بقرادونيان يؤكد أن الأرمن والسريان أقوياء في معمودية دم واحدة

أزتاك العربي- ذكر موقع الرابطة السريانية أن الرابطة السريانية في لبنان أقامت مهرجاناً خطابيا في ذكرى الشهداء السريان في قاعة قدامى الحكمة في الاشرفية حضرها الوزيران سليم جريصاتي وافاديس كيدانيان الوزراء السابقون ناجي بستاني وديع الخازن كريم بقرادوني نقولا صحناوي أمين عام حزب الطاشناك النائب هاغوب بقرادونيان ممثل الوزير يعقوب صراف وقائد الجيش العميد بشارة الخوري ممثل الوزير ميشال فرعون المختار بشير عبد الجليل نقيب المقاولين مارون حلو أمين عام الاتحاد من اجل لبنان مسعود أشقر السفير عبد الله بو حبيب رئيس المجلس الاعلى للكلدان انطوان حكيم ، جو حبيقة رئيس حزب الوعد، رئيس بلدية برج حمود مارديك بوغوصيان عضو بلدية برج حمود جورج اسطفان وعضو بلدية الجديدة جوزف ميرو، ممثل مدير عام الامن العام جوزف تومية، ممثل مدير عام أمن الدولة الرائد جورج بركات،  العميد جورج الياس ممثل الامن الداخلي ،أمين عام اللقاء الارثوذكسي النائب السابق مروان ابو فاضل  كميل شمعون رئيس منتدى الشرق للتعددية والامين العام انطوان كلاجيان ، ايدي معلوف ممثل الجنرال ادغار معلوف، القس ادغار طرابلسي، شارل غسطين جورج قسيس، خليل برمانا، جورج أعرج، جان أبو جودة،العميد المتقاعد جان شمعون،  أعضاء المجلس الماروني  السادة  انطوان راميا، ميشال متى، رولان غسطين،الاعلامي من السويد طوني زيتو، الدكتور ايلي مخايل، العميد المتقاعد ميشال نحاس، المحامي البير ملكي، بدري عبدايم، دكتور هادي راشد،  من جمعية ثقافة الكتاب  الرئيس شربل غريب  ورائد الترك ورؤساء المؤسسات السريانية والاندية.

 وكانت عريفة الاحتفال مارغريت خشويان قد استهلت اللقاء بالنشيدين الوطني ونشيد الرابطة. وقالت شهداؤنا راياتنا، شهداؤنا مآثرنا، شهداؤنا أمجادنا،شهداؤنا نبض قلوبنا أنتم الأحياء، وأنتم الحياة كلها،بل أنتم الذين تصنعون من الموت أناشيد الحياة،أنتم  النصر كل النصر، لأن النصر شجرة لا تروى الا بالدماء.

ثم كانت وقفة باسم أهالي الشهداء تكلم فيها ابن الشهيد جورج عبد الجليل وهو مختار الاشرفية

بشير عبد الجليل وقال: ولأننا شعب لا يموت ويرفض الظلم والطغيان، فقد كنا دوماً في طليعة المدافعين عن الحق والحرية والعدالة وعن سيادة لبنان، حتى بلغ عدد شهدائنا الالف ومئة وثمانية وثلاثون شهيدا.

ان ذكرى شهدائنا الذين نتطلب بأنفاسهم في هذه الاثناء هي عرفان متجدد، واعتراف لكل شهدائنا الذين تعاقبت مواكبهم الذكية خلفا عن سلف.

فأنا وبكل فخر بشير عبد الجليل ابن الشهيد جورج عبد الجليل اقول لوالدي الحبيب، ولكل شهيد، اذا كنت قدّمت حياتك فداء وقربانا للوطن، ولابناء الطائفة فانك اردت حياة لك ولنا غير الحياة التي ثرت ضدها ولقد غدت الشهادة بهذا المفهوم وصية اخلاص وامانة، وصية لنا نحن سريان اليوم، وامانة تتناقلها اجيالنا المتعاقبة عبر علاقة متميزة ومتابعة متجددة.

