رؤية بطريرك الأرمن آرام الأول 2017 عام التجديد في الفكر الإنساني

 

أتيح لي الإلتقاء بقداسة بطريرك الأرمن الأرثوذكس في انطلياس لبنان وكنت في كل مرة يزداد إعجابي بأفكاره وبشخصيته فقد رأيت فيه صفات الإنسانية وتواضعه رغم عظمته ولم أشأ أن أثقل عليه بمداخلاتي لأنني وجدت أن الإستماع إلى قداسته أثمن وأجدى من السؤال .

مع بداية العام  أطلق  قداسته على سنة 2017 “عام التجديد” جرياً على عادته السنوية مثلما كان قد أوصى بسنة 2016  “سنة الخدمة ” وهكذا منذ سنوات وقداسته يسلط الضوء على فكرة وهدف نافعين لحياة الشعوب . وقد أصدر قداسته بياناً مطولاً ملئ بالمعاني السامية والنافعة لبني البشر جمعاء يستحق بجدارة التطرق له ، كما تناول فيه شئون وشجون إنسانية أخرى تطال معظم حياة الشعوب والأفراد ووجدت من المناسب أن أنقل للقارئ العربي بعض من أهم النقاط والأفكار التي وردت فيه.

الدعوة شددت على حتمية التجديد لتشمل  جميع مناحي الحياة المادية والمعنوية والروحانية التي نعيشها وبصورة تؤكد على إنها من إرادة وخلق الله ، فهو الذي خلق الكون كما خلق الإنسان كحارس وراعي له

إن الحياة بجميع تفاصيلها تحتاج للتجديد المستمر والإ سيفقد أي كائن حيويته الداخلية كما سيفقد كينونته ومبتغاه وهذا هدف تؤكد عليه جميع الاديان والنظريات الدنيوية  .إن التجديد هو الدافع للتطور والقوة المستديمة وإنطلاقاً من هذة المقدمة ومن متطلبات حياتنا السائدة جاء الاختيار لعام 2017  بسنة التجديد.

إحتوى البيان على عدة مقولات ، كان من ضمنها فصلاً بعنوان ” عدم التقوقع في أفكار متخلفة ” يطالب فيه بالتمسك بثبات القيم الدينية والوطنية وكذلك مكارم الأخلاق في مواجهة التحديات التي تحيط بنا ودعا إلى الحذر من تلك التغيرات المفروضة والمسيئة بإعتبار إن الإنسان يبقى هو النواة  الفاعلة عند الله من هنا استوجب فكرة التجديد والنظر اليها كشرط مسبق لتجديد العالم والكون .

وفي هذا السياق يرى قداسة البطريرك آرام الأول كم هو صعب على الإنسان أن يقوم  بالتجديد من داخله لكونه مثقل بشتى انواع الهموم والقيود العصرية وهو ما يجعل هذا الإنسان في حالة من الغياب عن ذاته ويفوت فرصة الإنفرد بنفسه والتفكر بحاله. بحيث يساهم  بتدمير نموذجه المشابه لله سبحانه وتعالى وهو الذي خصه به  .

واستشهد بكتاب “هذا الإنسان المجهول ” للمفكر الفرنسي المشهور الدكتور اليكسيس كاريللي والذي يقول فيه بأن الإنسان من غير معرفته  بالله يكون غير مدرك ماهيته ومكامن نفسه . وإن التجديد يبدأ بمعرفة الذات ويقينها بولائها للدعوة الالهية.

ويتطرق قداستة أيضا لأمور دنيوية أخرى منها ما يخص البيئة وضرورة المحافظة عليها ويقول إن العلاقة بين الخالق والمخلوق يجب أن ينظر اليها كوحدة غير قابلة للفصل وإذا كان اليوم هناك خروق في إ فساد بيئة وطبيعة العالم أو الكون . إن الجزء الأكبر من هو نتيجة سوء استغلال الإنسان له.  فلذا يجب الحفاظ والتطبيق السليم للكون وتحسينه وهي مسئولية وواجب الانسان على ما وهبه الله له، ويضيف أن التجديد ليس مجرد تكملة المفقود أو تصحيح الناقص بل السعي من الحسن إلى الأحسن وإن الظروف الحالية لحياتنا الشخصية وأفعالنا وضرورة إعادة التمعن والتفحص وإثرائهم بإمكانيات جديدة وتبني أفكار تأخذنا إلى إيجاد إستحداث أساليب التحول من القديم إلى الجديد والتطلع الموضوعي من الماضي إلى الحاضر والتوجه الصائب من الحاضر إلى المستقبل بنظرة وقناعة  تحديثية مع المواظبة لتصحيح النفس  وامتحان ومحاسبة الذات الدائمة مع اتخاذ هذا الأسلوب بشجاعة كخطة ونهج يصبح ضرورة لابد منها  الآن وكل آوان .

وفي المقطع الأخير يوجه كلامه إلى الشعب الأرمني الذي هو جزء من هذا العالم ويدعوهم فيه إلى الإلتزام بأرفع درجات الاخلاقيات الانسانية والدينية  النبيلة إنطلاقاً من متطلبات همومنا والتزاماتنا وواجباتنا الوطنية الحالية وإن الأفكار التي طرحها   يجب أن يطبقها  شعبنا بكل جدية ومسئولية . وفعلاً إذا لم يرسخ منطلق التجديد بكل نواحيه الفكرية والعملية والروحانية وبتحوله الى منهج دائم للتصحيح والبناء سوف يواجه شعبنا العزلة ويعاني من العوز والركود .  إن التجديد ليس عملاً فردياً ولاعملاً شكلياً ولايجب أن لا يكون كذلك أصلاً بل يجب أن يكون نتيجة إستنباط عميق ومدروس بتمعن  لمحصلة تاريخ الشعوب التي سبقتنا والتي تعيش معنا  ويكون ذات رؤية بناءةً وهدف مقصود واضح الملامح  وإن يكون بنفس الوقت عملي وقابل للتطبيق بأيسر الوسائل .

وأضاف قداسته إن على القياديين والمسئولين والرعاة من شعبنا أن لا يكونوا من المتخلفين مدنياً فاقدي المبادرات الخلاقة الفردية والجماعية وأن لايكونوا متمسكين بجهل بالتقاليد البالية بل يجب أن يكونوا رواد التجديد والتطورالخلاق والتحديث الثابت المستديم يحترموا الأصول وقوانين العيش المشترك الراقي متوجهين بأعينهم نحو التمدن والإزدهار.

ختاماً أرجو أن أكون قد وفقت وبصواب بإيصال جزء من الوصية البليغة والنطق السامي لقداسته.

)كارو)  كيراكوس قيومجيان                                                                                                                       

الكويتgnk@ imcck.com

صحيفة النهار

Share This