَ الأرمن معركة «Avarayr، أفاراير» والتي يُطلق عليها أسم جبهة «Vartanants، فارطانّاتس». تخليدًا لإسم قائد الجبهة فارتان ماميكونيان، حيث قادوا المعركة في حقل أفاراير قرب نهر دغمود، بقوات غير متكافئة، فالجيش الأرمنيّ كان لا يُعادل ثلث الجيش الفارسي.

انتهت المعركة بخسارة الأرمن، وقدّموا شهداءً لأجل الدين والوطن، وكان لهم الربح الأكبر بدماء شهدائهم. صحيح أن الجيش الأرمنيّ خسر المعركة ولكن ربح العالم، لأنّه إستطاع إفشال المشروع الوثني الذي كان مُخطط لانتشار التوسع الفارسي. فلو لم يقف الأرمن في وجه الفرس، لأصبحت الديانة الوثنية الزرادشتية ديانة العالم الأوربي. إذن تدين أوروبا لشعبنا الذي ضحّى بآلاف الشهداء ومنعوا بدمائهم، من وصول الفرس إلى أوروبا.

حصلت معركة أفاراير في 26 أيار عام 451 ولكن الكنيسة الأرمنية تُحيي هذه الذكرى كل سنة في الخميس السابق للصوم الكبير، لكي يمارس الشعب الأرمني الصوم، بإرادة صلبة وصمود متمسكًا بدينه وأرضيه، على مثال فارتان ورفاقه.

كتب الأب يغيشه، المؤرخ والشاهد عيان، وقائع المعركة بتفاصيلها من خلال كتابه الخالد «لأجل فارتان ومعركة الأرمن» Vasn Vartan yev Hayots Baderazme إذ قال في مستهلّ حديثه عن المعركة: «الموت الغير الإرادي موت، أما الموت الإرادي فهو خلود»، أي أن فارتان و1036 شهيد أصبحوا خالدين، وباستشهادهم مجّدوا الشعب الأرمنيّ برُمّته. وهذا الشعار أصبح لدى الأرمن رمز القوة والشجاعة لكل حروبهم.

الأخ جوليان أصطفان

إكليريكي في دير سيّدة بزمّار

Share This