ثم كانت كلمة لمسعود أشقر حيث  استهل كلمته بالتحية للشهداء السريان وكل الشهداء وقال لو أن العدالة الدولية قامت بمعاقبة الذين ارتكبوا المجازر بحق السريان والارمن والكلدان وغيرهم من الشعوب المظلومة لما كانت الجرائم لتستمر عبر داعش واخواتها. ومخطط تهجير المسيحيين من الشرق لم يبدأ اليوم بل بدأ منذ مئات السنين وما نراه اليوم في سوريا والعراق ليس الا تكملة لما قام به العثمانيون في المنطقة منذ أكثر من مئة سنة. فكلنا يعرف أن داعش واخواتها لم تأتِ بالصدفة بل هناك من مولها وسهل لها الطريق. والحرب اللبنانية لم تكن الا جزءا من تهجير المسيحيين في المنطقة، حيث وقفنا يومها كمسيحيين ضد التوطين حتى وصلنا اليوم أن كل فئات الشعب اللبناني هي ضد التوطين، واليوم يعترف الجميع أننا  لم ندافع فقط عن المسيحيين بل عن كل لبنان.

نحن أساس هذه المنطقة ورفات جذورنا دفنت في هذه الارض وسنبقى مكملين هنا رغم الدم والجراح. وتساءل عن التسهيلات التي تقدم للمسيحيين السوريين والعراقيين من أجل الهجرة الى دول الغرب فهل الهدف هو افراغ هذا الشرق من المسيحيين. ولكننا نقول لهم نحن باقون هنا ونحن نؤمن بلبنان الرسالة.

 تلته كلمة النائب هاغوب بقرادونيان قال في كل مناسبة وانا اتلقّى دعوة لالقي كلمة في ذكرى للشهداء، اقف والملم افكاري واطرح على نفسي اسئلة معّينة احاول ايجاد لها اجوبة مقنعة.

هل نحيي ذكرى الشهداء لأننا مسيحيون مؤمنون، واجب علينا الاحترام والصلاة على ارواحهم.

هل نحيي ذكرى الشهداء لاننا ملزمون ان نحفظ ارث الشهداء.

هل نحيي ذكرى الشهداء لاننا ورثنا من ابائنا واجدادنا هذا الواجب.

هل ذكرى الشهداء مناسبة لاظهار القوة وامكانية حشد الجماهير واطلاق مواقف سياسية؟

هل نحن نجتمع رجال دين وسياسيين وقيادات لنبرر فشلنا في الحياة العامة ونطلق شعارات تتبخر فور نزولنا من المنبر.

هل علينا ان نحدد تواريخ معينة لنجتمع ونتذكر الشهداء ثم ننصرف الى عملنا اليومي وكأننا قمنا بالواجب.

هل نحيي ذكرى الشهداء لاراحة الضمير واظهار العالم باننا مجتمع حضاري لا ينسى شهدائه.

هل نحن عشاق الشهادة؟

اسئلة كثيرة واسئلة اكثر اطرحها على نفسي ونطرحها على انفسنا بالتاكيد كلما نجتمع بمناسبات احياء شهداء احزاب ومناطق وطوائف وشعوب ودول.

والسؤال يبقى كالمطرقة والمطرقة تدق وتدق

في زمن النفاق والجشع، في زمن الظلم والانهيار الاخلاقي، في زمن لاانسانية الانسان، في زمن الانسان الذي تحول الى سلعة وحوّل نفسه عبدا” للمال، في زمن الديمقراطية المزيفة وحقوق انسان الاقوياء، في زمن الاستقالة من القيم الانسانية والتقاليد العريقة التي تحافظ على الامم والشعوب، في زمن الاستسلام الطوعي للعولمة الفاحشة في زمن الارهاب المنظم والارهاب الدولي وارهاب الدولة هل لنا ان نحيي ذكرى الشهداء؟

وهل احياء ذكرى الشهداء فقط لنتذكر ونذكر؟

اليوم بمناسة ذكرى شهداء السريان، ذكرى شهداء الامس البعيد والامس القريب وشهداء اليوم في مناطق سورية مختلفة وفي نينوى وموصل وفي تركيا، التي كانت منذ العصور ولا تزال موطن الارهاب والابادة، انا اللبناني الارمني اقف هنا لاقول اننا نعتبر كل الشهداء السريان شهداء ارمن، سقطوا عبر التاريخ وحتى اليوم لاهداف سامية اقلها الحفاظ على الذات والدفاع عن هويتهم التي هي اساس هوية هذه المناطق.

