المطران أغناطيوس مالويان

 

أبصر النور في ماردين في 15 نيسان 1869 ودرس العلوم في دير بزمار. ونصبه الرئيس قبل ارتقائه إلى الدرجة المقدسة مرشداً للأخوية وارتسم كاهناً في 6 آب 1896 ومكث بالدير سنة ونصف سنة ثم سار إلى الاسكندرية ومصر وخدم الطائفة فيهما. واستدعاه البطريرك بولس صبّاغيان إلى الأستانة وجعله كاتب سرّه. وعام 1910 شخص إلى ماردين وصحبه الأب يعقوب نسيميان فتم اتفاق الجماعة قاطبة على انتخابه مطراناً للأبرشية. وفي 22 تشرين الاول 1911 ارتسم مطراناً في عاصمة الكثلكة وقفل راجعاً إلى أبرشيته وطفق يرعاها بالخرم والغيرة. وكان مضطلعاً بالأمور ريَّان من المعارف الدينية والعلوم الأدبية خبيراً بالأرمنية والفرنسية والعربية والتركية والانكليزية وكان ذا المام باللغات الشرقية كالعبرانية والسريانية. وكان موصوفاً ببلاغة المنطق يلقي الخطب الارتجالية النفيسة مستقياً المناهل الطيبة من الكتاب الكريم ومؤلفات ابآء الكنيسة المشهورين.

واعلم أن أبرشية ماردين الأرمنية تشمل الموصل ودير الزور وبغداد والبصرة ولها بماردين كنيستان الواحدة قديمة على اسم جرجس الشهيد يرتقي عهدها الى القرن الخامس والثانية حديثة كرّسّت سنة 1894 على اسم مار يوسف. وفي غربي ماردين قرية تل أرمن عمّرها النصارى على أنقاض دُنيسر (قوجحصار) كان أهلها كلهم أرمن ولهم كنيسة على اسم مار جرجس. وللأرمن دير على اسم بربارة الشهيدة في شمالي ماردين وهو من آثار السيد ملكون طازباز الطيب الذكر يقصده الزوّار كل سنة في الأحد الأول من شهر أيار ولهم كذلك دير على اسم يوحنا المعمدان في قرية الموسكية غربي ماردين تعهده السيد اغناطيوس المذكور في الخير وعثر فيه على بعض الحجار القديمة والآثار الحريّة بالذكر. ولهم كذلك كنيسة في دارا وجماعة معدودة وعُرفت مذ عام 1856 كان لهم كاهن يدبر شؤونهم الروحية. وكان لهم أيضاً كنيسة على اسم مار يوحنا في ويران شهر وجماعة معتبرة وورتبيت يسوس نفوسهم. وكان لهم في ديركه كذلك كنيسة وجماعة وكاهن يرعاهم. واغلب هذه الرسالات ان لم نقل كلها قد تضعضعت في هذه الأيام النحسة ولم يبق فيها سوى أنفار قلائل.

واعلم أن عدد الأرمن الكاثليك في ماردين وضواحيها بلغ قبل النكبة الهائلة زهاء خمسة عشر الفاً. وكانوا بأجمعهم كاثوليكيين قحّين لا يدرون التكلم بالأرمنية بتة. واشتهروا بالمروءة والسخاء والرسوخ في الدين القويم. وكان المسلمون يحبونهم ويعزّونهم ويترددون اليهم ويبيعون ويشترون معهم. ولا ندري كيف تبدلت الحال في هذه الأيام الأخيرة حتى أنه لم يبق منهم في البلد عند شبوب النيران سوى بعض عيال لا تتجاوز عدد الأنامل.

ومن أشهر العيال الأرمنية بماردين وأكبرها أسرة بوغوص وكسبو وطازباز وكجو ومالو وجنانجي وآدم وترزباشي وكندير ونسمه وقره زوان وعين ملك وبطاني وشلمي وجاندري وتازا ومناظر وشد وخوجا يونان وقبلو وحنجو ومرشو وجرو وترزي واحمراني الخ الخ … ومنها ما يبلغ عدد أفرادها مائتي نسمة بنيف.

فهؤلاء بأجمعهم قد سيقوا خارج وطنهم كالخراف الوديعة وأودي بحياتهم لغير سبب ولم ينج منهم إلا من انهزم أو اختفى. ويجدر بنا أن نختم هذا الفصل بما كتبه البابا غريغوريوس الثالث عشر في رسالته المسطرة سنة 1854 قال: »إن طائفة الأرمن لا يحصى عددها ولا يستصقى حدها مشهورة بالقدم والاسم مستحقة بليغ الثناء لحبها للديانة المسيحية وثباتها فيها دون سائر طوائف المشرق«.

المصدر: من فصل (القصارى في نكبات النصارى، للعلامة الأب اسحق أرملة السرياني، الطبعة الأولى- 1919)،  السيد اغناطيوس مالويان، ص 29-31 (2).

مقتطف من كتاب “شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية (مجموعة وثائق تاريخية)، إعداد وإشراف ودراسة: البروفيسور الدكتور آرشاك بولاديان، دمشق-2014، حيث ينفرد موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر مقتطفات منه.

 

Share This