مقتطفات من الكلمة التي ألقاها الفيكونت جيمس برايس في مجلس اللوردات في بريطانيا العظمى في السادس من تشرين الأول 1915 عن المجازر الأرمنية

كان الأتراك يداهمون بيوت الأرمن، ويسوقونهم إلى الشوارع، ثم يخلون المدن والقرى من جميع سكانها، وكانوا يزجون ببعض الرجال في السجن، ليلاقوا حتفهم نتيجة التعذيب. أما ما تبقى من الرجال والنساء والأطفال، فكانوا يأخذونهم إلى خارج المدينة سيراً على الأقدام، حيث يتم فصلهم، فكانوا يقودون الرجال إلى بقعة منعزلة بين التلال، ويشرع الجنود الأتراك أو القبائل التي استدعيت على عجل لتساعدهم في أعمال الإبادة سواء بإطلاق الرصاص عليهم، أم بطعنهم بالحراب، أما النساء والأطفال والمسنون، فكانوا يرسلونهم تحت حراسة جنود لا أخلاقيين، معظمهم قد أطلق من السجن لهذه الغاية، إلى أماكن بعيدة، سواء إلى إحدى المقاطعات الواقعة في وسط آسيا الصغرى، وفي معظم الأحيان إلى المنطقة الصحراوية الواقعة في منطقة دير الزور شرقي مدينة حلب باتجاه نهر الفرات. كانوا يسيرون على الأقدام تحت حراسة الجنود لأيام عديدة، يلاحقون بالضرب عند أي تقصير، وإذا لم يتمكن أحدهم من اللحاق بالقافلة، كان يُترك في مكانه ليلاقي مصيره الأسود، وقد سقط كثيرون منهم على الطريق، ولقي عدد كبير منهم حتفه بسبب الجوع الشديد، لأن الحكومة التركية لم تقدم إليهم أي طعام بل جردتهم من كل شيء، كما جرد عدد كبير من النساء من ثيابهن، وأرغمن على الرحيل، وهن عاريات تحت أشعة الشمس اللاهبة. وقد فقدت بعض الأمهات عقولهن، ورمين أطفالهن على الطريق، لعدم قدرتهن على حملهم، وامتلأ طريق القوافل بالجثث، ويبدو أن أعداداً قليلة نسبياً، تمكنت من الوصول إلى الأماكن المحددة لها – التي تم اختيارها، بحيث يتعذر عليهم العودة منها، كما كان أمل الوصول إلى هذه الأماكن ضعيفاً بعد تكبد هذه المشاق.

ويوجد بحوزتي روايات مفصلة عن أعمال الترحيل هذه، نقلاً عن أناس ثقات، فقد قال لي أحد الأصدقاء الأمريكيين الذي عاد مؤخراً من القسطنطينية، إنه سمع قصصاً هناك تؤكد ما تناهى إلى سمعي. كما أنه أصيب بدهشة كبيرة عندما كان الناس الذين يعرفون هذه القصص يروونها ببرود شديد، لأن الأشياء التي نادراً ما تكون صادقة تثير قليلاً من الدهشة في تركيا، وكانت المجازر هي السائدة في روميلي الشرقية عام 1876م، وفي تركيا الآسيوية عامي 1894-1896م.

وعندما قام الأتراك بطرد الأرمن من منازلهم، لم يقتلوا عدداً كبيراً من النساء، بل أبقوا عليهن ليواجهن مصيراً أكثر مهانة وسوءاً. ففي معظم الأحيان كان الضباط الأتراك وكبار المسؤولين المدنيين يأخذون النساء، ويلحقونهن بقصور الحريم. كما تم بيع عدد آخر منهن في سوق الرقيق، وأرغم بعضهن على تغيير دينهن. ولم يتمكن من رؤية آبائهن، أو أزواجهن بعد ذلك، وقد أصابت تلك النساء لعنة الوقوع في نير العبودية والمهانة.

كما تم بيع عدد كبير من الصبية والفتيات في أسواق الرقيق بأسعار لم تتجاوز في بعض الأحيان عشرة أو اثنتي عشر شلناً، بينما قُدّم عدد آخر من الصبية الصغار إلى الدراويش، حيث تمت تربيتهم في مدارس دينية كمسلمين.

ولم تكن حالة الذين انتهت مأساتهم بالموت السريع هي التي تثير الشفقة والعطف، بل تلك النسوة اللواتي قتل أزواجهن، واغتصبت بناتهن، وطردن مع أطفالهن، ليواجهن الموت في الصحراء، من دون طعام أو عون، ويبدو أنه تمت إبادة ثلاثة أرباع أو أربعة أخماس الشعب الأرمني، ولم يسجل في التاريخ جريمة أبشع من هذه الجريمة منذ عهد تيمورلنك. وعندما قاتل الأرمن العزّل، فإنما كانوا يقاتلون دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن أهلهم ضد الظلم وقساوة وفظاظة المتوحشين الذين أقاموا ما يسمى الحكومة المحلية. ولا يمكن إيجاد أي مبرر لهذه المجزرة، مثلما فعلت السلطات والصحف الألمانية دفاعاً عن سلوك الحكومة التركية. إن سياسة القتل والترحيل كانت غاشمة، ولم تصدر عن أي استفزاز، بل يبدو أنها كانت وبكل بساطة تطبيقاً للشعار الذي رفعه السلطان عبد الحميد، “إن الوسيلة الوحيدة للتخلص من القضية الأرمنية، تتمثل في القضاء على الأرمن أنفسهم”، ثم جاء زعماء تركيا الجدد الذين أطلقوا على أنفسهم اسم (جمعية الاتحاد والترقي)، لتنفيذ أضعاف ما نفذه عبد الحميد من مذابح ومجازر.

* المصدر: كتاب “شهادات غربية عن الإبادة الارمنية في الإمبراطورية العثمانية” إعداد ومراجعة ودراسة: البروفيسور-الدكتور آرشاك بولاديان، دمشق – 2016 . مختارات من بعض الكتابات التاريخية حول إبادة الأرمن عام 1915، دار الحوار للنشر والتوزيع ، 1995 ، ترجمة: خالد الجبيلي، اللاذقية، 1995

Share This