أعمال سينمائية تحدثت عن القضية الأرمينية

أزتاك العربي- نشرت شبكة الأخبار العربية مقالاً بعنوان “في ذكرى مذابح الأرمن .. أهم الكتب والأعمال السينمائية التي تناولت قضيتهم”..واليكم ما جاء في قسم “أعمال سينمائية تحدثت عن القضية الأرمينية”.

المخرج السينمائي الأرميني الأصل والكندي الجنسية أتوم إيغويان كذلك يعتبر إيغويان نموذجا للمؤلف السينمائي. وهو مولود في القاهرة عام 1960 لأسرة أرمينية، هاجر معها إلى كندا عندما كان في العاشرة من عمره، هو أفضل من عبر عن قضية الأرمن في السينما الروائية، سواء بشكل مباشر أو مجازي.

ويعبر فيلم “التقويم” الذي تم إخرجه عام 1993 عن القضية الأرمينية ويقول إيغويان في تقديمه لهذا الفيلم “لقد أردت العثور على قصة تتعامل مع المستويات الثلاثة للوعي الأرميني: الحس الوطني والإحساس بالمنفى والرغبة في التكيف”. ولذا فإن الرجل الذي يعمل مرشدا سياحيا في الفيلم أشوت أداميان هو أرمني، غير أنه ولد ونشأ في أرمينيا وليس في المهجر، أما المترجمة في الفيلم فهي من الأرمن الذين ولدوا ونشأوا في المنفى، وأخيرا فإن المصور الفوتوغرافي أرمني مندمج تماما في محيط ثقافة بلد آخر. وكل شخصية من الشخصيات الثلاث تغطي جانبا من الجوانب الثلاثة التي تتشكل منها شخصية إيغويان نفسه.

ويصور الفيلم كيف يعود مصور فوتوغرافي أرمني الأصل إلى بلد أجداده أرمينيا لكي يلتقط 12 صورة يستخدمها في صنع التقويم السنوي للعام الجديد. وهو يصطحب معه زوجته لكي تترجم له لغة بلده التي لا يعرفها بحكم مولده ونشأته في المهجر، ويستأجر مرشدا سياحيا لمصاحبته في جولته. في النهاية يلتقط المصوّر 12 صورة لكنائس أرمينية وهي الصور التي يحتاجها لإنجاز عمله، لكنه يخسر زوجته التي ترتبط بالمرشد السياحي وتفضل البقاء في أرمينيا.
وبعد عودته إلى كندا بمفرده يجلس المصور يتأمل في التقويم المصوّر ويتذكر الأماكن التي قام صبحة زوجته بزيارتها. وهو يلتقي في موعد محدّد كل شهر بامرأة من الأقليات المختلفة التي تقيم في كندا، يتناول العشاء معها ويمضي الوقت. وعقب العشاء تنهض كل واحدة منهن وتجري مكالمة هاتفية مثيرة جنسيا بلغتها مع شخص على الطرف الآخر، في حين ينهمك هو في كتابة رسالة طويلة إلى زوجته، ويتذكر ما مرّ به من مشاهد أثناء زيارته لأرمينيا من خلال لقطات مصورة بكاميرا الفيديو.

يتصل الرجل بابنته بالتبنّي يسألها ما إذا كانت زوجته قد قامت بزيارتها بصحبة رجل آخر، ويطلب من المرأة التي تزوره في الموعد الشهري أن تكف عن إجراء مكالمتها العابثة الهاتفية وتتكلم معه عن أصولها الأرمينية.
ولا يكف الرجل عن التفكير لحظة واحدة في زوجته التي فضلت البقاء “هناك” في الوطن الأصلي، فهي تصبح الوسيلة الدرامية التي تستدرجه إلى الخروج ولو ذهنيا من حالة “المنفى”، والتمرد على الهجرة الثقافية أو “الاندماج” الذي كان يوهم نفسه طوال الوقت بأنه كفيل بحل أزمته. إن أزمته في الحقيقة تتفجر ولا يبدو أنها ستجد حلا سهلا لها. فقد انقلبت حياته رأسا على عقب.

