عيد الشهداء … درسٌ في ثقافة المقاومة

قوافل شهداء 6 أيار لحقت بقوافل شهداء 24 نيسان

اعتبر السادس من أيار عيداً من الأعياد القومية في سوريا ولبنان لإحياء ذكرى الشهداء الذين صنعوا حرية الوطن. فالشهادة تحظى بمنزلة رفيعة في حياة الشعوب لما تحمله من معاني التضحية من أجل الحرية والوطن. إنها ذكرى التضحيات المشتركة في لبنان وسوريا. وقد تزامن كل شيء مع بدء الحرب العالمية الأولى، فشهد الشعب العربي عهداً من الظلم والمذابح على يد العثمانيين الأتراك. وإزاء سياسة التتريك انطلقت الحركة القومية العربية، وظهرت الحركات الاصلاحية من خلال انتشار الجمعيات العربية السرية في البلاد للتبشير بالحرية والعدالة وبث الروح الوطنية. وتحركت أقلام عبد الرحمن الكواكبي وغيره من المفكرين العرب، أمثال الشاعر إبراهيم اليازجي الذي قال: تنبهوا واستفيقوا أيها العرب … فقد طمى السيل حتى غاصت الركب‏.

طبعاً تفاصيل تلك الفترة لا تغيب عن المراقب. فقد عين جمال باشا قائداً للجيش الرابع في سورية وبسط سلطته على بلاد الشام. وبذلك اتصف الحكم العثماني آنذاك بالظالم نتيجة سياسة التجويع التي شهدتها البلاد العربية. وعمت سياسة التعذيب والبطش كافة المناطق. وربما تحتفظ الذاكرة العربية بما كانوا يصفونهم بـ”بيس عرب” أي “العرب القذرين”. ربما نبرر بـ”عفى الله عما مضى” ! ولكن هل تغفر لنا أرواح الشهداء …

وللأمانة التاريخية، نذكر أن الأمير فيصل تدخل وحاول مراراً إنقاذ الزعماء العرب من المشانق لكن جمال باشا السفاح أصر على القضاء على روح المقاومة والاستقلال، وأصدر أحكام الإعدام بتهمة الخيانة العظمى بحق كوكبة من الزعماء الوطنيين، حيث شنق في 6 أيار عام 1916 عدداً منهم في ساحة المرجة بدمشق أمثال شفيق بك مؤيد العظم، الشيخ عبد الحميد الزهراوي، الأمير عمر الجزائري، شكري بك العسلي وآخرين. وشنق آخرين في ساحة الحرية ببيروت ومنهم جرجي الحداد، سعيد فاضل عقل، باترو باولي، عمر حمد، عبد الغني العريسي، الشيخ أحمد طبارة، توفيق البساط وآخرين. وقد استقبل هؤلاء الموت على المشانق مرددين: “إن الاستقلال يبنى على الجماجم وإن جماجمنا ستكون أساساً لاستقلال بلادنا‏ … نموت لتحيى بلادنا حرة عزيزة‏ “.

يستذكر العرب في سوريا ولبنان عيد الشهداء ويحتفلون به، إذ تقرع أجراس الكنائس ويعلو صوت المآذن وتعزف الموسيقا “لحن الشهيد” أمام أضرحة الشهداء وتطلق المدفعية الطلقات تحية لأرواح أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر. ولأن أكثر من ثلث الذين أعدموا كانوا من الصحفيين سمي عيد الشهداء في لبنان بـ”عيد الصحافة”. ولأن الطاغي واحد والسفاح واحد، فإنها ذكرى قوافل الشهداء العرب والأرمن، إنها ذكرى الطاغي الأوحد.

الأمر لا يختلف عما جرى للأرمن قبل عام من المشانق، ففي 24 من نيسان عام 1915 أصدر الطغاة ذاتهم أمراً بنفي نخبة المفكرين الأرمن من كتاب وصحفيين ورجال دين، وسوقهم الى الأراضي السورية. فسياسة التتريك شملت العرب والأرمن على حد سواء. ولذلك سميت تلك الشعوب بـ”الشعوب الشهيدة”، ولعلها “شهادة مشتركة”. فإذا أعدم الكاتب عبد الغني العريسي على أعواد المشانق في بيروت، وإذا أعدم عضو مجلس المبعوثان والكاتب العربي شكري العسلي على أعواد المشانق في ساحة المرجة بدمشق، فقد سيق زميله الأرمني في المجلس، الكاتب كريكور زوهراب الى الموت بالقرب من الحدود السورية.

واليوم، وبعد مرور 96 عاماً على الإبادة الأرمنية و95 عاماً على المشانق العربية، من الصعب تجاوز تلك التواريخ كإرث تاريخي، ومن الأصعب تجاهل حقيقة الشهادة التي أضحت درساً في التضحية والمقاومة لتلك الشعوب التي تتعايش في نفس المنطقة، ورغم الضغوط الخانقة على الأرض لعل الشهداء العرب يعانقون الشهداء الأرمن في السماء.

تحية إجلال وإكبار لأرواح جميع شهداء الحرية …

ملحق “أزتاك” العربي

6 أيار 2011

Share This