الخاتشكار رمزٌ لجلجلة الأرمن

مقدمة

اتخّذ الأرمن الخاتشكار (الصليب الحجري) بعد إعتناق الدين المسيحي كدين رسمي، رمزاً لقيامة المسيح وانتصاره على الموت، لأن هذا الرمز لا يعتبر تجسيداً للفكر الأرمني فحسب، بل نحت نتيجة وقائع تاريخية التي عاشها الأرمن. ففي كل المعارك التي خاضوها تمثلوا بيسوع القائم من الموت فقاموا بقيامته، واعتنق الملك درطاد الثاني الديانة المسيحية عام 301، وأعلنها دين رسمي في المملكة الأرمنية، فأصبحت أول دولة في العالم تعلن الديانة المسيحية ديانة رسمية لها.

بدأ الأرمن منذ ذلك الحين، بنحت الصليب على الحجر عوضاً عن نحت شجرة الحياة. لذلك سميَّ الصليب المنحوت على الحجر (الخاتشكار)، ويعود سبب نحت الصليب على الحجر لكون الأرمن كانوا يعبدون الأصنام المنحوتة على الحجر، فتحولت عبادة الصنم الحجري، لتعبد للصليب المنحوت على الحجر، ويتميز هذا الصليب بزواياه بتصوير زهرة السوسن، ويوجد مايقارب 50 ألف صليب خاتشكار في جميع أنحاء أرمينيا، لهذا السبب سميت أرمينيا بالمتحف المكشوف. ففي بحثنا هذا سنوضّح كيفية صنع الخاتشكار وإلى ماذا ترمز كل زخرفة منه.

1- رموز الخاتشكار

إن الصليب المنحوت على الحجر هو رمز الشعب الأرمني أي رمز الخلاص للشعب الأرمن، وهذا الرمز أتى من رموز الوثنية، فقبل تسمية الصليب كان الأرمن ينحتون (شجرة الحياة)، ومن بعد المسيحية تحولت هذه الشجرة إلى الصليب، فالخاتشكار إذًا هو من سمات الفن الأرمني المسيحي.

فالخاتشكار ينحت على حجر الدوف [1]، ويحتوي على أشكال هندسية مزخرفة. فالزخرفة تتمثل بالرسومات الحيوانية، كالأسد والنسر والتي ترمز إلى القوة والعزم، كما وتتمثل بالرسومات النباتية وأنواع الفواكه التي تشتهر بها أرمينيا، كالعنب والمشمش والرمان.

فالعنب يعتبر أول حصاد في التقويم الأرمن، لأن التقويم الأرمني يقابل 11 آب بالتقويم الغريغوري، ولذلك فمحصول العنب هو مقدس عند الأرمن لأنه أول محصول يقدمّ للآلهة في التقويم الأرمني. أما بعد اعتناق المسحية وتحديد يوم 15 آب عيد انتقال السيدة العذراء إلى السماء أصبح الأرمن يباركون العنب في هذا العيد. كما وأن الخمر يصنع من العنب والذي يتحول إلى دم المسيح أثناء الذبيحة الإلهية. والمشمش هذه الفاكهة المعروفة والمشهورة عند الأرمن منتشرة بكثرة وتسمى Apricot، فيحتل المشمش مكانة كبيرة في تقاليد و تاريخ الشعب الأرمني.. اذ كشفت العديد من الحفريات أن المشمش يزرع في أرمينيا منذ الألف الرابع قبل الميلاد.. فضلاً عن الاساطير التي تقول أن اول شجرة مشمش كان نوح قد جلبها من فلكه ليزرعها في تربة جديدة حيث حط على جبل آرارات، فالطوفان دمر كل اشجار الفاكهة عدا المشمش. أما الرمان الذي يرمز إلى الخصوبة والازدهار والحظ الجديد، ويعد رمزًا للثقافة الأرمنية كما ويرمز إلى نظام الكرة الأرضية لإنه يحتوي في داخله على 365 حبة، أي عدد آيام السنة.

ينحت في أسفل الصليب ما يسمى دائرة الحياة، والتي ترمز إلى الشمس كما وترمز إلى الأبدية، لأن هذا الدوران، يبدأ من نقطة ويرجع إلى تلك النقطة، بمعنى آخر ترمز إلى الألوهة التي لابداية لها ولانهاية أي سرمدية، وينحت أيضًا في أعلى الصليب سماه القديسين.

ترمز شجرة الحياة إلى الشجرة الأزلية، ففي جنة عدن تسبّب ثمارها بطرد الإنسان من الجنة، أما الصليب فهو سبب خلاص الإنسان ومن خلاله سيعود الإنسان إلى ماكان عليه.

