شهادة أرنولد ج. توينبي حول إبادة الأرمن

من هو أرنولد توينبي؟

 

ولد (Arnold Joseph Toynbee) في لندن، في عام 1889، عمل كمدرس للغتين اليونانية واللاتينية في أكسفورد، وتقلَّب في عدَّة مناصب، منها: أستاذ الدراسات اليونانيَّة والبيزنطيَّة في جامعة لندن، ومدير دائرة الدراسات في وزارة الخارجية البريطانية؛ توفي في 22 تشرين الثاني عام 1975.

بدأ دراسة الاقتصاد السياسي في جامعة أكسفورد، ثم ذهب للتدريس بعد تخرجه في عام 1878. له محاضرات عن تاريخ الثورة الصناعية في القرنين 18 و19، كان أول من استخدم ونشر مصطلح “الثورة الصناعية” في  الأقاليم الناطقة بالإنجليزية وألمانيا وأماكن أخرى.

يُعتبر توينبي أحدث وأهم مؤرخ بحث في مسألة الحضارات بشكل مُفصَّل وشامل، ولاسيما في موسوعته التاريخية “دراسة للتاريخ” التي تـتألَف من اثـني عشر مجلداً، استغرق في تأليفها واحداً وأربعين عاماً. وهو يرى خلافاً لمعظم المؤرخين الذين يعتبرون الأمم أو الدول القومية مجالاً لدراسة التاريخ، أنَ المجتمعات (أو الحضارات) الأكثر اتساعاً زماناً ومكاناً هي المجالات المعقولة للدراسة التاريخيَّة.

وهو يُفرق بين المجتمعات البِدائية والحَضارية، وهذه الأَخيرة أقل عدداً من الأولى، فهي تبلغ واحدًا وعشرين مجتمعاً اندثر معظمها، ولم يبقَ غير سبع حضارات تمر ست منها بدور الانحلال، وهي  الحضارة الأرثوذكسية المسيحية البيزنطية، والأرثوذكسية الروسية، والإسلامية، والهندوكية، والصينية، والكورية-اليابانية؛ أمَّا السابعة، أي الحضارة الغربية، فلا يُعرف مصيرُها حتَّى الآن.

ويفسر أرنولد توينبي نشوء الحضارات الأولى، أو كما يسميها الحضارات المنقطعة، من خلال نظريَّته الشهيرة الخاصة بـ”التحدِي والاستجابة”، التي يعترف بأنَّه استلهمها من علم النَفس السلوكي، وعلى وجه الخصوص من كارل يونغ 1916- 1987، ويقول هذا العالم إن الفَرد الذي يتعرَض لصدمةٍ، قد يفقد توازنه لفترة ما، ثمَّ قد يستجيب لها بنوعين من الاستجابة: الأولى النكوص إلى الماضي لاستعادته والتمسك به تعويضاً عن واقعه المر، فيُصبح انطوائيا؛ والثانية، تقبُّل هذه الصدمة والاعتراف بها، ثمَّ مُحاولة التغلُّب عليها، فيكون في هذه الحالة انبساطياً. فالحالة الأولى تعتَبر استجابة سلبية، والثانية إيجابية بالنسبة لعلم النفس. (لاحظ أن ذلك ينطبق على حالة العرب، فإنَّهم تعرَّضوا لصدمة الحضارة، فلجؤوا إلى النكوص إلى الماضي دفاعًا عن النفس.

أرنولد توينبي يعادي الحروب، ويعتبر اختلاف القوميات هو السبب الرئيس لنشوب الحروب، بالنسبة له الحروب هي من أكبر الجرائم، ودليل على فشل الإنسان الخلقي، فهي ظهرت من بداية حضارة الإنسان، عندما أصبح لدى الإنسان فائض من الوقت والطاقة والإنتاج وقوة التنظيم والإدارة، لإعداد مجموعة قادرة على القتل وتعريض نفسهم للموت من غير تردد.

“ارتكبت كل هذه الأعمال الوحشية بحق الأرمن على الرغم من أنهم لم يفعلوا أي شيء يدعو لذلك”.

أرنولد توينبي، 1915

كان لتوينبي بعد الحرب العالمية الثانية مشاركات عديدة ومقالات عن المجازر الأرمنية وتنديد لسياسة حكومة تركيا الفتاة والعديد من الخطابات.

