96 عاما على المجزرة الأرمنية: قضية تتحدى الشيخوخة…

بولا أسطيح – “خاص النشرة”

تدخل مارسيل حلو (لبنانية – 26 عاماً) في 10 آب المقبل المجتمع الأرمني من بابه العريض، اذ تتزوج بهاروت برجكيان (أرمني- لبناني) لتصبح فردا في العائلة الأرمنية الكبرى التي رفضتها في مراحل أولى لتعود وتتقبل فكرة أن لا مفر من حب حط رحاله بين اللبنانية مارسيل والأرمني هاروت ليتحدى كل التقاليد الارمنية السائدة والتعصّب للأصول المتجذر لدى البعض.

وتقول مارسيل: “هم يرفضون عادة أن يقترن أبناؤهم بفتيات غير أرمنيات ولكنّهم يفضلون ألف مرة أي فتاة اجنبية، أوروبية كانت أو أميركية على اللبنانية الأصل وأنا لا زلت أجهل السبب”. وتضيف بحسرة: “لا زالوا حتى الساعة يلقبونني بـ”بنت العرب” وهم حين يستقبلون ضيوفا أرمن بوجودي يتحدثون الأرمنية رغم علمهم أنني أجهلها”.

مارسيل توجهت ومنذ فترة الى احدى المدارس في منطقة برج حمود لتعلّم اللغة الأرمنية التي يصر خطيبها الارمني على أهمية وضرورة نقلها الى أولادها. “أطفالنا في المستقبل سيذهبون الى مدارس أرمنية وسنحاول نقل التراث والعادات الأرمنية التي نعرفها اليهم” هذا ما تَوافَقَ عليه زوجا المستقبل فاللغة تبقى العنصر الأهم والأساس الذي يصر ويسعى الأرمن لنقله الى الأجيال الطالعة.

مارسيل ليست الفتاة اللبنانية الأولى ولن تكون الأخيرة للانضمام الى المجتمع الأرمني فالعلاقات التي تجمع الأرمن باللبنانيين أصبحت أبعد وبكثير من علاقات الصداقة والزواج، مع تحول أرمن لبنان لمكون أساسي من المجتمع اللبناني وانخراطهم في كل تركيبات الحياة اللبنانية دون استثناء.

لمحة تاريخية عن أرمن لبنان

إن الهجرة الفعلية للأرمن الى لبنان بدأت خلال عامي 1895- 1896 حين عمد الآلاف منهم الى الهرب من ارمينيا الغربية الى مختلف انحاء العالم ومنها لبنان. واثناء المجازر في كيليكيا عام 1909، تضاعفت هذه الهجرة عبر الساحل السوري باتجاه لبنان، وخلال الحرب العالمية الاولى. وسكن الارمن في بداية تهجيرهم في مخيمات انشئت في بيروت في مناطق مار مخايل وتشارتشابوك، حيث كانت الاحوال الاجتماعية والاقتصادية للاجئين سيئة للغاية. ومع مرور الزمن، أخذ الأرمن بالتوزع والانتشار في مختلف أرجاء لبنان، وهم يعيشون بكثافة في محافظات بيروت وجبل لبنان، كما يتوزعون في البقاع وعنجر وجبيل وطرابلس. أسسوا المدارس والجمعيات الثقافية والرياضية والخيرية والصحف والكنائس، وبرع الارمن في لبنان في مجالات الصناعة الذهب والميكانيك والالمنيوم والتجارة والمحاماة والهندسة والطب. وانخرط رجالات الارمن في الحياة البرلمانية والسياسية، وكان ذلك في عهد المتصرفين الارمن. وقبل ان ينال لبنان استقلاله، عرف المجلس النيابي عددا من النواب الارمن. ويصل عدد النواب الارمن في البرلمان اللبناني اليوم الى ستة نواب. ويصل عدد الارمن في لبنان الى حوالي 150 الفاً.

أين أرمن لبنان من الغزو التركي؟


لا يختلف اثنان على أن الموضة والمسلسلات التركية تغزو المنطقة العربية وبالتحديد لبنان بشكل غير مسبوق، فاللبنانيون الذين أصبحت اسطنبول وجهتهم الدائمة لاستيراد الملابس هم من اشد المتعلقين بمجريات أحداث المسلسلات التركية وأبطالها. فاين أرمن لبنان من هذا الغزو؟

تنتظر فيكي (32 عاما) أرمنية تسكن في منطقة جل الديب وبفارغ الصبر أحداث المسلسل التركي “العشق الممنوع” التي تتابعه عبر قناة Mbc4 ، فالمسلسل الذي شارف على نهايته سمّر الآلاف في بيوتهم لمتابعة اطلالات بطلته سمر ووالدتها فيروز اللتين تحولتا لنموذج يُحتذى في الأناقة. هنا تقول فيكي: “بغض النظر عن أن المسلسل تركي وأبطاله من الأتراك الا انني وعائلتي متعلقون به الى أبعد الحدود. قد يصح ما يحكى عنا أننا متعصبون نوعا ما لكن هذا لا يعني ألا نقدّر الابداع والتقدم الهائل في مجال صنع المسلسلات التركية”.

