الحب.. القتل.. الغرق .. ثلاثية الجرح الأرميني

أزتاك العربي- كتب حاتم عبد القادر في البوابة المصرية عن الذكرى الثانية بعد المائة للمذابح الشهيرة التي ارتكبها الجيش التركي بحق الشعب الأرميني في واحدة من أشهر جرائم الإبادة الجماعية في أعقاب الحرب العالمية الأولى والتي حلَّت في شهر أبريل الماضي. وقد تضمنت جرائم الإبادة بحق الأرمن أبشع صور القتل (والتي كان معظم ضحاياها من النساء والأطفال)؛ حيث ألقي بالأطفال في النيران المشتعلى وهم أحياء.

وبحسب الوثائق التي تمكن الباحثون الأرمن في الحصول عليها وعدد من الأكاديميين المتخصصين في التاريخ والتي أثبتت ارتكاب الأتراك لتلك المذابح والتي راح ضحيتها ما يقرب من مليون ونصف المليون أرميني، إلا أن النظام التركي لا يريد الاعتراف أو الاعتذار عن تلك المذابح التي ثبتت في حقه، بل طلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ترك هذه القضية، وإمعانا في التهرب قال “إردوغان” إنها مسألة بحثية ويجب تركها للباحثين والمتخصصين في التاريخ.

وبمناسبة ذكرى المذابح ضد الأرمن شهدت إحدى دور السينما في القاهرة واحدا من الأفلام المهمة، وهو الفيلم الأمريكي “الوعد” الذي أنتجته عاصمة السينما العالمية “هوليود”، ويحكي قصة الإبادة الجماعية التي ارتكبها الأتراك بحق الأرمن في جبال أرارت، جنوب تركيا، بعد الحرب العالمية.

فقد أبدع كاتب السيناريو روبن سويكورد في توظيف الدراما السينمائية للفيلم في نقل واقع مرير سياسيا وتاريخيا واجتماعيا من خلال قصة حب نموذجية دارت في قالب اجتماعي لم يتخلله سوى قصة في منتهى الجدية، مصبغا عليها قليل من الكوميديا، ليجبر المشاهد على التحفز للمشاهد اللاحقة لكل مشهد، حتى جمع الفيلم بين ثلاثة أقسام متناقضة هي الحب الذي جمع بين بطلي الفيلم، وبين القتل الذي مثل مذبحة الأرمن، وفي النهاية مشهد غرق الحبيبة (بطلة الفيلم) والذي جسد نهاية مأساوية للتفريق بين الحبيب الذي لم ينجح في إنقاذ حبيبته وغرقت في قاع البحر أمام عينيه، لينجو هو يعيش الواقع المر الذي حصد أرواح عائلته جراء المذابح الشهيرة.

تدور أحداث الفيلم حول طالب أرميني يدرس الطب يقع في حب فتاة (تدعى آنا) تعرف عليها في بيت عمه الذي استضافها بعد وفاة والدها، وفي نفس الوقت كانت تجمع علاقة حب بين نفس الفتاة وصحفي أمريكي من وكالة أنباء أسوشيتد برس، الذي كان شغوفا بتغطية الأخبار من مناطق النزاعات والحروب.

وتبدأ أحداث الفيلم الذي يخرجه تيري جورج حين يسافر طالب الطب الأرميني مايكل بوجوشن إلى القسطنطينية لإكمال دراسته، وهناك يلتقي بالصحفي الأمريكي كريس وحبيبته الممثلة آنا، وتتطور الأحداث ليقع “مايكل” في حب “آنا”، وتنتهي المنافسة بينهما مع دخول الإمبراطورية العثمانية في الحرب وقتل الأرمن المسيحيين.

وفيلم “الوعد” لم يكن الأول الذي أنتجته هوليود عن الإبادة الأرمينية، ولكن يعد هذا الفيلم هو الأعلى والأضخم إنتاجا؛ حيث بلغت تكاليف إنتاجه 100 مليون دولار أمريكي، دفعها من حسابه الخاص الملياردير الأمريكي (الأرميني الأصل) كيرك كريكوريان أحد الناجين من عمليات الإبادة، فكانت آخر وصية له أن يرى هذا الفيلم النور ليجسد أمام العالم واقعة تاريخية تشهد على عمليات الإبادة الجماعية التي نفذها الأتراك بحق الأرمن.

ومن ناحية أخرى قام ببطولة الفيلم مجموعة من النجوم الكبار الذين استعان بهم المخرج الأيرلندي تيري جورج والذي تخصص في أفلام الحروب الأهلية والإبادات الجماعية، كان أشهرها الفيلم الذي حاز جائزة أوسكار “فندق رواندا” عن مأساة إفريقية حزينة في البلد الذي أهلكت أغلبيته أقليته، وفيلم “باسم الأب” عن الصراع الأهلي في إيرلندا الشمالية.

فقد قام ببطولة الفيلم الذي تم تصويره في مدينة سينترا في العاصمة البرتغالية، لشبونة، كل من النجوم أوسكار إيزاك (طالب الطب الأرميني)، وشارلوت لوبون (الفتاة الأرمينية)، وكريستيان بيل(صحفي أسوشيتد برس)، وغيرهم.

ومفهوم “الوعد” الذي حمل عنوان الفيلم يشير إلى جماعة تطارد مثلث الحب (مايكل طالب الطب وآنا العاشقة وكريس الصحفي الأميركي الشهير)، وفي هذا الإطار ركز الفيلم على سقوط الإمبراطورية العثمانية وخلود الحب الذي يجمع بين الشبان الثلاثة.

وبعد عرض الفيلم من المؤكد أن موجة من الجدل الدائم حول مذابح الأرمن ستأخذ تداعياتها من جديد، خاصة وأن هناك بعض الباحثين قد قلبوا الآية تماما من أن الأرمن هم من قاموا بالمذابح في حق الأتراك، وهو ما يجعل القضية برمتها مثار خلاف حتى الآن، رغم مرور مائة عام على المذابح البشعة.

وتجدر الإشارة هنا، وبحسب معلومات حصل عليها كاتب السطور أن تركيا مارست ضغوطا على مصر، من خلال قنوات معينة، لعدم عرض الفيلم، إلا أن مصر لم تمتثل لتلك المطالب، ونفس الضغوط قامت بها تركيا على لبنان.

وكان مخرج الفيلم قد صرح قبل عرضه في مهرجان تورنتو الأخير بكندا “إنها قضية منذ مائة عام، تعرضت للطمس ورأيت أنها فرصة رائعة لمحاولة تنوير العالم، وفي الوقت نفسه سرد قصة ساحرة”.

وقال “جورج” إنه مستعد لرد الفعل السياسي بعد خروج فيلمه الجديد للنور، مضيفا: “دعونا نعرض الأمر، هذه هي فكرة الفيلم، دعونا لا نختبئ في الظل ولا نطمس المعلومات ولا تاريخ الواقعة، دعونا نجري نقاشا حولها”.

من ناحيتها تقر تركيا بأن الكثير من الأرمن راحوا ضحية اقتتال بدأ عام 1915 لكنها تنفي مقتل ما يصل إلى 1.5 مليون شخص، وترفض اعتبار ما حدث إبادة جماعية.

 

Share This