وفي كتابه معاملة الأرمن في الأمبراطورية العثمانية 1915 كتب: بذلت الحكومة العثمانية قصارى جهدها لمنع نبأ تسريب وتهجير الأرمن إلى العالم الخارجي، فأنشأت رقابة صارمة على كل الحدود وقطعت الاتصالات الخاصة بين القسطنطينية والمحافظات، وتم عزل المحافظات، والمحافظات نفسها كانت معزولة عن بعضها بعضاً، وقد تم الحصول على المعلومات التي لدينا من الشهود الذين نجحوا في الخروج من تركيا بعد وقوع المجازر وعمليات الترحيل. والمذكورة تجاربهم في هذا الكتاب.

ومن التوطئة التي كتبها توينبي ” للكتاب الأزرق” الذي نشرته الحكومة الإنكليزية في آب 1916، والذي يحتوي على شهادات شهود عيان كثر حول المجزرة الأرمنية، وعلى تحليلات مؤرخين محايدين تتمتع بصفة علمية وأكاديمية لا غبار عليها ذكر:

“يجب في البداية تحديد عدد الأرمن القاطنين في الإمبراطورية العثمانية في الفترة التي بدأت فيها عمليات الإبعاد. كل الأرقام الأخرى تعتمد في النهاية، على هذا الرقم الأول الذي يصعب الحصول عليه، لأنه ليس لدينا أي تقدير نابع من مصدر أجنبي مستقل، وتناقض التقديرات الآتية من تركيا واسع.  وبحسب البطريرك الأرمني الذي قام بإحصاء عام 1912، يبلغ عدد الأرمن في الإمبراطورية العثمانية مليونين ومئة ألف نسمة. والحكومة التركية في إحصاءاتها الرسمية الأخيرة تقدم رقم المليون ومئة ألف نسمة ليس أكثر. من الجهتين هناك مصلحة رسمية بالمبالغة بالأرقام، ولكن هناك مجال للاعتراف بأن الأرمن يحترمون أكثر من الآخرين دقة الأرقام، أو أن لديهم على الأقل الشعور بلا جدوى تزوير الأرقام. وحتى نكون محايدين في هذه الظروف، فإننا سوف نقسم الفرق إلى اثنين، فنقدم مؤقتاً رقم المليون وستمئة ألف نسمة مع الاعتراف بأن الرقم الحقيقي يقع على الأرجح بين هذا الرقم ورقم المليونين، وبأنه يقترب من هذا الأخير على الأرجح. والأرقام الأخرى التي نحتاج إليها سوف يمكن أخذها، لحسن الحظ، من شهادات أجنبية حيادية يندر وجود تناقضات فيها.

من أشهر مؤلفاته:

الفظائع الأرمنية:  قتل أمة هودر و ستوكتون 1915

الجنسية والحرب (دنت 1915)

معاملة الأرمن في الإمبراطورية العثمانية 1915

أوروبا الجديدة (دنت 1915)

دمار بولندا (دراسة في الكفاءة الألمانية 1916)

الإرهاب الألماني في بلجيكا (هودر وستوكتون 1917)

الإرهاب الألماني في فرنسا (هودر وستوكتون 1917)

تركيا: الماضي والمستقبل (هودر وستوكتون 1917)

دراسة في التاريخ 1935

حضارة في التجربة 1946

انظر: نعمان ناجي، مئة … وتستمر الإبادة، بيروت، 2015، ص 148-150.

موسوعة القضية الأرمنية (باللغة الأرمنية) يريفان، 1996، ص 140-141.

https://en.wikipedia.org/wiki/Arnold_Toynbee

http://armeniangenocide100.org/en/

 

المصدر: (مختارات من بعض الكتابات التاريخية حول إبادة الأرمن عام 1915، ترجمة: خالد الجبيلي، اللاذقية – 1995)- شهادة أرنولد ج. توينبي، مقتطف من كتاب (شهادات غربية عن الإبادة الارمنية في الإمبراطورية العثمانية)، إعداد ومراجعة ودراسة: البروفيسور-الدكتور آرشاك بولاديان، دمشق – 2016)

Share This