ذاكرة مشتركة تربطنا، ذاكرة بتاريخ مشترك وحياة مشتركة في مناطق تواجدنا، ذاكرة ظلم وقمع واستبداد تعرضنا لها سويا” على يد مستبد مشترك ابى ان يعترف بابسط حقوق الانسان، بحق العيش الكريم وبحق عبادة الرب وبحق الحفاظ على الهوية الخاصة.

تاريخ شهادة يربطنا. الشهادة لاجل الكرامة والعزة والتشّبث بالارض والوطن. الشهادة لاجل الحفاظ على مسيحيتنا والمطالبة باحترام معتقداتنا، كما نحن احترمنا ونحترم معتقدات وحقوق وخصوصيات الاخر.

نعم نحن والسريان عشنا سويا” في بقع جغرافية مختلفة واصبحنا سويا” اقوياء في معمودية دم واحدة، ناضلنا وكافحنا لكي نبقى ملح هذه الارض.

تعرضنا للابادة سويا”، وتهجرنا سويا” وتشردنا سويا”، عشنا في مخيمات سويا”، تضامنا سويا” لبناء لبنان ودافعنا سويا” عن وحدة لبنان واستقلاله وسيادته وحريته، وسويا” سقط الشهداء لاجل الدفاع عن لبنان كلّ في خندقه ولكن للهدف ذاته.

واليوم ايضا” وامام الارهاب التكفيري  بقينا سويا” واستشهدنا سويا”.

وتعرض رجالنا للخطف سويا”

وحملنا ارث الشهداء والشهادة سويا”.

نحن نفتخر باننا والسريان عشنا ولا نزال في تاريخ عيش مشترك، وعشنا في لبنان ولا نزال لاننا نؤمن بلبنان، نموذج العيش الواحد بين الطوائف والقوميات حيث لا اكثريات ولا اقليات، ولا منّة من احد على احد ولا فحص دم كل يوم.

ربما السريان والارمن اقل عددا” من الطوائف الاخرى وربما طوائف اخرى كانت باعداد اكبر في الماضي القريب، وربما ستكون هناك طوائف اخرى ترتفع او تنقص اعدادها، ولكن لبنان واحد موحد لكل الطوائف والمذاهب، والمقياس الوحيد في الولاء هي الواجبات قبل الحقوق. فنحن لا نساوم في الواجبات اما الحقوق فهي من مسؤولية الشركاء في الوطن قبل ان تكون من مسؤولية السريان او الارمن.

مسيحية مشرقية واحدة تربطنا، من اقدم الشعوب المسيحية نحن. انطلقنا من مهد الحضارات والاديان هذا، واليوم نتعرض للقتل والافقار والتهجير وضرب المؤسسات والكنائس اما مواقف شركائنا في هذه البوتقة المشرقية لا تتعدى بيانات الشجب والصلوات والدعاء.

فما معنى فلسطين دون المسيحيين، وما قيمة لبنان دون المسيحيين وما العراق دون المسيحيين وما مصر دون المسيحيين. نحن ابناء هذه الارض وسنبقى هنا. سنبقى هنا لان دماء الشهداء تنادينا لمزيد من الصمود ومزيد من النضال. سنبقى هنا لاننا مؤمنون بوطننا . ولاننا ندرك بان الحق لا يموت  مادام وراءه مطالب. نحن السريان والارمن لدينا تجربة الصمود. والصامد ينتصر. اما المجرم فمصيره مزبلة التاريخ. تاريخ الشعبين امثولة الصمود فابواب الجحيم لن تقوى علينا.

ثم كلمة معالي الشيخ وديع الخازن نستذكر اليوم تاريخ الشهادة والشهداء لمَن سقطوا على أرضهم، ورَوُا جذورهم بالدم دفاعًا عن حرّيتهم في العيش الكريم، وجبينهم، بالكرامة الإنسانية، وهي قضية مقدّسة في شرعة حقوق الإنسان التي وضعها في الخطوط العريضة، بعد الحرب العالمية الثانية، مفكّر كبير من لبنان، هو الدكتور شارل مالك، وباتت هذه الشرعة ضمانة أخلاقية لكل شعوب العالم.

