برقيات مجازر الأرمن… من مذكرات نعيم بك (5)

ونتيجة للويلات، والبؤس، والأمراض، كان يموت كل يوم ما بين سبعمائة وثمانمائة أرمني. وكانت جثثهم تترك على الطريق، في الوحل، وفريسة للطيور الكاسرة. وكان ضباط ألمان ونمساويون، وهم شهود عيان لهذه المناظر الرهيبة، يصورونها ويبعثون بالصور إلى بلدانهم.

برقية رقم 502، إلى ولاية حلب.

(نوصيكم بإخضاع النساء والأطفال أيضاً إلى الوصفات التي سبق أن أبلغت عن إخضاع ذكور الأشخاص المعروفين لها »الأرمن«، وأن تكلفوا بهذا العمل أشخاصاً موثوقين.

3 أيلول 1915

وزير الداخلية طلعت.

برقية رقم 537، إلى ولاية حلب.

(علمنا بأن بعض أبناء الشعب والموظفين يتزوجون النساء الأرمنيات. ومع منعي ذلك منعاً باتاً، أصر على التوصية بإرسال النساء من هذا النوع إلى الصحراء بعد طلاقهن.

29 أيلول 1915

وزير الداخلية طلعت.

برقية رقم 691، إلى ولاية حلب.

(أبيدوا بوسائل سرية كل أرمني من المقاطعات الشرقية قد تعثرون عليه في منطقتكم.

23 تشرين الثاني 1915

وزير الداخلية طلعت.

إثر هذه البرقية أجرت مديرية شرطة حلب تحقيقات واعتقلت الأرمن الذين أشير إليهم وسلمتهم إلى دائرة مساعد المدير العام للمنفيين. وقد قتلوا حتماً بالطريق بعد رحيلهم من حلب.

برقية رقم 820، إلى ولاية حلب.

(أوصيكم بصورة عامة بأن ترسلوا بعد الآن مباشرة إلى منفاهم كل الأرمن الذين يأتون من الشمال دون أن تسمحوا لهم بالبقاء في مدينة أو في قصبة.

4 كانون الثاني 1916

وزير الداخلية طلعت.

إن الغرض من هذه البرقية هو زيادة عذاب السكان من أجل إبادتهم بشكل أكيد أكثر. وإذا استطاعوا التوقف في مدينة، فبإمكانهما الاستراحة قليلاً والحصول على بعض السلع للرحلة.

وكانت هناك مسألة النفي تحت الحراسة. وبالنسبة لأولئك الذين كانوا معرضين لهذه المصيبة، لم يعد هناك أي أمل أو أي احتمال ببقائهم على قيد الحياة. وقد كانوا بصورة عامة شباناً اعتقلوا كمشبوهين، وكان يقذف بهم في البداية، في غرفة قذرة وضيقة في فناء سجن حلب، حيث ترفض الكلاب أن تعيش. وبعد إبقائهم مدة عشرة أو خمسة عشر يوماً نصف جائعين، كان يجري سوقهم مكبلي الأيدي يرافقهم دركيون. وحيث أنه كان لدى الدرك الأمر بقتلهم، كانوا يعدمون بالطريق في مكان مقفر، ومن ثم كان يجري تبليغ ذلك إلى إدارة المنفيين بالشكل التالي: »إن المدعوين… المنفيين بتاريخ… قد وصلوا إلى المكان الذي أرسلوا إليه«. إن أولئك الذين كان يصدر أمر بأن يرافقهم دركيون كان محكوماً عليهم حتماً بالموت.

برقية رقم 75، إلى المديرية العامة لتوطين القبائل والمنفيين.

(ثبت، بعد التحقيق، أن عشرة بالمئة على الأكثر من الأرمن الخاضعين للنفي العام قد وصلوا إلى منفاهم، وأن الآخرين ماتوا في الطريق بسبب الجوع، والأمراض، وغير ذلك من الأسباب الطبيعية المماثلة. آمل تحقيق نفس النتيجة بالنسبة للباقين على قيد الحياة بمعاملتهم بشدة.

10 كانون الثاني 1916

عبد الأحد نوري.

إن الهدف من نقل الأيتام إلى سيواس كان قتلهم. وقد أعطيت لي أيضاً تعليمات بصدد نقلهم. وتحت إشراف موظف كلف بذلك خصيصاً، كان هؤلاء الأيتام سيرسلون إلى أريغلي وسينقلون من هناك إلى سيواس بعربة. وكان مطلوباً مني أن أبقى في أريغلي. وفي ذلك الوقت، كان المبلغ المخصص لسوق المنفيين قد نفد. وكان ينتظر وصول تخصيصات جديدة، ولكنها تأخرت ولم تتحقق العملية. وبعد سبعة أو ثمانية أشهر اتخذ قرار جديد، وأرسل الأطفال إلى الصحراء.

إن البرقية التالية المرسلة بالشيفرة من مصلحة المنفيين في حلب إلى استانبول هي دليل قاطع بهذا الصدد:

برقية رقم 63، إلى المديرية العامة لتأمين إقامة القبائل والمنفيين.

(في الوقت الذي يستفحل فيه البرد، فبإرسال الأيتام الموجودين تحت تصرفنا إلى المكان المعين »سيواس« سنؤمن راحتهم الأبدية. ونطلب بالتالي إرسال التخصيصات المطلوبة.

عبد الأحد نوري.

