لهذه الأسباب… على الشعب الأرمني أن يغفر

في ذكرى الإبادة الأرمنية في نيسان من كل عام، ينشط الحديث عن القضية الأرمنية بطبيعة الحال حيث يجدد الشعب الأرمني التزامه ومتابعته لقضيته المحقة بغية التوصل إلى العدالة المنتظرة والخواتيم المنصفة. ولكن هناك بعض الأصوات والأوساط تناشد الشعب الأرمني والقوى الأرمنية بنسيان الماضي وفتح صفحة جديدة مع الأتراك والنظر إلى المستقبل والعيش بسلام والأهم من ذلك المغفرة والتطبيع مع الدولة التركية وريثة السلطنة العثمانية، وهي لا شك عناوين إنسانية لا أحد يستطيع تجاهلها، ولكن قبل نقاش تلك العناوين لا بد أولاً من التطرق لحقائق تاريخية تتعلق بالإبادة الأرمنية والآثار الكارثية التي لحقت بالشعب الأرمني منذ العام 1915 وإلى يومنا هذا…

الشعب الأرمني كان يعيش منذ آلاف السنين في موطنه الأصلي وأراضي آبائه وأجداده في مدن وبلدات تعتبر القسم الغربي من أرمينيا التاريخية التي جرت غزوها قبل سبعمائة عام ونيف على يد المتوحشين الهمج القادمون بالسيوف والخيول من مناطق آسيا الوسطى وتحولت منذ ذاك إلى ما سمي بالسلطنة العثمانية. وبنتيجة فعل الإبادة تم سلخ الشعب الأرمني عن موطنه وحُرم من أراضي أجداده ومن ممتلكاته وبيوته وحقوله، وجاء الآخرون واستوطنوا قرى ومدن الأرمن، سرقوا ونهبوا ممتلكاتهم وبالتالي حرموا الشعب الأرمني من ثرواته المكونة من آلاف السنين. فقدَ الشعب الأرمني تعبه وجهده المتراكم على مر العصور حيث الآخرين استولوا عليه بشكل هيّن وعلى البارد المستريح. خسر الشعب الأرمني الموروث الثقافي والحضاري العظيم التي كان يتميز بها لأن ثمة همج ووحوش دمروا وشوهوا الإرث الثقافي والحضاري للشعب الأرمني من اوابد وآثار تاريخية هامة من كنائس وأديرة ومدارس وقلاع منتشرة على كامل موطنه. ذُبح وقتل ثلثا سكان الأرمن داخل ما يسمى “السلطنة العثمانية” والثلث الباقي تشتت وتعذب في أنحاء العالم وبدأ من الصفر محروماً من وطن أجداده. وهناك حقيقة صادمة يجهلها الكثيرون وهي أن بدون الإبادة والترحيل النمو العددي للشعب الأرمني وبحده الأدنى كان سيكون 25 مليون أرمني (بكل ما كان سيعنيه ذلك من ثقل سياسي واقتصادي وثقافي) فقط في القسم الغربي من ارمينيا التاريخية التي تعرضت للتطهير العرقي.

الشعب الأرمني بطبيعته شعب محب، مسالم ويتمتع بالقيم الإنسانية والأهم من ذلك وكأول شعب أعتنق المسيحية رسمياً كدين دولة الأرمن هم شعب مؤمن يتّبعون التعاليم المسيحية بالمغفرة، التسامح، ممارسة الأخلاق الحميدة ونشر المحبة والسلام. لذلك الشعب الأرمني عليه واجب ديني بالدرجة الأولى ومن ثم أخلاقي وإنساني بمغفرة ومحبة من أساء إليه ألا وهم العثمانيين ووريثهم الأتراك. فالمناشدات للشعب الأرمني بالمغفرة ونسيان الماضي وفتح صفحة جديدة من حيث المبدأ عناوين مقبولة ولا أحد يستطيع أن يرفضها. ولكن المسار المنطقي للصلح يقتضي على الطرف المسيء، أولاً الاعتراف بالخطأ ومن ثم الاعتذار وطلب المغفرة، وهو الشيء الغائب إلى يومنا هذا، فالدولة التركية قيادةً وشعب يرفضون مجرد الحديث عن الإبادة الأرمنية لا بل يُجّرم بالمادة رقم 301 كل من يأتي بسيرة الإبادة الأرمنية في تركيا. إذاً السياسة القائمة عند الطرف التركي هي الانكار التام وهذا يعني بالتالي انعدام النية بطلب المغفرة من الطرف الأرمني ضارباً بذلك عرض الحائط أي مسار منطقي لعملية صلح محتملة. إذاً مغفرة الشعب الأرمني بمسألة الإبادة حديث في غير محله في الظروف الراهنة.

بمعنى آخر كيف يمكن الطلب من الضحية مغفرة الجاني حين لا يعترف بجنايته ولا نية لديه بطلب المغفرة…؟؟؟ هل على الشعب الأرمني نسيان الماضي ودماء ملايين الشهداء الذين قضوا في العراء بدون أن يدفنوا حتى وأن يفتح صفحة جديدة مع من أغتصب أرضه ومارس عملية تطهير عرقي لموطنه الأصلي، وكل ذلك من غير مقابل وبدون تحقيق العدالة…؟؟؟ فالعدالة مطلب إلهي والله بكامل رحمته ورأفته يغفر للبشر في حال اعترفوا بخطاياهم وطلبوا المغفرة منه وعملوا بالتوبة. فكيف للشعب الأرمني كبشر المقدرة بأن يغفروا لجلاديهم بمسألة الإبادة بدون الاعتراف بالخطأ وطلب المغفرة…؟؟؟ هل المطلوب من الأرمن أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك…؟؟؟

لذلك على الأطراف الذين يطالبون الشعب الأرمني نسيان الماضي وعدم البقاء أسيراً فيه وفتح صفحة جديدة مع الدولة التركية الوعي أن هذا المطلب غير واقعي في ظل تعنت الجانب التركي وممارسة سياسة الإنكار. وعلى البعض من المعاتبين أو المتضايقين من إلحاح الشعب الأرمني بمسألة الإبادة الأرمنية التفهم أن للأرمن كامل الحق في متابعة القضية الأرمنية والإصرار حتى تحقيق العدالة أي الاعتراف من الجانب التركي بالإبادة الأرمنية والاعتذار للشعب الأرمني والتعويض له، هذا هو المسار المنطقي للحل والصلح الأرمني-التركي. خلاف ذلك يعني استمرار الشعب الأرمني بالمطالبة حتى التوصل إلى قيامة شهدائه القديسين من بين الأموات.

انترانيك ببجيان

Share This