التغيير العربي .. حتمية تاريخية

لست متسرعاً في إلقاء الأحكام على مستقبل أي دولة عربية تهب عليها رياح التغيير، أو تلك التي تواجه قلاقل وثورات شعبية بوجه خاص، كما لا أستبق الأحداث بالإجهار برأيي حول الانتفاضات ونتيجتها المستقبلية المتوقعة لأغلبية الدول العربية بوجه عام.

لقد توقعت ما يحصل، وهو ليس نتيجة وحي جاء في ليلة مقمرة، بل قراءة مواظبة عن المحيط الذي أعيش فيه، وفق معطيات منطقية بسيطة، تؤكد أنه لا يمكن استمرار عزلة الملايين من العرب، وانكفائهم عن الواقع الدولي، بينما يتمتعون بكمية هائلة من الثروات المتنوعة، في مواقع استراتيجية مميزة، على امتداد أراض شاسعة خصبة معطاءة، ثرية، ونسبة تعداد عالية من الشباب، والأهم من هذا وذاك تاريخ حضاري مجيد، فتراكمت رغبة جامعة، جامحة، مكبوتة، بتغيير الواقع لدى جميع الطبقات، يحركها طموح في التطور والازدهار ومسايرة ركب الحضارة، مثل سواهم من دول كثيرة، قريبة منهم جغرافياً أو اجتماعياً.
لم أصادف مواطناً عربياً أو صديقاً لم يشتك من الوضع في بلاده أو أحواله المعيشية المتردية، وامتعاضه من حالة التخلف الحالية، والسخرية منها بمرارة، وبدا لي أن عدم الرضا هو أول خطوة في طريق التطور، الذي تصاعد بالخروج في التظاهرات والاحتجاجات المطالبة بالتغيير، لدرجة أن الناس لم يحفلوا بالقمع المنظم، الذي وصل إلى استخدام العصي والرصاص الحي، وهي إشارة واضحة إلى أن الشعوب لم تعد تحتمل، وتفضل الموت على واقعها الراهن.

فكيف لا تحصل الثورات، إذا كان رئيس يتعاطى مع بلاده كأنها عزبة خاصة؟ وأيضاً يتقاسم مع حاشيته ثروة البلاد والعباد، بينما التقارير الدولية تضع اقتصاد البلد وشعبه على رأس لائحة الفقر والبطالة وانعدام فرص العمل، ويستمر التقاتل من أجل رغيف الخبز كل يوم أمام المخابز، جنباً إلى جنب مع الحريات المقموعة، فيما حزب الرئيس هو القائد والحاكم، وليس لغيره نصيب ولا أمل، مع السعي الحثيث والتخطيط إلى توريث الحكم لابنه بعد رحيله حياً أو ميتاً!

لم تتغير قناعتي أبداً بأن هذا الوضع الشاذ لا يمكن أن يستمر، وأن الأجيال العربية اللاحقة في سبيلها للحصول على حريتها عاجلاً أم آجلاً، وينبغي أن تنال حقوقها المسلوبة،
ولن يغيب عني تذكيرهم بأن الدرب طويل، وطويل جداً، ويحتاج إلى الصبر والتفاني والعمل الدؤوب، واجتياز حكيم للعقبات العقائدية والمذهبية، وسواها من الموروثات المختلفة والمدمرة، فعليهم الاستعداد لمواجهة الواقع، والتغلب على المطبات والمؤامرات التي ستحاك ضدهم من القريبين والبعيدين، والتحلي بالوعي الحضاري الديموقراطي، والتخلص من جميع أنواع الأحقاد والضغينة من بعضهم لبعض وللآخرين أيضاً، والتحلي بالروح الخلاقة الراقية المنفتحة، ولا أظن أنني بالغت في التفاؤل أبداً، فما زالت الأحلام مشروعة؟


كارو قيومجيان

Share This