برقية رقم 603 إلى ولاية حلب،

(علمنا بأن أطفال الأشخاص المعروفين “الأرمن” المنفيين من ولايات سيواس، ومعمورة العزيز، ودياربكر، وارضروم، الذين تيتموا وأصبحوا دون معيل نتيجة لموت ذويهم، وقد تبنتهم عائلات مسلمة أو أخذتهم كخدم. ونهيب بكم البحث عن كل الصغار الذين هم في هذا الوضع وإرسالهم إلى منفاهم، ومن ثم تحذير السكان بهذا الصدد بالطريقة التي تجدونها مناسبة.

5 تشرين الثاني 1915

وزير الداخلية طلعت.

إن عائلة من مدينة مرزيفون، في منطقة أماسيا، قد اعتنقت الإسلام قبل أيام من بدء عملية النفي في مدينتها، وأبلغت برقياً رئيس العائلة الذي كان يوجد آنذاك في تشوروم. وحين علم هذا الرجل بأن امرأته وأولاده اعتنقوا الإسلام، أسلم هو أيضاً، لكنه لم يستطع تفادي النفي. وحين وصل إلى حلب قدم استدعاء ذكر فيه أن عائلته في مرزيفون، وهو شخصياً، قد أسلموا، وطلب السماح له بالعودة إلى بلده. ولدى مراجعة مرزيفون، وتشوروم، تحقق في الواقع بأن هذا الرجل قد أسلم وأن اسمه أصبح يوسف ضياء. ولكن بالرغم من ذلك، فإن عبد الأحد نوري بك كتب بهذا الصدد: “بالرغم من إسلامه، وحيث أنه لا يمكن أن يكون هناك استثناء في النفي، يجب أن يذهب إلى دير الزور مع المنفيين الآخرين ويجب أن تلحق به عائلته”. ووافق الوالي على القرار.

إن البرقية التالية من وزارة الداخلية تثبت أن سلوك عبد الأحد نوري بك وموافقة الوالي قد أملتها تعليمات خاصة وردت من استانبول.

برقية رقم 762، إلى ولاية حلب.

(جواب على برقيتكم بتاريخ، كانون الأول 1915.

أبلغوا الأرمن الذين يطلبون، رغبة منهم في تجنب النفي العام »نحو الصحراء« اعتناق الإسلام، أنهم لا يمكن أن يسلموا أبداً إلا بعد ذهابهم إلى منفاهم.

17 كانون الأول 1915

وزير الداخلية طلعت.

…حين كانت ترتكب هذه الجريمة، كان طلعت باشا يبحث عن وثائق تؤمن إفلاته من العقاب، وكان قد خصص لجميع هذه الوثائق بعض الموظفين، وكان ينفق من مال الخزينة. وكان يريد تبرير جريمته بتصوير بعض الأسلحة والبنادق، التي قيل زعماً بأنها وجدت في بيوت الأرمن. ومع الأسف! فإذا كان وجود الأسلحة دليل تحريض وتمرد، فإن كل أجزاء تركيا الأخرى كان يجب أن تعتبر بؤر تمرد. اذهبوا إلى أية قرية تركية وستجدون فيها مئات قطع الأسلحة من الـ»مارتيني« و»الموزير«. وهذه الأسلحة ليست من أجل إحداث اضطرابات وأعمال تمرد، لكن الفلاحين يحتفظون بها، لكي يدافعوا، حين الضرورة، عن حياتهم وممتلكاتهم ضد الأشقياء. وتتبين من هذا الواقع حقيقة أن الحكومة قد حكمت على شعبها بانعدام الأمن.

رقم 563، برقية بالشيفرة من وزارة الداخلية مرسلة إلى ولاية حلب.

(أعدوا وأرسلوا إلينا من الآن حتى أسبوع، الأوراق المطلوبة بموجب الأمر السري رقم 1923 بتاريخ 25 أيلول 1915.

12 تشرين الأول 1915

وزير الداخلية طلعت.

(»حاشية«، استفسار من المصلحة العامة للمنفيين.

23 تشرين الأول  الوالي مصطفى عبد الخالق).

في هذا الأمر السري توصية بالعثور على بعض الأرمن من حاجين، ودورت يول، ومرسين، وإكرامهم، وتدليعهم، ودفعهم للموافقة على أن يكتبوا بأيديهم وبتواقيعهم وثيقة يعلنون فيها أن الداشناقتسوتيون يقوم باستعداد لتفجير تمرد في وقت الحرب، وأنه أمن في كل مكان الحاجات الضرورية لهذا التمرد. وأعطي التوجه أنه فضلاً عن ذلك، فإن الموقعين على هذه الورقة يجب أن يكونوا أصحاب وضع مرموق.

وإثر هذه البرقية تحققت أشياء كثيرة لتنفيذ هذا الأمر، ولكنني أجهل كيف وبأية وسيلة. ولهذه الغاية اعتقل وسجن بعض الأشخاص. وجمعت لجنة تتألف من ضابط في المحكمة العرفية، وموظف قضائي، ومستشار المنفيين أيوب بك، عددا من الاعترافات من هؤلاء الأشخاص. بل وقد جرى تصويرهم، لكنني أجهل النتيجة.

 

المصدر: من مذكرات نعيم بك، سكرتير أول لدى مدير عام مساعد لشؤون المنفيين ، مقطتفات من كتاب (مجازر الأرمن شهادات ووثائق) إعداد باروير يريتسيان، بيروت، 1986. (5)

مقتطف من كتاب “شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية (مجموعة وثائق) بمناسبة ذكرى مرور مئة سنة على الإبادة الأرمنية (1915-2015)”، إعداد وإشراف ودراسة: البروفيسور الدكتور آرشاك بولاديان، دمشق-2014، حيث ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر مقتطفات منه.

 

Share This