تغطية الصحافة حول موقف تركيا من الاضطرابات في البلاد العربية

بدا واضحاً منذ أيام الاحتجاجات السورية الأولى، بأن البيئة الإقليمية الشرق أوسطية السورية، وعلى وجه الخصوص دول الجوار الإقليمي السوري، قد أظهرت قدراً أكبر من الاهتمام لجهة احتمالات التداعيات السلبية والإيجابية المحتملة، وفي هذا الخصوص كتب موقع “الجمل” أن الأداء السلوكي التركي الرسمي انطوى على قدر كبير من الارتباك، فقد سعت أنقرا من جهة إلى الرغبة في التعاون مع دمشق لجهة تحقيق التهدئة، وفي نفس الوقت سعت أنقرا لجهة التفاهم مع واشنطن وبعض الأطراف الأوروبية الغربية الأخرى حول كيفية التعامل إذا شهدت وقائع الحدث السوري المزيد من التصعيدات الجديدة.

الارتباك وعدم الانسجام الذي أظهرته أنقرا، فسره المراقبون، على أساس اعتبارات أن أنقرا لم تكن تمتلك أي تخمين يحدد بوضوح مدى تداعيات مخاطر انتقال عدوى الاحتجاجات التونسية ـ المصرية ـ اليمنية ـ البحرينية إلى بقية مناطق الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص إلى سوريا والتي تؤثر بدورها بشكل مباشر على تركيا، وأشارت التسريبات إلى أن أسباب مخاوف أنقرا تضمنت:

احتمالات أن تنتقل عدوى التصعيدات إلى مناطق التمرد الكردي التركي، وأيضاً إلى احتمالات أن تسعى القوى السياسية التركية المعارضة لحكومة حزب العدالة والتنمية لجهة القيام بعمليات التعبئة السياسية السلبية الفاعلة بما يخلق قدراً من الفوضى والاضطراب يمكن أن يتيح لجنرالات المؤسسة العسكرية التركية المزيد من ذرائع ومبررات القيام بعمل عسكري ضد الحكومة التركية، وإضافة لذلك، تدرك أنقرا جيداً بأن قدراً كبيراً جداً من استراتيجية السياسة الخارجية التركية الشرق أوسطية يقوم على تأثير العامل السوري، وإضافة لذلك تشير بعض التسريبات إلى أن أنقرا سعت إلى التفاهم مع واشنطن لجهة بناء موقف مشترك أمريكي ـ تركي استباقي يتيح لأنقرا الحفاظ على توازنات مصالحها الحيوية خلال الفترات القادمة.

وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية النقاب عن أن الانتفاضات الشعبية التي تعم أرجاء العالم العربي أصبحت تشكل خطرًا كبيرًا على تركيا ونفوذها في المنطقة، ذلك النفوذ الذي برز حديثا وكان لا يسمح بوجود اضطرابات على حدودها أو الدول التي تربطها بها علاقات، أصبح اليوم عاجزًا عن حماية الحدود التي أصبحت مشتعلة في ليبيا وسوريا وحتى العراق.

وقالت الصحيفة إن:”تركيا تواجه تحديات متزايدة جراء الاضطرابات التي تجتاح العالم العربي، فخلال السنوات القليلة الماضية، برزت تركيا كقوة في منطقة الشرق الأوسط وأكثر تأثيرا، ولكن ذلك التأثير انهار خلال الأسابيع الماضية بعد فشلها في حل المشكلة الليبية، الأمر الذي دفع رئيس وزرائها طيب أردوغان لدعوة العقيد معمر القذافي صراحة للتنحي.

وأضافت أن:”ليبيا ليست المشكلة الوحيدة التي فشلت تركيا في حلها بل هناك أيضا سوريا التي وعد رئيسها بشار الأسد بعد وساطة أنقرة بإجراء إصلاحات لكبح جماح الانتفاضة المتصاعدة ضده، إلا أنه لم يف بتلك التعهدات واشتعلت الأرض من تحت أقدامه، وفي العراق المجاور تخشى تركيا من عدم قدرة الحكومة هناك على الحفاظ على بلد مستقر حينما تكمل الولايات المتحدة انسحابها من العراق، وفي لبنان حيث تتمتع تركيا بعلاقات مع كل من حزب الله وخصومه، يدخل الآن في الشهر الرابع من دون حكومة.
وتوضح الصحيفة أنه “قبل ربيع الثورات العربية التي أطلقتها ثورتي مصر وتونس، كان نفوذ تركيا الجديد في منطقة الشرق الأوسط يسعى لرسم سياسة خارجية مستقلة في كثير من الأحيان عن الولايات المتحدة وقد أحرزت نجاحا كبيرا في هذا الأمر، والآن هذه الاضطرابات على حدودها يقوض سنوات من الاستثمار الدبلوماسي والاقتصادي، مما أجبر تركيا على القيام بدور أكثر حزما، ورؤيتها للتكامل الاقتصادي يعمل في مواجهة التهديد المتزايد من عدم الاستقرار .

