رد المعروف على الطريقة الأرمنية

سوريا هي المكان الأفضل للأرمن

علياء تركي الربيعو – مركدا و دمشق، سوريا

خاص بـ”سايلنت هيروز، انفيزيبل بريدجز “

دمشق- سوريا: في شارع العابد الشهير في سوريا و المميز بأشهى محلات الاطعمة والذهب، يطل محل متواضع الشكل من الخارج معروض في واجهته أدوات علمية بجانبها جماجم لا تحمل اي معنى للناظر، الا انه سرعان ما يثير انتباهك ماوراء هذه الواجهة، رجل أنيق في الخمسينات من عمره يوجه لك بنظرته دعوة للدخول والتعرف عليه. هذا هو غبرئيل جامبرجي أهم رجال الأعمال الارمن السوريين.

في مكتبه المتواضع و الذي يضم 4 كراسي، طاولة، مكتبة صغيرة وهاتف، يدير جامبرجي ثلاثة مصانع لمختبرات علمية وشبكة توزيع ليس فقط داخل سوريا بل أيضا في فرنسا، ألمانيا، هولندا ،كندا و دول الخليج.

قد يكون جامبرجي اليوم مليارديرا لكنه فتح عينيه في أسرة فقيرة في مدينة حلب، حيث يتواجد معظم الأرمن الذين فروا من سفك الدماء في الحرب العالمية الأولى.

جاءت جدته مع والد جامبرجي ذو الخمس سنوات من العمر من كيليكيا في عنتاب، تركيا الى سوريا. يقول” تمكنت عائلتنا من البقاء على قيد الحياة من سفك الدماء لأن مدينتهم كانت قريبة من سوريا”، هذا ما كانت ترويه الجدة على مسماعه دائما.

يتذكر جامبرجي الأيام المريرة في تاريخ الأرمن، ويذكر: “العديد منهم ماتوا جراء الجوع والبرد والأمراض والمشي عراة وحفاة القدمين لعدة أشهر للعثور على قطعة أرض آمنة في سوريا”. Your browser may not support display of this image.

مع سقوط الامبراطورية العثمانية، دخل الجنود الفرنسيين كيليكيا، فسارع الأرمن بالعودة الى بلادهم.و لكنهم سرعان ما عادوا الى سوريا بعدما اتفق الفرنسيون مع الأتراك على الانسحاب من كيليكا عام 1921. و على مر السنين، اندمج 200 ألف أرمني سوري في بلدهم الجديد في الشرق الأوسط. اذ لم تكتفي سوريا باعطاءهم الجنسية فقط ، لكنها سمحت لهم أيضا بفتح المدارس والجمعيات الأرمنية مع الحفاظ على التقاليد المسيحية الشرقية

يوضح جامبرجي التعددية الدينية في المجتمع السوري من خلال احدى حكايات طفولته .اذ يذكر بانه كانت هناك ساحتين للعب في حلب أحدهما بجوار كنيسة والاخرى بجوار مسجد.

يقول جامبرجي و هو يحرك يده اليمنى شارحا الأمر “بعد ان كنا نتتهي من اللعب أنا وأصدقائي المسيحيين والمسلمين كنا نتوجه الى المسجد أو الكنيسة لغسل أيدينا وجوهنا، لم يكن احد يعترضنا و يسألنا لماذ دخلنا المسجد أو الكنيسة فلم نكن نعرف وقتها ما الفرق بين ان تكون مسيحيا أو مسلما” في هذه الاثناء يفتح هاتفه ليريني اسماء اصدقائه المسلمين الذي يؤكد بانهم اكثر من اصدقائه الارمنيين .

يضيف” بدلا من السفر بجواز سفري الارمني أنا اعتز بتقديم نفسي كشخص سوري لذلك أنا أسافر بالجواز السوري “.

ترك جامبرجي مدرسته الاعدادية للعمل اذ ان والده كان من الطبقة العاملة و أراد له ان يعمل بدلا من الدراسة: “في ذلك الوقت اكتشفت اهتمامي بالالعاب والأدوات العلمية”. يشرح و هو يشير الى صورته عندما كان صغيرا، ثم سرعان ما اكتشف في هذا العمر رغبته في العمل في السوق العربية و السورية. يقول” انا أحب كل ما يخص الاطفال لذا بدأت عملي في صنع الاحجيات باللغة العربية حول المعارك العربية ومن ثم صنعت النسخة العربية من لعبة مونوبولي”.

ركز جامبرجي على صناعة الالعاب التعلمية قبل ان يتطور اهتمامه بالعمل على المجموعات الشمسية لإنتاج الطاقة المتجددة الرخيصة. اليوم يعمل لديه 20 شخص في كل من مصانعه الحديثة و المتطورة داخل سوريا و الصين معظمهم سوريون و مسلمون .

تم تكريم السيد جامبرجي من قبل الحكومتين السورية و اللبنانية على حد سواء .