نستذكر أشقاءنا في العقيدة المسيحية المشرقية، الأشوريين- السريان، في نينوى، وأورميا، منذ عهود الإبادة الجماعية التي إرتكبها العثمانيون بحق السريان والأرمن، الذين هجروا من ديارهم بعنوة السيف العثماني، يوم إتُّهموا، زورًا وبهتانًا، بمحاولة إغتيال السلطان عبد الحميد الثاني، لتبرير هذا الإجرام الفظيع، والمُفظع، في أضخم عملية تطهير عرقي عرفه العالم، وصُمّت آذانه عن سماع صرخات الضحايا مرتين: الأولى بالسفح الشنيع، والثانية بضرب الصفح عن هذه المجازر الكبرى، بأبناء المسيح، الشهيد الأول، في مهد ولادته، ورسالته، إلى العالم أجمع!

واليوم، عوض أن يضع العالم حدًا لهذه الظلامة التي أودت بنصف مليون سرياني، وأكثر من مليون ونصف شهيد أرمني، رأيناه يتفرّج على المذابح المتجدّدة في الموصل، قبل تحرير المدينة، حيث لم يعد فيها أحياء أكثر من 250 ألفًا تحت تستّر فاضح على شعارات دينية، بعودة الخلافة الإسلامية المزيّفة التي رفع راياتها تنظيم، فاحش في

الإجرام، وهو داعش، تسلّل إلى دول المنطقة من المعابر التاريخية، التي أشرف عليها عثمانيو الماضي، طمعًا بعار الإستبداد والسطوة التي لم تُمحَ من أذهان هذا المرض العضالي الناخر في مطامع التوسّع الأمبراطوري في المنطقة!

لكأن سلطان الأمس، شاخص بعِمّته السوداء، القاتمة، المزوّرة، يخطب بلسان البغدادي الذي هوى، من منبر إعلانه المزيّف بالخلافة، بقبضات أبناء العراق الحقيقيين في الموصل، هو ومنصّته ليُمحى أثره البغيض من الذاكرة الحية فينا، على وقع مُلفت، للشاعر الكبير عمر أبو ريشة، عندما قال بفلسطين المنسية من أي خطاب جدي، لقضية العرب الكبرى: عنيت فلسطين، قائلاً:

ويخطب السلطان خطابًا شعريًا يتغنى بالدين لا بفلسطين وبعض الجماهير المغررة تقاطعه بالهتاف قائلةً:

سأعيد فلسطين الحمراء

إلى أهليها دار أمان

أنا باقٍ في وجه الطغيان

والجماهير تصرخ: يحيا السلطان!

والسكران يردد:

تخدعهم بشرى أقواله

فيمدون العون إليه

إبليس في ساح ضلاله

وحراب الباطل بين يديه

مَن منكم يسعى لنزاله

وكلام الله على شفتيه!

بهذه الأبيات، التي إستحضرتها من أوراق الشاعر الكبير عمر أبو ريشة المجهولة عن الواقع، المغالط لِما إرتُكِب بحق المسيحيين والمسلمين على السواء، تعبّر خير تعبير عن الواقع العربي المأزوم في بوصلته، التي أضاعها، وبقينا نحن، في لبنان، ندفع أثمانها تحت شعارات، ومسميات، وتداعيات، لا تمت إلى الأديان السماوية بأي صلة!

في هذه الأجواء المكفهرة التي إجتاحت دول المنطقة، دفع المسيحيون ثمنًا باهظًا في العراق وسوريا ومصر، وقبل ذلك في الحرب اللبنانية التي إندلعت شرارتها في 13 نيسان سنة 1975، والتي تصدّى فيها الذين هرب أجدادهم وآباؤهم من السيف العثماني، من إخوتنا السريان والكلدان، ببسالة، إلى جانب المسيحيين، عندما غرّر أبناء لبنان بحرب فلسطين على أراضيهم، فسقط لهم 1832 شهيدًا في سبيل البلد الذي إحتضنهم في ملاذهم الجديد، كما يحتضن اليوم جزءًا من مهجريهم من معارك السوء التي عصفت في ديارهم!

ومثلما تجذّر هؤلاء المسيحيين المشرقيين في مسقط وجودهم في العراق، باتوا مجذرين تجذر الأرز الشامخ على جبين قممنا في وطنهم الثاني لبنان عندما دقّ الخطر، فشكّلوا نمورًا أحرارًا تحت راية الرئيس الراحل كميل شمعون، والوطنيين الأحرار، سدًا منيعًا في وجه التآمر على كيانهم الجديد في لبنان، المقرون بوحدة لا تنفصم عُراها بين أبناء هذا الوطن، مهما شتّت بهم الرياح العاصفة من حولهم.

