برج حمود: ملجأ الأرمن في بيروت

أزتاك العربي- نشرت القدس العربي مقالاً بقلم سارة حطيط تتحدث فيه عن برج حمود، وتشير الى أنه يكفي أن تسير في أزقة برج حمود حتى تكتشف معالم هذا الشارع الواقع شرق العاصمة اللبنانية، بيروت. بيوت بسيطة منتشرة في الحارات الضيقة، بسطات مفروشة على الأرض، محلات تجارية ومطاعم أرمنية موزعة في كل مكان. جدرانها مصبوغة بتاريخ المجزرة الأرمنية 24 نيسان/ابريل 2017، إلى جانبها عبارات تدين الإبادة التي نفذتها الدولة العثمانية. أما الشرفات فترفرف فوقها الأعلام الأرمنية، وتبقى الأحاديث والسوالف التي لا تنكّه إلا باللغة الأرمنية.

وطن الأرمن

يقف كابور كابجيان، إلى جانب ماكينة قهوة الاكسبرس في شارع آراكس ، مُرحبا بكل وافد جديد أو أي فرد من ابناء المنطقة. «نعيش حياة بسيطة، ونؤمن معيشتنا من عرق جبيننا»، يقول كابجيان الذي يسكن في المنطقة منذ أكثر من 40 عاما، إلا أن هذه السنوات كانت شاهدة على تغيير جذري في المنطقة. «كانت برج حمود، منبع الحرف اليدوية، كنا نشتهر بصناعة الأحذية، ونصدر إلى باقي المناطق»، يضيف كابجيان قبل أن يتابع: «لكن، لم تعد كذلك، فكثرت المضاربات، وعمرت أسواق جديدة في بيروت على حساب برج حمود، مما أضعف الحركة التجارية، وأدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي للعائلات في المنطقة».

ولا يخفي كابور الصعوبات التي تواجهه، خاصة مع انتشار نسبة كبيرة للعمال الأجانب، فتجمع برج حمود العديد من الجنسيات السورية، الأثيوبية، البنغلادشية، فـ «نحن بالفعل، نواجه منافسة مع اليد العاملة الأجنبية». كابور، الذي يتمتع بجذور تركيا، من منطقة أورفة الواقعة جنوب شرق البلاد، يقول بكل فخر: «الأرمن هم الذي عمروا وبنوا شوارع برج حمود، أرمينيا بلدي، أحبهما كما أحب وطني لبنان».

على بعد مسافة من بسطة كابور، عند شارع أرمينيا تحديدا، ينظف رجل ستيني، مطعمه المتميز بالنكهات الأرمنية. «هنا، كاراباغ، ملجأي، ومكان عملي»، هكذا يعرف جان مومجيان عن نفسه بعد أن يسرد سبب تسمية المحل: «كانت، كاراباخ منطقتنا، أخذتها أذربيجان من ثم إسترجعناها بقوة السلاح خلال الحرب».

عدا عن المناطق المتنازع عليها في تركيا، كارباخ على سبيل المثال. تحضر عاصمة أرمينيا في شارع مرعش، الموازي لشارع أرمينيا. «يريفان ستور»، المتجر الوحيد الذي يستورد الكحول من أرمينيا إلى لبنان. «تجدون مختلف أنواع الكحول، من نبيذ، وكونياك، المصنوعة في العاصمة الأرمينية، يريفان»، توضح صاحبة المحل آني بودرميان التي ورثت المهنة بعد وفاة زوجها من أجل خدمة أرمينيا ولبنان على حد سواء. ومن دون تردد تقول: «نبيذ أرمينيا، لا ينتج صداع الرأس، ولا يعطش الشارب». بودرميان التي تسكن في الأشرفية، تحلم في العيش في برج حمود المنطقة الأحب إلى قلبها، وتصفها: «هنا، أرمينيا الصغيرة».

