إنصاف الأرمن «شعبياً» رداً على سخافات أردوغان

كتب أحمد فؤاد أنور في (صوت الأمة) المصرية مقالاً يتحدث فيه عن التحرك الشعبي في مصفوفة العلاقات الدولية الذي يلعب دورا كبيرا في دعم نفوذ الدولة الخارجي وفي حماية مصالحها، وكثيرا ما تحرك إرادة الشارع المستوى الرسمي في اتجاه معين، ربما كان لا يمنحه أولوية لحسابات معقدة تتغير حين يدخل الرأي العام بثقله في المعادلة، مناسبة الحديث هي استمرار ممارسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حق الشعب المصري برعايته للإرهاب إعلاميا وعبر تصريحات رسمية متكررة، أحدثها ضبط أجهزة اتصال حاولت الجماعة الإرهابية تهريبها لسيناء عبر تركيا، وقبلها رغبة قنصل تركيا في مصر تكميم أفواه المصريين بمراقبة حسابات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي وطلب معاقبة عدد منهم من أساتذة بجامعة الإسكندرية وجامعة دمنهور أيضا، وهو ما يجب ربطه بعمليات قمع غير مسبوقة للحريات في تركيا، وبأدلة كثيرة على دعمه المباشر لداعش منها إقرار أمريكي بمساعدة النظام الأردوغاني في تركيا لداعش، حيث كشف مؤخرا ريتشارد بلاك عضو مجلس شيوخ عن ولاية فرجينيا تفاصيل جديدة عن هذا التحالف الدامي الممتد بأذرعه في سوريا والعراق وليبيا والذي يستهدف أتباعه أو فرعه في سيناء بخسة -باستخدام عبوات مفخخة وأنفاق ودروع بشرية- رجالنا في شمال سيناء، وبعد أن امتدت يد الغدر لنسوة مصريات يتعبدن في سلام داخل كنيسة في قلب القاهرة نجد أن الأمر يستلزم ردا شعبيا مناسبا على تجاوزات وجرائم اردوغان خاصة وأنه هو ذاته يسعى بلا كلل لالقاء القبض على شيخ مسن مريض بلا دليل (أستاذه وحليفه السابق فتح الله كولن)، كما يسعى أردوغان لإغلاق مدارس ابتدائي وإعدادي في مصر وفي أفريقيا وكأنه تلاميذها ومدرسيها وهم بالطبع من جنسيات مختلفة وعلى بعد آلاف الكليو مترات من تركيا يمثلون خطرا عظيما على «عرش السلطان»! وقد حاول مؤخرا اقناع الجامعات المصرية بعدم السماح لاتباع “منظمة الخدمة” بدخولها في إطار ثقافي، وهو الطلب الذي قوبل بالرفض بالقطع، بل وصدر تصريح من أمين المجلس الأعلى للجامعات يرفض تدخلات قنصل أردوغان ويؤكد على استقلال الجامعات المصرية وفقا للدستور، ومن جانبه تقدم محام بمذكرة للنائب العام المصري طالبا فتح تحقيق في تورط أردوغان وكبار معاونيه في دعم الإرهاب في مصر.

ويقول: “التصعيد الشعبي ضد الصلف الأردوغاني الهتلري النزعة نرى ألا يكتفي بسياسة رد الفعل، وأنه يجب علينا في هذا التوقيت أن نبادر بتحرك شعبي أو بالأحرى قرار تاريخي من البرلمان يقضي بالاعتراف بمذبحة الأتراك ضد الأرمن.. وهو قرار يكشف للقاصي والداني أن مصر لديها أوراق للضغط يمكن أن تحمي بها مصالحها، فمصر النموذج جديرة بهذا القرار المرتقب، والأرمن في مصر والعالم ينتظرونه بعد أن خلصت إليه برلمانات عريقة داخل أوروبا (منها البرلمان الألماني) وخارجها، بل والبرلمان الأوروبي ذاته بالإضافة إلى لبنان (منذ عام 2000)، هذا بالاضافة إلى أن هناك شخصيات عامة دولية اعترفت بالمذبحة، بل واعترفت بالمسئولية الجزئية عنها، مثل الرئيس الألماني (وتنبع أهمية هذا القرار في أن ألمانيا كانت أكبر حليف للدولة العثمانية) ومسؤولون أكراد، حيث اعتقل أردوغان مؤخرا أحمد تورك بعد فصله مؤخراً من منصب رئيس بلدية وهو صاحب المقولة الشهيرة «الأكراد استُخدموا في إبادة الأرمن وأيديهم ملطخة بدمائهم ونحن نعتذر منهم».