وإذا كان الجناح المسيحي في لبنان قد نجح في فضح التضليل الذي إستُخدم بحقّهم من أيادٍ خارجية، فإن ما يحصل اليوم هو تصفية حساب مع الأباليس الإرهابية التي حاولت زرع الفتن بين المسلمين أنفسهم، وسرعان ما إفتُضِح أمرها ليكون الإعتدال الإسلامي عنوان المرحلة المقبلة في المنطقة.

شكرًا للرابطة السريانية وللصديق، المناضل، حبيب افرام، على جهوده في إعادة الإعتبار لقضية شعبه الصامد في أرضه وتراثه وكيانه التاريخي.

وإن ننسى فلا ننسى هذا الإلتحام الوجداني الذي جمع أبناء وطننا بهؤلاء القادمين من عصف الإضطهاد، الذين باتوا جزءًا من الدولة في المراكز التمثيلية كنواب ووزراء وإدارات عامة، حيث أبلوا بتضحياتهم الجديدة سواء السبيل بشعور من المشاركة المصيرية لخدمة الوطن الذي أحبهم وأحبوه كما لو كان وطنهم الأم. علمًا أنهم ظلّوا، حتى اليوم، محرومين من المشاركة الحقيقية في التمثيل النيابي والحكومي، برغم كل المساعي والمطالبات التي حاول رئيس الرابطة السريانية الأستاذ حبيب افرام تأمينها، والتي توسّم فيها خيرًا وإستبشارًا من العهد الجديد الذي وعد بإنصاف الجميع. وكلّنا أمل في أن تلقى صرخاته الإستجابة المطلوبة في القريب العاجل.

ثم كلمة وزير العدل سليم جريصاتي :قيلَ الكثير وكُتب الكثير عن الحرب اللبنانية، أي تلك التي عصفت بلبنان وشعبه منذ 1975 ولم ترخِ بأثقالها وآلامها ودمارها إلا بعد خمسة عشر سنة من الشرارة الأولى. أما الندوب والتداعيات، التي تحمل كل العبر، فهي ما يزال جلّها قائمًا بعد أن تجسدت في الطائف، في وثيقة الوفاق الوطني التي توّجت خلاصات عسكرية بتسويات سياسية بقي معها الشرخ الوطني تحت الرماد أو فوقه، يعتمل في جسد الوطن، حتى إذا ما زالت الوصايات ولاح الأمل بأن يتحقق العيش الواحد تحت سماءٍ واحدة وفي ظل نظامٍ سياسي متماسك ودولة قوية، إرتفع بعض المتاريس لتذكيرنا بحقباتٍ سابقة من الإنقسام الوطني الحاد.

بعيدًا عن كل نرجسيةٍ أو نوستلجيا أو تبعية، إن الأمل اليوم له إسم ومسمى ومبنى ومعنى : فخامة الرئيس العماد ميشال عون، رئيس الجمهورية اللبنانية، ليس فقط لأنه الرئيس القوي بمفهوم الوثيقة التي تعوّل على الدولة المركزية القوية كركن ثابت من أركان نظامنا السياسي، وليس فقط لأنه لا يمكن أن نتصور دولة مركزية قوية من دون حكم الأقوياء فيها بمعايير التثميل السياسي والشعبي الصحيح والفاعل، هذا التمثيل الذي أصبح أكثر منالاً مع قانون الإنتخاب الجديد القابل للتطوير بعد طي صفحة نظام الإقتراع الأكثري، بل لأن هذا الرئيس هو نتاج مسيرة نضالية طويلة، هي مسيرة شعب إنتفض يومًا لكرامته وعزته وحريته وإستقلاله ووحدته، فأقام الدنيا ولم يقعدها إلا بكسر شوكته وشكيمته بالقوة المستعارة، حتى لا يتغير مسار الحرب العبثية بإتجاه النهايات المجدية وطنيًا أي بإرساء شعورٍ أن الكل خاسر وأن ليس من فريقٍ رابحٍ في لبنان من جرّاء هذه الحرب، بالرغم من الإعتراف، على ما أتى في مقالة حديثة وجريئة لنواف كبارة (“النهار” – عدد 20\7\2017) أن مسيحيي لبنان نجحوا في الدفاع عن وجودهم وموقعهم فيه على مدى الحرب الأهلية (هكذا وصّفها) التي كادت أن تقضي على وطن الأرز لولا مناعته، ذلك أنه يجب الإعتراف أيضًا أن حرب الآخرين على أرضنا، على ما وصّفها صحيحًا كبير من بلادي، غسان تويني، إنما خيضت أيضًا بوقودٍ بشريٍ لبناني متنوع الأطياف والأهداف، حتى أن الوجود المسيحي ذاته في هذه الأرض التي تعني لنا الكثير في كتب إيماننا ومعتقداتنا وتاريخنا، أضحى قضية بذاتها، بذلت التضحيات في سبيلها على جميع الصعد، فسقط شهداء لنا ولسوانا، وكان للطائفة السريانية دور كبير ومتقدم في هذا المضمار، حتى قيل يومها أن بعض خطوط تماسنا المادية والمصطنعة إنما كانت بعهدة مقاتلين أشاوس من هذه الطائفة التي إستحقت، بدماء شهدائها وألام جرحاها وتهجير أبنائها، أن تصبح طائفةً مؤسسة للبنان ما بعد الطائف، وإن لم يتبدّ من إجتماعات الطائف حضور سياسي مشارك للطائفة، ولا أدري حقًا إن كان في الأمر لوم أو غنم.