فيلم “أرارات”

ولأن إيغويان كان دائما مهموما بما تحمله الذاكرة الجماعية للأرمن في المنفى، فقد حسم أمره بعد سنوات من التردد وأقدم على إخراج فيلم “أرارات” 2002، الذي يتناول موضوع المذابح الجماعية التي وقعت للأرمن على أيدي الجيش التركي العثماني عام 1915، وهي أحداث موثّقة وثابتة تاريخيا ولا مجال هنا للتشكيك فيها، وإن كانت التقديرات في أرقام الضحايا تتراوح من 600 ألف إلى مليون ونصف مليون شخص.

و”أرارات” هو اسم الجبل الشهير في شرق الأناضول الذي وقعت قربه المذابح وأصبح رمزا له دلالته في الثقافة الأرمينية المعاصرة. وكان إيغويان قد أشار إشارات عابرة في أفلامه إلى هذا الحدث كما فعل في “الآخرة الحلوة” و”رحلة فيليشيا” وحتي “إكزوتيكا” الذي يسرد فيه بعض أسماء الذين قتلوا في المذبحة.

غير أنه قام في الحقيقة بخلق بناء فني لفيلمه، يجعله يلتفّ قليلا حول الموضوع حتى يبتعد عن التسجيلية المباشرة، ويصنع فيلما عن الآثار النفسية المدمرة التي تسبب فيها التشويه التاريخي والإنكار المتواصل لما وقع حتى بين عدد كبير من الأرمن المهاجرين أنفسهم.

إنه يستخدم تقنية “الفيلم داخل الفيلم” ويواجهنا ببطله المخرج الشهير الأرمني الأصل إدوارد سارويان (يقوم بالدور الممثل الشهير شارل أزنافور) الذي يخرج فيلما روائيا تاريخيا عن المذبحة يستند إلى مذكرات كتبها طبيب أرمني يدعى كلارنس أوشر، أو يومياته عن الحصار الذي فرضه الأتراك حول مدينة فال.

يستعين المخرج بـ”أني” وهي كاتبة السيرة الشخصية للرسام الأرمني الشهير أرشيل غوركي (الذي نراه في الفيلم من خلال مشاهد الفلاش باك) والذي كان يعيش في مدينة فال وهو بعد طفل صغير.

تشرح “أني” للمخرج لوحة من لوحات الرسام تصوّره واقفا مع والدته. لكن العلاقة المحورية في الفيلم تدور بين أني وابنها “رافي” البالغ من العمر 18 عاما والذي يعمل سائقا ضمن فريق الفيلم الذي يتم تصويره في كندا. ونعرف أن والده قتل عندما كان يحاول اغتيال دبلوماسي تركي.

ورغم وعي الشاب بحقيقة تراثه وتاريخه من خلال الصور والأغاني التي يحتفظ بها ويستمع إليها، إلا أنه لا يزال غير قادر على التماثل مع الماضي. يحقق رجال الجمارك مع رافي الذي عاد لتوه من رحلة إلى تركيا زار خلالها الموقع القديم للأرمن في الشرق، وقد أتى معه بعلبة لشريط سينمائي يقول إنه صوره لكي يستعين به المخرج في فيلمه هذا، لكنه يرفض أن يقوم رجال الجمارك بفتح العلبة، ويخضع بالتالي للتحقيق، فيروي على المحققين ما حدث في الماضي من خلال الروايات الشفوية الممتدة من جيل إلى جيل.

ويحاول أتوم إيغويان من خلال شكل الفيلم من داخل الفيلم أن يعيد تجسيد حصار مدينة فال وما انتهى إليه، لكن هذا التداخل شديد التعقيد بين الشخصيات (من الماضي والحاضر) يجعل الفيلم رغم جمال مناظره وأداء ممثله، يدخل دائرة مغلقة في النصف الثاني منه.

Share This