قصة ناهابيد آغا … لهاكوب بارونيان

كان ناهابيد آغا ينتظر وصول المراسل بأربعة عيون كما يقال[1]. وكان يأمل أن يستلم منه مبلغاً من المال ليسدد به كشفاً بالحساب. تأخر المراسل، فتوجه ناهابيد آغا إلى معارفه وأصدقائه ونجح باقتراض مال يحتاج إليه. ارتاح قلبه.

ووقف أمام الطاولة منتظراً كشف الحساب ، لكن لا يحصل المرء دائماً على ما ينتظره.. دخل تجار معروفون غرفة ناهابيد آغا:

  • مرحباً ناهابيد آغا.
  • سلام على الله.
  • مرحباً مسيو ناهابيد.
  • سلام على الله.
  • مرحباً ناهابيد أفندي.
  • سلام على الله.
  • مرحباً ناهابيد بيك.
  • سلام على الله.

قدّم ناهابيد آغا الضيوف ليجلسوا وعند خروجه ليوصي على القهوة رجاه الضيوف ليبقى في مكانه:

  • إن كانت القهوة من أجلنا فنحن لا نريد قهوة.
  • وأنا شربت كثيراً.
  • أنا لا أشرب القهوة أصلاً.
  • هل تعلم ناهابيد آغا سبب زيارتنا هذه؟
  • كيف لي أن أعرف؟
  • قل له يا أفندي.
  • إنه عمل وطني أتى بنا إليك.
  • هدف تربوي وخيري.
  • إحساس وطني.
  • إنساني بحت.
  • وتربوي في الوقت نفسه.
  • وآمل أن لا يرفض ناهابيد آغا اقتراحنا.

يبدو ناهابيد بيك غير عالم بما يجري.

  • لو كان الجميع مثل مسيو ناهابيد.
  • ناهابيد آغا هو آغا ولكنه يملك مشاعر البيك.
  • لم لا يكون بيك.
  • أشخاص وطنيون مثل ناهابيد آغا قليلون بين شعبنا.

ناهابيد آغا، الإنسان المتواضع، يرتبك ويشير بالحركات والإيماءات أنهم يبالغون.

  • كم بطاقة نعطي ناهابيد آغا؟
  • لا أدري، أعطه عشر بطاقات على الأقل!
  • عشر بطاقات قليل.
  • ناهابيد آغا شخص معطاء!
  • بطاقات ماذا؟
  • بطاقات حفلة، ناهابيد أفندي.
  • بكم قرش؟
  • ليس بكثير.
  • إنه مبلغ زهيد.
  • ليست غالية كبطاقات أمم أخرى.
  • بطاقات فقيرة لشعب فقير.
  • كم قيمتها؟
  • إنه لا شيء.
  • مبلغ بسيط.
  • الواحدة ليرة ذهب.
  • ليرة ذهب؟
  • نعم، لكن اعلم أنها ليرة عثمانية وليس إنكليزية.
  • أعطوه، أعطوه عشر بطاقات لناهابيد آغا.
  • عشر بطاقات.. هل أنتم تهزؤون بي؟
  • أرجوك، لا تتحدث هكذا، لقد جرحتنا.. لماذا نهزأ بك؟
  • لقد أتينا من أجل عمل وطني فقط.
  • أشكركم ولكن..
  • لا داعي للكن ومكن.. العشر بطاقات قليلة ، وليست كثيرة بالنسبة لك.
  • عشر ليرات ليست بشيء كثير.
  • خاصة وأن أفندية مثلهم يزورونك، فإن قالوا لك عشر بطاقات عليك أن تأخذ أنت عشرين كي لا يبدوا صغاراً ويتشجعوا.
  • أشكرك ولكن قدرتي لا تسمح لي بدفع ليرة ذهب لبطاقة حفلة.
  • لا تسمح.. كيف لا تسمح؟.. نحن نعلم جيداً قدراتك، اقترحنا

عشر بطاقات كي لا ترفضنا.

  • لا أستطيع.
  • يا قلبي، يا ناهابيد آغا، لا تتحدث كلاماً فارغا.
  • دعني أقبّل قدميك ناهابيد آغا، لا تطوّل المسألة، لدينا الكثير من العمل سوف نتوجه إلى آخرين أيضاً.
  • أعطه عشرة.
  • ادفع عشر ليرات ناهابيد آغا.
  • لا أستطيع، ولكن من أجل خاطركم سآخذ واحدة.
  • واحدة… أتينا أربعة حتى قدميك وتأخذ واحدة؟..
  • واحدة فقط؟.. ألم تجد طريقة أخرى كي تعادينا؟
  • واحدة؟.. وهل يتحدث المرء عن واحدة عندما يكون الحديث عن التطور الأخلاقي للصبية والفقراء والمساكين.