هل أخذ سريان لبنان حقهم على خريطة الوطن السياسية؟ قطعًا لا، بالرغم من أن سجل الأوطان الذهبي لا تسجل فيه الشعوب الحرة واردًا وصادرًا أو دينًا لها وعليها يكون فيه الوطن دائنًا أو مدينًا.

في يومنا هذا، إن لغة السلاح لم تعد تجدي في الداخل، إلا أنها كانت سائدة في هذه الأزمنة المشؤومة، التي نستذكرها اليوم من باب أخذ العبر، من دون أن ننسى الشهداء الذين سقطوا إيمانًا منهم بأن لبنانًا من طينة أخرى سينبت من غرس دمائهم، والسريان منهم، وقد حملوا السلاح دفاعًا عن هذا “اللبنان” الذي لا زلنا نبحث عنه وقد نجده في مسارنا الميثاقي المستجد.

 إن قلنا شعرًا نقول :”إن السلاح جميع الناس تحمله                      وليس كل ذوات المخلب السبعُ”

ونقول : “شرف الوثبة أن ترضي العلا                              غلب الواثب أم لم يغلبِ

ضلت الأمة إن أرخت على                           جرح ماضيها كثيف الحجب “

 ونقول أيضًا : “لا يثور المجد في أعراقها                             أمةٌ تغدو على النَوح وتمسي”

 هذا هو قدر الأبطال، وقد إستعادكم القدر في معلولا والموصل ونينوى، وحيث أنتم، وكنتم على العهد، وقد خبرتم المجازر، فسقط لكم شهداء وجرحى وتهجرتم ودمرّت بيوتكم وقراكم وبلداتكم ودور عبادتكم، وكابرتم بإيمانكم، فإستحقيتم أرضكم في الجوار الملتهب، كما في لبنان.

تحية من القلب الى طائفة من بلادي أعطت الكثير، مرفوعة الجبين، مجبولة بالألم والأمل والكرامة، حاملة الأمانة الإيمانية، حارسة التراث المسيحي المشرقي، متوثبة للتضحية في كل حين كي نبقى أحرارًا حيث نحن، فيسلم ويسمو الدور والوجود. ومن وحي أيامنا هذه الخاتمة من رجل قانون وشعر : ” وكم تعزت وعزت كربلاء بنا     وكم حملنا عن المصلوب صلبانا”. والسلام لحاملي الطيب في ظل الهلال والصليب.

 وفي الختام كلمة رئيس الرابطة حبيب افرام: لن نقبل بفتات ما يعطونا كُتب عليكَ أن تحملَ مسيحَكَ وتمشي.في شرق تاريخُه مجازر دَفّنَ العقلَ والحرياتِ والحقوقَ من زمانٍ عتيق. من الفتوحات، الى سيفو، من سيميل الى داعش!