تتحدث السيدة الخمسينية اللغة العربية بطلاقة، فهي تعتبر أن أهميتها توازي اللغة الأرمنية. «نحن شعب أرمني بالفعل، لكننا نعيش في منطقة عربية، ولا بد من التحدث باللغة العربية». يوافقها الرأي جارها الأرمني، كارنيغ موكاس إلا أنه يشدد على ضرورة التعلق باللغة الأرمنية «هي ما تبقى لنا من أرمينيا، ويجب المحافظة عليها كي لا يمحى تاريخنا».
ويرى موكاس، أن الشعب الأرمني، والجيل الجديد تحديدا لا يأبه بجذوره ولا يحمل قضية الأرمن. ويقول: « لا يعرفون ماضيهم، ولا يهتمون له، فقط هدفهم العيش والإستمتاع بالحياة».

وعند شارع المساكن، يستذكر عضو حزب الرمغفار، كالوست مكردجيان مخيم «سنجق»، الذي كان يحوي عددا كبيرا من الأرمن فور وصولهم إلى لبنان. «كان المخيم عبارة عن خيم، بدائية أو الأصح تخشيبة، أهلي سكنوا هناك قبالة الكارنتينا، لكن بعد فترة وجيزة بعد إعمار شارع المساكن، قررت البلدية إزالة الخيم ونقل السكان إلى هذا الشارع». لكن المنطقة التي كان يصفها بالآمنة أصبحت «فوضوية، ويسيطر عليها الخوق والقلق».
ويعيد السبب إلى تواجد عدد لا يستهان به من اللاجئين الأجانب. ويوضح:» بعض الملاكين، يقومون بتأجير منازلهن إلى أجانب من الجنسية السورية، فيسكن عشرة شبان داخل بيت واحد، دون معرفة طبيعة عملهم أو حتى أخلاقهم». لذا، وبهدف المحافظة على البيئة الأرمنية يفرض الحزب على السكان الأرمن عدم بيع أو تأجير منزلا إلا لمواطنين أرمن. ويضيف: «هكذا، نستطيع أن نتميز عن باقي المناطق، ونحافظ على جذورنا، وعلى منطقتنا التي أنشأناها منذ عام 1915».

والمحافظة على البيئة الأرمنية لا تكمن فقط من جهة السكن، بل أيضا من نشر اللغة الأرمنية. «جميع أطفالنا يتعلمون الأرمنية، ولدينا العديد من المدارس في المنطقة كي تنشر الثقافة الأرمنية وتعزز الإرتباط بالأرض الأم».
و لم يغفل الشعب الأرمني عن أهمية وجود وسائل الإعلامية، فهناك اذاعتين باللغة الأرمنية، و3 جرائد تنقل الأخبار والأحداث السياسية، كما تبث نشرتين على تلفزيونين محليين باللغة الأرمنية. «لدينا اذاعة «صوت فان» تنطبق بلسان حزب الطشناق، واذاعة «صوت سيفان» لحزب الهنشاك، و3 جرائد: أزداك، آرارات وزارتونك. تصدر باللغة الأرمنية للتأكيد أن الشعب الأرمني لم ولن يزول». يقول مسؤول في حزب الهشناك، فضل عدم ذكر اسمه.

أما عن الحركة الثقافية، فهناك العديد من الأندية التي تهتم بالحركات الطلابية والنشاطات التثقيفية. ويوضح ساهاك مجيان: «هكذا نشاطات تحافظ على التراث الأرمني، كالرقص والفلكلور والأطعمة والملابس. كما هناك مسرح هاكوب دير ملكونيان الذي يقدم عروضا بالطابع الأرمنـي».

برج حمود معقل الشعب الأرمني المهجر الذي تمتاز بمجموعة من الأنشطة الثقافية، وتسعى إلى الحفاظ على تاريخها وجذورها لا تختلف عن باقي المناطق في بيروت، فما زالت تعاني من انقطاع الكهرباء والماء، وعدم اهتمام السلطات المحلية.

 

Share This