في هذا العام سمع السيد جامبرجي عن ان مطرانية الارمن في حلب تسعى جاهزة لبناء مشفى منذ 15 سنة للتعامل مع خدمات الطوارئ والأمومة . افق جامبرجي على تحمل التكلفة المادية دون تردد. يقع المشفى في قرية يطلق عليها مركدة بشمال سوريا في نفس المكان الذي تمت فيه مجزرة الارمن، و هي منطقة نائية لذا تشتد الحاجة لهذه المشفى التي تبلغ مساحتها 2000 متر مربع، اذ من شأنها أن تنقذ حياة الأمهات الحوامل والرضع على حد سواء. كما سيتم جلب اطباء من ارمينية في كل عام لمدة شهرين الى هذه المشفى، حتى يقوموا بكافة انواع العمليات هناك .

يؤكد جامبرجي بأن الهدف من بناء المشفى هو رد المعروف للشعب السوري الذي ساعد الارمن في محنتهم عنما لجؤوا اليها. يقول ” المشفى هو رمز للحياة بان الشعب الارمني مات هناك و الان تبدأ حياة جديدة مع كل ولادة جديدة”.

السكان المحليون متفائلون من فوائد هذه المشفى، اذ يقول علي محمد، 30 سنة ، صاحب محل للمواد الغذائية “نحن نستحق هذه المشفى كوننا نعيش في هذه المنطقة المعزولة وكون أقرب مستشفى هي حوالي 90 دقيقة من هنا لذا تكثر وفيات الحوادث”.

وكونه الرئيس الفخري لجمعية بيونيك الأرمنية، والتي تعد صندوق تنمية للموارد البشرية، قدم غبرئيل جامبرجي دعمه للتعليم الأرميني أيضا منذ عام 1998 من خلال توفير المدارس ب 600 مختبر كامل لمواد علم الأحياء والكيمياء والفيزياء، مجهزة بمعدات حديثة وأجهزة وكل المواد اللازمة لإجراء الاختبارات.

جامبرجي وجمعيته قدما أيضا للمدارس الأرمنية 300 جهاز حاسوب مع الطابعات، تلقى عنها الميدالية الذهبية للتعليم الأرمني من وزارة العلوم عام 2007 الى جانب ذلك، ساهم مع وفد من البطركية الأرمنية في انجاح وساطة للمصالحة بين الكنائس القبطية والحبشية الأرثوذكسية.

لم يمنعه حتى العداء القائم بين الاتراك و الارمن من زيارة تركيا ان كان بغرض العمل أو السياحة. اذ رافقته زوجته الى جزيرة (اقدمار) للصلاة في كنيسة الصليب المقدس التي تعد رمزا مهما للأرمن كذلك تشكل حساسية سياسية بذات الوقت، وذلك للمرة الأولى بعد انهيار الامبراطورية العثمانية .

وبالنظر الى نطاق واسع لبذل الجهود من كلا الجانبين لحل قضية انعدام الثقة بين أنقرة ويريفان. تعهدت جمعية جامبرجي الخيرية بتقاسم تكاليف اعادة ترميم الكنيسة الأرمنية في تركيا.

الأحداث المريعة التي حدثت للأرمن في الحرب العالمية الأولى، خلفت بعض الغضب والحزن الا أن جامبرجي يملك نظرة مختلفة عن عمليات القتل التي تعرض لها الأرمن في الحرب العالمية الأولى يقول: “الأتراك كانوا لعبة بيد الألمان و لكن هذا لا يعفيهم من تبعات هذا الأمر”. لكنه متفائل بشأن المستقبل في حال اعترف الأتراك بأخطاء أجدادهم.

من المؤكد أن وضع جامبرجي الجيد في سوريا لا يقتصر عليه وحده، فمعظم الأرمن في سوريا يعيشون حياة أفضل هنا من السكان الأصليين. فالعديد منهم شغلوا مناصب في البرلمان في حين أن البعض وصل الى رتب عسكرية عالية في الجيش السوري، و الكثير منهم قاتل الى جانب سوريا في حربها ضد اسرائيل بشأن مرتفعات الجولان المحتلة ما يؤكد انتمائهم للمجتمع السوري.

تعمل آنجيل هارتونيان، زوجة جامبرجي، طبيبة، وهي امرأة متواضعة، بالكاد تتحدث الانجليزية والعربية، وقد عملت جنبا إلى جنب مع غبريل في إنشاء الأعمال التجارية، وكذلك الاجتماعية والعمل والرعاية. وهي مثل أي امرأة نموذجية شرقية، تقول بخجل: “تزوجت غبرئيل بعد قصة حب لأنه طيب القلب و ذكي”. أما ابنهما سركيس الذي يتكلم الارمينية و العربية و الانكليزية، فهو لا يتوقف عن حب مدينته التاريخية حلب التي نشأ بها و يكمل تعليمه هناك.

http://www.silent-heroes.net/arabic/?q=node/102

الصورة: اللمسات الأخيرة لمرفق طبي يتكون من 2000متر مربع في مركدا و هي منطقة نائية تقع في شمال سوريا- صورة علياء تركي الربيعو


Share This