قدرٌ. جنونٌ. وحين داهم الخطر لبنان قلنا هو قضيتُنا. الانسان السيادة الحريات، بيوتُنا وكرامتُنا. قاوَمْنا. وكانت الرابطة السريانية عام 1975، أوّلَ تنظيمٍ سريانيٍ سياسيٍ ودرعَا لشعبنا- تحية الى أول رئيس لها المرحوم المحامي جوزف أحمر- والى الشريك في التأسيس والنضال نيافة المطران جورج صليبا ودافعنا مع كل أحزابنا عن مناطقنا والشرعية والقرار الحرّ.عام 76 في معركة تحرير تل الزعتر إرتقى  للرابطة 12 شهيداً في يومين. وها بيننا شهود جورج قسيس جورج أعرج وايلي حبيقه  وابنه جو معنا وشارل غسطين فأعلنت يوم 25 تموز من كل عام يوم الشهيد السرياني في لبنان. إنه عيدنا. إنه احتفالنا. لن يسرقّه أحد.

أكثرُ من ألفِ شهيد على مذبح لبنان . لا لزعيم ولا لحزب ولا لنظام. كنا ضد أي اقتتال بين الاخوة، ومع وحدة القضية. لم نمنِّن. إنه واجبنا المقدس.       فلهم وجهاً وجهاً، رسماً رسماً، أوفى آيات حبنا وولائنا.

إن لبنانَ لنا أكثر من وطن. إنه واحة. ونحن نعلن أنّنا مستعدّون بعد لكل بذلٍ وعطاء. ونحن معه ومع  فخامة رئيسه  لنا ثقة مطلقة بالعهد بعماده المشرقي. على أنها مناسبة لنؤكد على ثوابت لنا، حتى لا يظن البعض أننا نسكت أو نقبل أو ننسى:

أولا: مازلنا نعتبرُ أننا أيتامُ هذا النظام. وهو مجحفٌ بحقنا. نحن أبناء الطوائف الست أكثر من 62 ألف ناخب، يسمونّنا “أقليات مسيحية” ونحن شعوب الشرق الأصيلة، مغبونون في الوزارة في المشاركة في صناعة القرار الوطني. لن نقبل  بعد أن تؤلَّفَ حكومات دوننا.

لدينا كفاءات في كل المجالات . نصرّ على دورنا ولا ننافس أي طائفة، ولا نريد أن نأخذ حصة أحد.مغبونون في النيابة طالبنا وصرخنا وتحّركنا  لزيادة عدد نوابنا كلنا الى ثلاثة، ولو أننا اختلفنا على طريقة توزيعها، لكن القانون الانتخابي أتى دون أن يلحظ ذلك رغم كل الوعود، ورغم ان اللجان النيابية صوتت على زيادة العدد فلماذا ؟ من هو المسؤول؟ أين القطبة المخفية؟

إن نقل مقعد الاقليات الى الدائرة الأولى الحبيبة  ليس حلاً، ولم يعط الاقليات حقوقها وليس كافياً ولسنا نحن مع ضغطنا لذلك. ونحن لا نطالب بانصافنا لاشخاص بل لشعب. يخطىء من يظن أننا نقبل بفتات. أو أنه يعطينا بدلاً عن ضائع أو شيكا على حساب.

ومغبونون نحن في الادارة. وندعو الحكومة الى إنصافنا بالادارة العامة في كل المجالات وندعو أبناءنا الى الانخراط في كلّ وظائف الدولة عسكرية وأمنية وادارية.

ثانياً: نحن مع قضايا ناسنا.لا نُنظّر . ولا نأتي في المواسم لقطاف. ولا نخشى النضال والمواجهة والتصدي. نبني مؤسسات. نفتح أبوابنا. الرابطة نادي نشرو المركز الثقافي صندوق التعاضد الموقع الالكتروني طيباين مرصد مسيحيي الشرق مستوصف مار افرام المكتبة الفريق الرياضي والفولكلور ودار النشر كلها انجازاتنا. نازحونا من العراق وسوريا في قلوبنا. معهم في معاناة قاتلة حتى تكون أقامتهم مكللة بالكرامة وحتى يعودوا الى ديارهم ولا تبتلعهم الغربة.