إن الوثائق تشير إلى أنه بالفعل تم قتل حوالي مليون ونصف المليون أرمني (إجمالي تعداد الأرمن في ذلك الحين كان مليوني نسمة) خلال فترة أعوام 1915-1923. والثابت أن المذبحة الكبرى بدأت يوم 24 إبريل عام 1915 بالقضاء على مئات المثقفين الأرمن وقتل 300 ألف رجل أرمني كانوا يخدمون في الجيش التركي.

ثم بدأ القضاء على النساء والأطفال والشيوخ، فخلال ترحيلهم إلى الصحراء السورية قُتل مئات آلاف الناس من قبل العسكريين والشرطة التركية ومجموعات قطاع الطرق الأكراد، أما الآخرون ففارقوا الحياة نتيجة الجوع والأمراض الوبائية.

الرد الشعبي المصري المقترح والمرتقب يجب أن يضع في الحسبان أن إسرائيل ساندت بالسلاح اعتداءات على قوات أرمينية على الحدود وأعادت التحالف مع أردوغان للعلن. ويضع في الحسبان أيضا أن أردوغان فيما يتعلق بأرمينيا يسير على نهج إسرائيل، حيث ترفض تل أبيب الاعتراف بالمذبحة حتى تبقى أحداث «الكارثة» النازية متفردة، لذا شاركت تل أبيب في الذكرى المئوية للمذبحة مشاركة رمزية فقط، متمثلة في حضور عضوا كنيست بعد أن تلقيا توجيهات من وزارة الخارجية الإسرائيلية بألا يصرحا بما يفيد الاعتراف الرسمي بالابادة الأرمينية وأن يكتفيا بالإعراب عن التضامن وتقدير الألم..

ومن غير المتوقع أن يتغير هذا الموقف في ظل التقارب الإسرائيلي العلني مع أردوغان وعودة السفيرين واجراء الرئيس التركي مقابلة تليفزيونية مطولة وودودة مع التليفزيون الإسرائيلي ثم ظهور نتنياهو على قناة الجزيرة واسقاط أنقرة للدعاوى القضائية ضد أربعة من ضباط الجيش الإسرائيلي، وفي ظل دعم عسكري إسرائيلي علني لطاجيكستان المدعومة أيضا من أردوغان في اشتباكاتها المتكررة مع أرمينيا. وأن الأرمن في المقابل هم جزء نعتز به ضمن مكونات الثقافة المصرية.

دوما كان القرار الشعبي أسرع في التعبير عن العقل الجمعي وضمير الأمة، فلا حسابات معقدة ولا التزامات مكتوبة ولا تعهدات شفوية تقيده. لذا كان القرار منذ مائة عام من شيخ الأزهر ومن العامة بدعم ضحايا مذبحة الأرمن، فأصدر بياناً يحرّم فيه دماء الأبرياء، ورغم أنف الحكم العثماني استقبل المصريون في معسكر بورسعيد أعداداً من الناجين من المذبحة، بل وتم جمع تبرعات لهم عبر حملات منظمة في الصحف السيارة.. ومنذ نحو عام كان الوفد «الشعبي المصري» في مئوية المذبحة هو ثاني أكبر وفد على مستوى العالم.. رغم عدم الاعتراف الرسمي بالمذبحة، وعدم حضور ممثلين رسميين مصريين للحدث التاريخي الذي حرص على المشاركة فيه رسميون رفيعو المستوى من شتى أنحاء العالم.

لقد تحددت الخنادق أخلاقياً وشعبيا وسياسيا أيضاً، وحان الوقت لإنصاف الشعب الأرميني بقرار شعبي رفيع المستوى يطالب الأمم المتحدة والجهات الدولية بتعويض الضحايا عن هذه الجريمة الدولية لتكون صفعة لممارسات ديكتاتور لم يتورع عن سجن آلاف من الصحفيات والمدرسين والقضاة والموظفين والمنتمين لأحزاب تركية شرعية ثم يتجاسر محاولا تلقين مصر دروسا، بل والتدخل المباشر في شؤونها الداخلية! وبالفعل يوجد مشروع قانون متكامل وقع عليه أكثر من ثلاثمائة عضو برلمان -منذ يوليو الماضي- يحتاج للتحريك لعدالته ولكونه سيكون معبرا عن تسامح مصر التاريخي والمستمر مع ضحايا، وكذلك ترجمة لغضب الشارع المصري البالغ من إصرار أردوغان وجماعته على عدم كف أذاه عن مصر والتدخل في شؤونها بشكل غير مقبول وغير مسبوق”.

Share This