وكتب صالح القلاب في “الرأي” بعنوان: «تصفير» العدادات! متحدثاً عن سياسة التصفير التي اعتمدتها تركيا. وقال: “لم يدرك هؤلاء أن أردوغان ومجموعته بمجرد وصولهم إلى السلطة بادروا إلى «تصفير» عداد بلادهم لتجديد انطلاقتها في المنطقة ولتجديد مسيرتها الاقتصادية والسياسية وأنهم سيحافظون على علاقات حسنة مع إيران لأنهم متفاهمون معها على أساس المصالح المشتركة والمكاسب الاقتصادية المتبادلة وأنهم بادروا إلى البدء بعهد جديد مع سوريا بعدما توقفت في عهد رئيسها السابق حافظ الأسد عن التدخل في شؤون بلادهم الداخلية وطرد عبد الله أوجلان من بلاده شرَّ طردة وأنهم بعد انحياز سابق كامل إلى إسرائيل بالنسبة لصراع الشرق الأوسط أرادوا سياسة متوازنة تجاه هذا الصراع بين الإسرائيليين من جهة والعرب والفلسطينيين من جهة أخرى.

ولهذا فقد بادر أردوغان بمجرد اهتزاز المعادلات في هذه المنطقة تحت ضربات ظاهرة الثورات الشبابية إلى «تصفير» العداد مرة أخرى ولذلك «ولأن الأقربين أولى بالمعروف» فقد بدأ بسوريا حيث انقلب عليها بين عشية وضحاها وقال مما قاله في مجال تهديدها بعد السكوت على ما كان يجري بأن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه «حماة» جديدة وكان قبل ذلك قد قلب ظهر المجن لـ»الأخ قائد الثورة» وطالبه بالرحيل الفوري وتَرْك مصير «الجماهيرية العظمى» للثوار الزاحفين من الشرق تحت غطاء الغارات الجوية الأطلسية”.

ويستخلص أن ذلك يصب في مصلحة تركيا فقط ويقول:”إن تركيا في عهد أردوغان ومجموعته ستبادر إلى «تصفير» العداد كلما استدعت مصالحها ذلك ولهذا فإنه غير مستبعد أن يأتي اليوم الذي يشهد فيه العراق وتشهد معه المنطقة صراعاً عثمانياً-صفوياً جديداً وبخاصة وأن إيران جادة في أن تلعب الدور الذي كانت تلعبه الإمبراطورية الفارسية في هذه المنطقة قبل أن تظهر القوة الإسلامية وتغير كل المعادلات في هذه المنطقة فالدولة التركية لها مصالح حيوية في بلاد الرافدين وفي منطقة الخليج وفي المنطقة العربية كلها ولهذا فإذا تعرضت هذه المصالح إلى أي تهديد إيراني فإن الأردوغانيين سيلجأون إلى «تصفير» العداد مجدداً وأنهم قد يضطرون حتى إلى المواجهة العسكرية”.

وأضاف: “لقد كانت لتركيا أردوغان حسابات بالنسبة لسوريا هي التي أملت التآخي والتقارب ودفن الماضي بكل خلافاته وأحقاده أما وقد حدث هذا الذي يحدث فإن الاردوغانيين الذين تهمهم جداً معرفة طبيعة من سيحكم الجارة الجنوبية ويهمهم قبل ذلك ألاّ يفاجأوا بموجات من النازحين واللاجئين وبخاصة في مناطق التماس الحدودية الشرقية والمتداخلة من حيث السكان الأكراد قد بادروا هرولة لـ«تصفير» عدادهم مرة أخرى وإطلاق التهديدات التي أطلقها أردوغان ضد زميله في دمشق إن وصلت الأمور في بلاده إلى «حماة» جديدة”.


ملحق “أزتاك” العربي

12 أيار 2011

Share This