ثالثاً: نحن في قلب لبنان. لا يمكن أن نستمر هكذا. صحيح أن انتخاب فخامته كان جرعة أمل وأن حكومة وفاق – ولوْ استثنت الأقليات-  كانت ضرورة وان قانون انتخاب على أساس النسبية يفتح جدارا في خرق بوسطات – ولو لم ينصفنا –  نحن مع قانون اللقاء الارثوذكسي وهو من يضمن مستقبلنا نحيي مرشده الفكري دولة الرئيس ايلي الفرزلي وأمين العام النائب السابق مروان أبو فاضل بيننا.وان ارادة التغيير موجودة لكن  هل يكون لبنان عصيا على التغيير والاصلاح؟ هل مكتوب أن ندفع ثمن الفساد دائماً ولا حلول، لا الكهرباء ولا النفايات ولا القضاء أين تشكيلاته ونحن نثق بحكمتك يا معالي الوزير – ولا الادارة المهترئة ولا مزاريب الهدر.    نريد انجازات وليس كلاماً. إننا مرتاحون للوضع الأمني فنحن بايد أمينة ونشد على زنود أجهزتنا. إن دحر الارهاب من كامل التراب الوطني واجبنا كلنا. تحية من هنا من الاشرفية الى كل جندي وكل مقاوم، لكل من يدحر الارهاب والتكفير.

رابعاً: أعلنأننا نبدأ التحضير للمكنة الانتخابية لنكون موجودين ولنا كلمتنا في مناطق   أساسية هي المصيطبة الاشرفية زحلة والمتن الشمالي. صحيح أن لنا مقعداً واحداً هنا، لكننا لن نتراجع ولن نقاطع ولن نيأس.  سنكون أوفياء لمن يقف مع مطالبنا. وأدعو كلّ شعبنا ليقول في كل المناطق أنه يرفض أن نبقى هكذا وأن يكون صوته شفافاً واضحاً صارخاً مطالباً بحقوقه وليس سلعة تباع أو تشترى لا سمح الله، ولا ورقة يستعملها أي كان.

خامساً:  علّمني الدكتور  شارل مالك أنه  بعد غبار كل المعارك والزواريب والتحولات علينا ان نجيب على سؤال مركزي هل تبقى مسيحية حرة في هذا الشرق. هذا جوهر القضية. لذلك ليس مهما من يأخذ مقاعد أكثر في الانتخابات، ونحن لا نتصارع على سلطة، وليس عندنا كمسيحيين ترف الخلافات ولذلك دعمنا بقوة فكرة التحالف المسيحي وطي صفحة التنافر.

نحن في أزمة وجودية، في ظل جنون قاتل. أعمى من لا يريد أن يرى. أين سنكون بعد ربع قرن؟ أين مسيحيو العراق وسوريا؟ ماذا بقي من مسيحيي تركيا؟ لسنا أكثر مناعة  فلننتبه. نحن لا نسوّق مطلقا لتحالف أقليات. بل لشرق متنوع لكل القوميات لكل الاثنيات لكل الطوائف لكل المذاهب على قاعدة مواطنة ومساواة وحريات. لذا أدعو المسيحيين الى يقظة أعمق، فلنتجاوز ترسّبات الخلافات الى رؤية استراتيجية. وأدعو الموارنة  ولنا دالة عليهم فهم من ضلعنا الى اعادة نظر في علاقتهم مع الطوائف المسيحية كلها في كيفية صناعة القرار المسيحي والمشاركة فيه وتوزيع السلطة.

هلْ كانت قضية لبنان تستحق تضحياتنا؟ أكيد. رغم أن كثيرين يتنكّرون لشهدائنا ولعطائنا وحضورنا ونضالنا. رغم أن ثقافة التجارة والشطارة صارت دارجة ومقتنصي الفرص صاروا أكثر من الشرفاء.

هلْ يرتاح شهداؤنا حيث هم؟ عن ايمان أعطوا. واعطونا الأمل أن نبقى أن نحمل الشعلة.

تحية الى كلّ من بذل دماً وعرقاً وجهداً ونضالاً، الذين بعدهم في قلب العطاء، الذين تعبوا، الذين تقاعدوا، الذين تقاعسوا، الذين هاجروا عن يأس، الذين كفروا.

تحية الى واحد منهم بيننا الآن، جورج شاكر افرام، ترك بصماته على الرابطة في كل الميادين ورغم غربته في السويد بقي بقلبه معنا.

لبنان لن يموت. قضيتنا تاجٌ على رأسنا. المسيحية المشرقية تستحّق أن تكون رائدنا اذا لم يكن لبنان قادرا على النهوض والمسيحيون قادرون على الثبات مع الرئيس المقاوم. فمع مّن واذا لم يكن الآن فمتى؟ على هدى الشهداء نبقى ومن أجل لبنان.

 

Share This