كرر ناهابيد آغا محمراً:

  • ليس بقدرتي أن أدفع..
  • كلام فارغ.
  • لم يكن هذا أملي أن ترفض اقتراحنا، نحن الذين تركنا أشغالنا ومنذ خمسة عشر يوماً نمر على محلات ومتاجر وبيوت الجميع كالمتسولين.
  • يا عيني، ناهابيد آغا يقول كذلك ولكنه يأخذ.. أعطه عشرة.
  • سآخذ اثنتين – قال ناهابيد آغا وهو لا يستطيع مقاومة إلحاح جامعي التبرعات وهم من أعيان التجار.
  • اثنتين؟..
  • هذا يعني أنك أقسمت على كسر كلامنا.
  • ولماذ أقسم، ماذا فعلت؟
  • وماذا ستفعل أكثر؟.. عندما يقولون لك خذ عشرة بطاقات خذها، يا أفندي، لا يطيلون المسائل. نحن لا نعلم بقدراتك ولا نختلط بالناس وأتينا من الجبال ولا ندري شيئاً.
  • ما هذا الكلام؟.. لماذا من الجبال؟..
  • هذا ما تريد قوله يا أفندي.
  • إن أردت لا تأخذ ولا بطاقة واحدة، سوف نجد أناساً يحترمون خاطرنا.
  • خاطركم على رأسي ولكني لا أستطيع الشرح أن..
  • حسناً، حسناً، أعطنا خمس ليرات ولا أحد سوف يحدّثك..
  • لا داعي للكلام بعد أن اتفق على خمس ليرات.
  • أعطنا خمسة لنر..
  • ولكن..
  • نحن ذاهبون، سلام، ناهابيد آغا، لا تؤاخذنا إن ضايقناك.
  • لماذا غضبتم؟
  • لم نغضب، لكن لكل شيء قانون وأصول.
  • سأرغمه على أن يأخذ خمسة، أعطني خمس بطاقات .. ناهابيد أفندي أعطني خمس ليرات.

لم يعد ناهابيد آغا يحتمل، ويعطيه خمس ليرات.

  • في النهاية فعلت ما شئت ولم تدفع أكثر من خمس ليرات .. نشكرك.
  • بخاطرك ناهابيد أفندي.
  • مع السلامة!
  • بخاطرك ناهابيد آغا.
  • مع السلامة!
  • بخاطرك مسيو ناهابيد.
  • مع السلامة!

يذهب جامعو التبرعات. وعندما يقف ناهابيد آغا أمام طاولته، يتقدم إليه شاب ومعه وصل الحساب ويقول وهو يضع الوصل على الطاولة:

  • تفضل.

كان الوصل بقيمة 34 ليرة ذهباً.

ويجيب ناهابيد آغا:

  • نعم، عد بعد ساعة أنا مشغول الآن.

فيطيعه الشاب.

يمكن أن يستغرب قراؤنا أنه كيف يقبل رجل متضايق لدفع فاتورة بقيمة 34 ليرة ويدفع خمس ليرات من أجل حفلة.

ولكن لا داعي للاستغراب، فناهابيد آغا خجول جداً متواضع وحليم الطبع ولا يريد أن يزعج أحداً، فعندما يطرح عليه شخصيات أكبر منه اقتراحاً ينفذه كالأوامر وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمساعدات التربوية.

لم يكن ناهابيد آغا يعمل ليظهر أنه غني، وهذا ما شجّع هؤلاء التجار كي يسلبوه بكل أدب. ويعلم هؤلاء التجار جيداً أن الناس أمثال ناهابيد آغا يقلون بسمنتهم، ويعلمون أيضاً أن ناهابيد آغا هو أضعف مخلوق كي يرفض اقتراحاً، ولذلك قرروا الانقضاض عليه من نقطة ضعفه ليحصلوا على المبلغ، وكيف انقضوا ونجحوا بذلك.

ولكن ناهابيد آغا، التاجر الشريف، أي الذي يحترم توقيعه، حزن هذه المرة قليلاً ورأى في عملية جمع التبرعات تلك شيئاً يشبه  نهب  الأمة نوعاً ما.