فيكي التي لا تنكر أنّها تسعى جاهدة لتقلّد البطلة سمر بكثير من اطلالاتها، تجد بعض الصعوبة في ايجاد بعض الأكسسوارات التي تجمّل وبرأيها الطلة ولا تنكر انّها ستزور قريبا اسطنبول بهدف التبضع.

آني (45 عاما) صاحبة أحد المحال التجارية في برج حمود لا ترى عيبا بقيامها باستيراد بضاعتها من تركيا وتقول: “الحياة يجب أن تستمر ولو لم يكن لنا مصلحة أكبر من الأتراك في هذه العملية لما كنّا لننفعهم يوما. استيراد البضائع من الصين أو من أوروبا يعود علينا بتكلفة كبيرة لا نتحملها كما لا يتحملها الزبون اللبناني وبالتالي نرى بالبضاعة التركية حلا عمليا يعود بالفائدة علينا”.

مطالب الأرمن: اعتذار، اعتراف واستعادة الأرض

“سنقاوم ولن نستسلم وقضيتنا تتفاعل ولن تموت” هذا ما يؤكده هاروت (26 عاما) الذي يعدد المطالب الأرمنية من الدولة التركية: “نريد أولا اعترافا بالقيام بالمجزرة من ثم اعتذارا واضحا وعلنيا ليليه اعادة لكل أراضينا المغتصبة ودفع التعويضات اللازمة للمتضررين”.
مارتين أزنافوريان (50 عاما) ترى بالاعتراف والاعتذار وسيلة وحيدة للعفو عمّا قامت به السلطة العثمانية وتضيف: “نحن بالنهاية مسيحيون وجاهزون للغفران اذا ما قامت تركيا بواجباتها تجاهنا. نحن لا نكره الشعب التركي ولكننا نحمّل دولته كامل المسؤولية عمّا قام به الحكام السابقون ولذلك ندعو الشعب التركي للتضامن معنا والضغط على حكومته للاعتراف بما اقترفته أيدي أجدادهم”.

بقرادونيان: لو تمت معاقبة تركيا لما كنا نشهد المجازر في فلسطين وليبيا وغيرهما
سياسياً، شهد هذا العام زيارة رئيس الوزراء التركي رجب الطيب أردوغان الى لبنان وما رافقها من احتجاجات أرمنية هنا وترحيب وتهليل لبناني هناك. النائب عن حزب الطاشناق هاغوب بقرادونيان يرى أن “المواطن اللبناني يجب أن يسبق الأرمني في الدفاع عن القضية الأرمنية وحقوق هذا الشعب خاصة أن اللبناني عانى ما عاناه من ظلم في عهد السلطنة العثمانية وليس تمثال الشهداء في وسط بيروت الا أكبر شاهد على كل المجازر التي اقترفت بحق الشعب اللبناني”.

ويقول بقرادونيان: “كما تتم المطالبة بالحقيقة من خلال محاكم دولية يجب عدم اغفال أن هناك حقيقة كبرى تأبى تركيا الاعتراف بها ولذلك على الشعب والدولة اللبنانية الانضمام الينا للمطالبة بها”.

ويقرأ بقرادونيان في مصادفة الذكرى الـ96 للمجزرة مع عيد الفصح المجيد “رمزا لقيامة الشعب الأرمني الذي ناضل ولم يرضخ لمحاولة ابادته والذي يقف اليوم شاهدا على أن الابادة لم تنجح يوما بحجب شعب بأكمله عن خارطة العالم” ويضيف: “في هذا اليوم نتذكر كل الشعوب المضطهدة والتي خرجت اليوم لتثور مطالبة بحريتها وبحقها بتقرير مصيرها. لو تمت معاقبة تركيا لما كنا نشهد المجازر في فلسطين وليبيا وغيرهما ولما شهدنا مجازر رواندا. الجمهورية التركية هي استمرارية للسلطنة العثمانية بحقوقها وواجباتها وبالتالي عدم معاقبة المجرم بمثابة مكافئة للمجرمين المستقبليين”.

ويؤكد بقرادونيان أن “القضية لا تزال هي هي ولم تتغير لجهة المطالبة بالاعتراف بالمجزرة من قبل تركيا، الاعتذار والتعويض” ويضيف: “نحن اليوم نناشد العالم العربي الذي عانى ما عاناه في عهد السلطنة العثمانية عدم تصديق أن هناك تغييرا حقيقيا في تركيا. فتركيا اليوم تسعى لتحقيق الحلم العثماني ولكن بوسائل مختلفة من خلال خلق دور ثقافي سياسي اقتصادي لغزو المنطقة وهو ما يجب ردعه وبأي ثمن”.

23 نيسان 2011

النشرة

Share This