يحتوي الصليب المنحوت على الحجر، على الرموز في كل طرف من أطرافه الأربع؛ فالقسم الأفقي ككل يرمز إلى ملكوت السماوات، يرمز القسم اليمين منه إلى توزيع النعم والخيرات من قبل الله على الشعب، اما قسم اليسار فيرمز إلى عطف الله على الإنسان ومغفرته لخطاياه ولآثامه. ويرمز القسم العامودي في الخاتشكار إلى نزول المسيح إلى الجحيم لخلاص البشر وانهيار سلطان الشرير. كما ويرمز إلى انحدار الروح القدس في السماء أثناء العنصرة لتنوير الكنيسة. كما ويحتوي الخاتشكار على رمز خفيّ، فلو محينا القسم اليساري من الحجر، سنرى حرف (է) باللغة الأرمنية والذي هو الحرف السابع في تسلسل الأبجدية، فرقم 7 له رمزيته الخاصة في الكنيسة ككل؛ فالله استراح في اليوم السابع بعد اتمام خلق العالم، وبالتالي فهو رقم الكمال الإلهي. كما ويحتل الحرف (է) في الثقافة المسيحية الأرمنية على أهمية كبرى، فبالإضافة لما ذكرت، ذكر حرف (է) في الكتاب المقدس، فنذكر سفر الخروج (3: 13- 15)، عند لقاء موسى بالعليقة المشتعلة حيت يسأل موسى عن اسم الذي يرسله لشعب اسرائيل، فيجيبه “أنا هو من هو” فضمير هو الثاني يترجم باللغة الأرمنية إلى حرف (է) فقط، وبالتالي يكون حرف (է) هو اسم الله.

2- مكان الخاتشكار في يومنا

من قوانين نحت الخاتشكار وصناعته، بأنه يوضع في اتجاه الغرب لغرض مهم وهو وقوف الإنسان في الاتجاه المعاكس له، إي اتجاه الشرق، فيكون اتجاه الناظر للخاتشكار في جهة الشرق، حيث شروق الشمس الذي يرمز للحياة ولبزوغ نور المسيح كما ومن أساسات تشييد الخاتشكار، أن يكون موضوع في مكان مكشوف، مظهراً الإتجاهات الأربعة من خلال أطراف الصليب.

بدأ فن نحت الخاتشكار في أوائل القرن الرابع ولقد تهدم قسم منه بسبب الغزوات الأسلامية ومن بعدها الغزوات المنغولية والتتار، وتميزت كل ولاية من الولايات الأرمنية بأسلوب خاص لنحت الخاتشكار. وصل هذا الفن لذروته منذ القرن التاسع إلى القرن الثالث عشر، فأقدم خاتشكار موجود في يومنا هذا يعود للملكة  كادرانيته kadraniteh عام 879م، أما ثاني أقدم خاتشكار فموجود في معبد كارني يعود لكريكور أدرنيرسيه Krikor aderneseh عام 881م.

أُدخل تصميم الخاتشكار إلى الكنائس، فصليب اليد الذي يحمله الكاهن أثناء الاحتفالات الدينية والذي يبارك به الشعب له نفس التصميم، كما وصليب الصدر وصليب التطواف له نفس الشكل، بالإضافة لبدلة الكاهن الطقسية تحمل رسومات صليب الخاتشكار. وبالتالي أصبح الخاتشكار جزءاً مهماً وأساسياً في الفن الكنسي الأرمني، لابل رمز أساس لوجود الأرمن في العالم.

وكما في كل اللوحات والرسومات، كذلك في فن نحت الخاتشكار نرى إحساس النحّات بارز في عمله، بالإضافة لتوقيع اسمه على منحوتته، كما ونلاحظ من خلال إحساسه، مدى ايمانه وتشبّثه بالمسيح، فنرى تواجد الخاتشكار في الكنائس والأديرة والتي تدل على الإيمان المسيحي القويم، أما على المقابر فنلاحظ الرجاء المسيحي في واضع هذا الخاتشكار للشخص الراقد على رجاء القيامة.

أما بعد حدوث أول إبادة في القرن العشرين، أصبح رمز الخاتشكار مُقترن بذكرى الشهداء الذين قضوا في سبيل الحفاظ على إيمانهم المسيحي وقوميتهم الأرمنية. والخاتشكار الشامخ في دير سيدة بزمار والموضوع فوق رفاة الشهداء خير مثال على ذلك.

الخاتمة

حاز الخاتشكار على مكانة مهمة في الرموز الأرمنية في يومنا الحالي بالإضافة لرمزية جبل أرارات، فالإنسان الأرمني عند وقوفه أمام خاتشكار ما في العالم ينتابه شعور مزدوج، فالأول هو شعور بتأثر لما مرّ الشعب الأرمني من صعوبات ومآسي، أما الثاني فهو شعور بالفخر والاعتزاز لأنه ينتمي لشعبٍ وقف على قدميه بالرغم من كل هذه الصعوبات ويتابع مسيرته في سبيل حلٍ عادلٍ لقضيته.

من هنا يعتبر الخاتشكار أساسياً في حياة الفرد الأرمني، ومع إدراك العالم لأهمية هذه الرمزية، شرع أعداء الشعب الأرمني لإزالة هذه الرمزية بهدف محو تاريخ الشعب من خلال إزالة أثارهم. فالدولة الأذرية عمدت على تدمير 5000 خاتشكار من إقليم نور تجوغا nor tchugha المحُتل من قبلها وذلك في 17/12/2010. أما الدولة التركية التي لم تتعب عن طمس الحضارة الأرمنية بكل أنواعها في الأقاليم الخمس عشر المحتلة من قبلها.

فكان تشييد الخاتشكار ضرورياً لكل الأرمن المشتتين في أصقاع الأرض لما ترمز إلى الانتصار على الموت كما فعل المسيح الذي وطأ الموت بالموت.

الأكليريكي وارطان جلّوف

[1]  الدوف: هو حجر يستعمل لنحت الخاتشكار، ويميل إلى الأحمر ويكون صلباً جدًا، وأرمينيا غنية بهذا الحجر.

Share This