وقال ” لم يكن يليق بهؤلاء التجار الغصب إلى هذا الحد، هم يعلمون بحالتي وقد وضعوني مكان الغبي وأخذوا الخمس ليرات بحنكة. وأنا أيضاً مذنب.. كان علي أن أقول إنني لا أستطيع، كان علي أن أرفض، لقد رفضت إلا أنهم انقضوا علي – الأربعة – وأخجلوني. اللعنة على الحفلة وعليهم.. وهل هذا يليق.. أن يعطي شخص مثلي خمس ليرات!.. الخمس ليرات مصروفي لمدة أحد عشر شهراً، ما فعلوه هو اعتداء، ولكن علي الاستعجال، يجب أن أجد الخمس ليرات وأدفع الوصل، يجب أن أدفعها اليوم ، يجب ألا أؤجلها حتى الغد، أنا لست معتاداً على هذه الأمور، ولا أستطيع اقتراح شيء كذلك، إنه عيب كبير، يجب دفع الوصل في اليوم نفسه.

قفل ناهابيد آغا الغرفة وخرج ثم عاد بعد نصف ساعة. فقد نجح باستعادة الخمس ليرات.

ووقف أمام طاولته، مشغول البال وكان يضرب الطاولة بيده ويقول:

  • كانت غباوة مني، كان علي ألا أعطيهم.. لقد خدعوني – الأربعة. هل أذهب لأستعيد الخمس ليرات؟.. هل يعطونني إياها؟.. هل يليق بي أن أطلب منهم؟ لا يعيدونها.. تعلمت أن لا أعطي مبلغاً لأحد بعد الآن، وينتهي الأمر. يجب أن أقلص مصاريف البيت قليلاً لبعض الأشهر كي لا نشعر بفقدان الخمس ليرات. نعم، أفترض أنها سُلبت مني، لن أفكر بها. وهل أستطيع عدم التفكير بها، إنها خمس ليرات ذهبية؟

فُتح الباب ودخل الرجل وبيده الوصل.

  • وقـّع، هاك 34 ليرة.

وقـّع الرجل الوصل وأخذ 34 ليرة.

عاد ناهابيد آغا غاضباً إلى منزله، وروى لزوجته ما حصل له فغضبت زوجته أكثر منه، وصرخت:

  • أن تعطي خمسة ليرات لحفلة، كنتَ اشتريتَ أطقماً لأبنائك بهذا المبلغ.
  • معكِ حق، يا زوجتي، حادث وحصل.
  • إيه، أنت حقاً غبي.
  • معك حق.
  • متى ستشتري أطقم أبنائك؟
  • لا طقم ولا مقم هذه السنة.
  • وماذا سيلبسون في العيد إذاً؟
  • فليلبسوا ما عندهم هذه السنة.
  • أيظهرون بملابسهم الممزقة؟
  • وماذا أفعل؟
  • ولماذا يظهرون كذلك؟
  • لأنني دفعت قيمة الأطقم للحفلة، في النهاية لم أرمها في البحر، سوف يتعلم بها فقراء الأمة، أنا ساهمت بتطوير عملية التعليم.

وبعد عدة أيام.

  • اليوم لم تشتر لحماً، ماذا سنأكل؟
  • لنأكل الفاصولياء قليلاً، كي ننسى الخمس ليرات تلك.
  • وهل يشبع الصبية بالفاصولياء؟.. سيبقون جياعاً.
  • ماذا نفعل ؟ شيء وحصل.
  • إذاً ليبقوا جياعاً كي تُسرّ؟
  • ولماذا يبقون جياعاً؟ نشتري بعض أكياس الحبوب غداً.
  • ادفع أنت خمس ليرات ذهب وليبق أبناؤك عراة وجياعاً، الله

يساعدك يا رجلي. لم أر في حياتي أن يأكل المرء الفاصولياء من أجل حب الوطن.

  • إنه ذنبي، نعم، معك حق، صحيح، فاصوليا.. لم أستطع أن أقول لا، وأعطيتهم الخمس ليرات ذهباً.

من أجل معالجة فقدان الخمس ليرات ذهباً اضطر ناهابيد آغا أن يخصم من القيمة التي خصصها للسجائر والعرق ولم يجر أي تغييرات على مصروف البيت لكي لا يجدوا في البيت موضوعاً جاهزاً للجدال كل ليلة.

 

قصة ناهابيد آغا، هاكوب بارونيان، ترجمة د. نورا أريسيان

[1] (انتظر بأربعة عيون) عبارة تعني انتظر بفارغ الصبر / المترجمة.

Share This